حزب الله لإسرائيل: أقتلونا.. فإنّنا سنقتل السوريين

الخطوط الحمر التي وضعتها اسرائيل أمام المتقاتلين في سوريا ممنوع تجاوزها: مسموح لكم ان تقاتلوا بعضكم حتى الإفناء أيها الإرهابيين. لكن إيّاكم والمسّ بالأمن الإسرائيلي"، هذا هو لسان حال اسرائيل التي تعيش اليوم عصرها الذهبي كدولة يهوديّة قويّة وسط أشباه دول مبعثرة مقسّمة، متناحرة طائفيّا ومذهبيّا.

قصف الطيران الاسرائيلي مساء الاثنين “هدفا لحزب الله” عند الحدود اللبنانية السورية، بحسب مصدر أمني لبناني، من دون التأكّد فعلا إذا كان الهدف داخل الاراضي اللبنانية أم تلك السورية.

من جهته، ذكر “المرصد السوري لحقوق الانسان”، المعروف بمصداقية أخباره، أنّ “الطيران الاسرائيلي قصف مركز قاعدة صواريخ لقوات حزب الله اللبناني التي تشارك بعمليات القلمون (السورية الحدودية مع لبنان)، قرب قريتي جنتا (لبنان) ويحفوفا (سوريا) على الحدود، ولا يعرف إذا ما كانت المنطقة داخل الاراضي السورية او اللبنانية”.

يوم الأربعاء أكّدت مصادر إعلاميّة لبنانية، نقلاع ن “حزب الله”، أنّ الغارة الجوية التي وقعت في آخر نقطة عند الحدود السورية أصابت هدفا تابعا لـ”حزب الله” لن يتم الافصاح عنه “في هذه المرحلة لأسباب تتعلّق بالردّ على هذه العملية”.

الغريب أن أحد المواقع الإلكترونيّة المقرّبة من “حزب الله” نقل مهدّدا “بأنّ الحزب قرّر أن يكون الردّ على هذه الغارة بنفس الطريقة، أي داخل الاراضي السورية”! مع التشديد على أنّ “الأيام القليلة المقبلة ستشهد عملا نوعيا سيعلن عنه بعد اتمامه”.

إذا أردنا أن نحلّل هذه المعلومة سيكون الاستنتاج (غير الصحيح مبدئيا) أنّ “معركة القلمون تحظى باهتمام اسرائيلي كبير، وصل الى حدّ التهديد بالتدخل المباشر فيها، وبالتالي فإنّ حسم هذه المعركة سيشكل ضربة قاسية لإسرائيل لأن حزب الله سيكون بقدراته ومقاتليه متفرغا بشكل كامل لمواجهة إسرائيل جنوباً هذه المرة”!

يُفهم هنا أنّ ردّ حزب الله على الغارة الإسرائيليّة سوف يكون بتصعيد حربه ضدّ فصائل المعارضة السوريّة، تحديدا في القلمون ويبرود، كأنّ اسرائيل يعنيها من سوف يسيطر من أعدائها على هذه المدينة أو تلك القرية، من التنظيمات المتقاتله،المعروف أنّها مصنفة “إرهابيّة” لديها ولدى أميركا، من “حزب الله” الى “داعش” الى “جبهة النصره”… فلماذا تفضّل تل أبيب انتصار عدوّ على عدوّ؟

يبدو المشهد أمام المراقبين أشبه بصورة أكروباتية سخيفة تنقلب داخلها الأمور رأسا على عقب. فإسرائيل تظهر، بغاراتها أمس الأول، كأنّها تشاغب على المعركة المصيريّة التي تدور رحاها اليوم بين حزب الله وفصائل المعارضة السوريّة في القلمون. ويتحوّل الصراع مع “الكيان الصهيوني”الى عنوان ثانوي في ظل الحرب المعلنة “ضدّ الإرهاب والتكفيريين” في سوريا، التي يقودها حزب الله بإصرار وبسالة، باذلا في سبيلها مئات الشهداء حتى الآن.

فقد أعلن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بداية أنّه دخل المعركة في سوريا إلى جانب نظام الأسد حماية للقرى اللبنانيّة الشيعيّة من سطوة التكفيريين ودفاعا عن المقامات المقدّسة، ثم اعلن لاحقا أنّ قتاله هدفه تأمين ظهر المقاومة وحماية لخطوط امدادها، وأخيرا أفصح “السيّد” بأنّها “معركة وجود”. وهذا المصطلح لم يستخدم حتّى في الصراع ضدّ إسرائيل لأنّ المعركة معها كانت ضدّ “المحتل”.

هذا فيما يتعالج عشرات الجرحى من فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة، الإسلاميّة منها والوطنيّة، في المستشفيات الإسرائيليّة علنا، مرحبين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عادهم مطمئنا على صحتهم مبرزا الجانب الإنساني لـ”العدو الصهيوني”. وهؤلاء غير عابئين لا بالعداوة التاريخيّه ولا حتى بالعداوة الدينيّة. لأن صراعهم الشرس مع جيش النظام السوري وحزب الله  هو “صراع وجودي” أيضا بالنسبة لهم.

 هكذا بدا أنّ اسرائيل حققت خرقها الذي انتظرته طويلا في وعي أعدائها العرب. فالعداء أصبح بينهم الآن، مع نهر الدماء الذي يجري في سوريا. لذلك يمكن لطائراتها أن تخترق الأجواء اللبنانيّة والسوريّة مرارا وتكرارا دون ان يطلق عليها رشق واحد من المضادات الأرضيّة لا من جانب الجيش النظامي السوري ولا من جانب حزب الله… لأنّ تلك المضادّات لم تعد مصوّبة الى أعلى باتجاه الطائرات المغيرة، بل نحو الأرض تضرب “الأخوة الأعداء” في الجبهة المقابلة. فتغير تلك الطائرات وتصيب أهدافا لـ”حزب الله” وتدمّرها، دون أن يشيح الأخير بنظره ولو قليلا الى الأعلى، فالأولويّة لمعركة الوجود على الأرض.

الخطوط الحمر التي وضعتها اسرائيل للمتقاتلين ممنوع تجاوزها: أمن إسرائيل فوق كل اعتبار. هي قادرة في الزمان والمكان المناسبين أن تقصف وتغير على أي هدف يشكّل خطرا على أمنها القومي. وهي اعلنت صراحة أنّها لن تسمح لحزب الله بحيازة صواريخ أو أي سلاح استراتيجي يهدّد أراضيها. وما غارة أمس سوى تطبيق للسياسة الصارمة التي أعلنتها. وهي تعلم جيّدا أنّ الحزب لن يستطيع الردّ على أعمالها العسكريّة التي استهدفته وأن يقاتل على جبهتين، وتعلم أيضا أنّ الأولويّة له أصبحت القتال في الجبهة الشرقيّة الشماليّة للبنان، لا في جبهته الجنوبيّة.

“مسموح لكم ان تقاتلوا بعضكم حتى الإفناء أيها الإرهابيين. لكن إيّاكم والمسّ بالأمن الإسرائيلي”، هذا هو لسان حال اسرائيل التي تعيش اليوم عصرها الذهبي كدولة يهوديّة قويّة وسط أشباه دول مبعثرة مقسّمة، متناحرة طائفيّا ومذهبيّا.

السابق
أوكرانيا تحذر روسيا من أي اعتداء عسكري في منطقة القرم
التالي
كفى… مريع ما يحدث في سوريا