تشكيل الحكومة: مصلحة مؤقّتة بانتظار حسم سوريا

تشكيل الحكومة ربما يكون بداية تسوية بين الفئات اللبنانية لتجنيب البلد المزيد من المآسي. لكن لايمكن لهذه التسوية أن تبلغ مرحلة النضوج قبل خروج حزب الله من سوريا. ما يمكن أن يدلّ إلى أنّها مصلحة وقتية لدى الأطراف، بانتظار الحسم البعيد في سوريا.

مع الدخول في مرحلة العمليات الانتحارية، وانزلاق الوضع الامني اللبناني الى مستوى خطير ينذر بملامسة لبنان الوضع العراقي، وارتفاع منسوب الخطاب والاحتقان الطائفي المبشّر باحتمالية العودة الى كابوس الحرب الاهلية المدمرة، التي ما زالت أثارها تخيم في أذهان من واكبها.. كان لا بدّ من نقطة تلاقي جامعة بتأشيرة خارجية تمنع دخول لبنان في مرحلة الانفجار الكبير. هذه النقطة عنوانها “حكومة سياسية جامعة”.

حكومة لم تشكّل من فراغ بعد 10 أشهر على تسمية الرئيس تمام سلام لتشكيلها، و3 سنوات على اسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، بل أتى تشكيل الحكومة في هذا التوقيت نتيجة أسباب عدّة داخلية وخارجية اجبرت الجميع على تخفيف مستوى الخطاب السياسي وسقفه، والتنازل عن “لاءات” كانت تدخل نطاق التقديس عند الأفرقاء اللبنانيين.

فلاءات 8 آذار: لا لحكومة لا يكون لها الثلث المعطل داخلها، أي لا لحكومة الثلاث 8 8 8، ولا للمداورة في توزيع الحقائب، سقطت تحت ذريعة “المصلحة الوطنية”، وكذلك لاءات 14 آذار المتمثلة بلا للمشاركة في حكومة مع حزب الله قبل خروجه من سوريا، أيضا سقطت تحت ذريعة “المحافظة على السلم الأهلي”.

لاءات لم تكن الا حجة لعدم التشكيل ظنّا منّ الطرفين أنّ الازمة السورية قد شارفت على الانتهاء ونتيجتها ستحدّد من هو الفريق الذي سوف يفوز سياسيا في لبنان.

هذه اللاءات التي تقاطعت مع منسوب الخطاب الطائفي المرتفع والتعبئة السياسية المستمرة، مشكلة نابعة من مخزون فكري لدى الطرفين يجعلها يرفضان بعضهما البعض. قد تكون ظهرت نتائج هذه المكنونات بعد تشكيل الحكومة لدى جمهوري طرفي الصراع، فقد رفض جمهور كلّ طرف شكل الحكومة التي تضمّ الطرف الآخر.

فالجمهور، نتيجة التعبئة المستمرة، وصل إلى مرحلة رفض التلاقي مع الفريق الآخر. وعملية الرفض هذه كفيلة بخلق مناخ خصب للجماعات الارهابية في العبث بحرية مطلقة على الساحة اللبنانية المهيئة للاستثمارات الامنية المختلفة.

أما حزب الله المتورط في الحرب السورية، الذي أسقط الرئيس الحريري محاولا اقصائه عن الساحة السياسية اللبنانية، فاكتشف أنّ بديل سعد الحريري على الساحة السنية لن يكون حزب الله نفسه، بسبب التركيبة الطائفية اللبنانية، بل سيكون التطرّف السني الذي يضربه في قلب مناطقه. وما قبول حزب الله بواقع هذه الحكومة، التي تدلّ على عملية تراجع سياسي قام بها نتيجة ما يمرّ به اليوم من محنة على الصعيد الأمني والسياسي، وقبوله باستلام 14 آذار حقائب العدل والاتصالات والداخلية… كلّها محاولات لوضع 14 آذار في مواجهة “الارهاب”.

فلماذا قبلت، بل استقتلت 8 آذار اليوم، لدخول 14 آذار معها في حكومة سياسية بعدما حكمت بمفردها ثلاث سنوات؟ هل هذا اعتراف بفشلها في إدارة شؤون الدولة؟ أم مصلحتها تقتضي ذلك في هذه المرحلة؟

وما زيارة مسؤول جهاز الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا إلى منزل وزير العدل أشرف ريفي، ومشهد مرافقته وزير الداخلية نهاد المشنوق في تفقّد موقع التفجير المدوج في بئر حسن، بغضّ النظر ان كانت الزيارة منسّقة أو غير منسّقة، الا انطباع عن مدى حاجة حزب الله  إلى تيّار المستقبل للخروج من أزمته.

إضافة الى ما ذكر فإنّ تشكيل الحكومة أتى ايضا بقرار خارجي، إ1 أنّ الدول الكبرى والاقليمية غير راغبة بفتح جبهة جديدة في لبنان.

تشكيل الحكومة ربما يكون بداية تسوية بين الفئات اللبنانية لتجنيب البلد المزيد من المآسي. لكن لايمكن لهذه التسوية أن تبلغ مرحلة النضوج قبل خروج حزب الله من سوريا. ما يمكن أن يدلّ إلى أنّها مصلحة وقتية لدى الأطراف، بانتظار الحسم البعيد في سوريا.

السابق
نجيب الغضبان: المقاتلون السوريون بالاردن دربوا من قبل المخابرات الاميركية
التالي
المشنوق دان تفجير الهرمل: ندعو القوى السياسية لاقفال معابر الموت