هل يبني العبادي ما هدمه المالكي؟

حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي المكلف رجل سيء الحظ. لا لأنه ورث بلدا محطما وشعبا ممزقا واقتصادا ريعيا غارقا في الفساد، حسب بل لأنه أيضا سيرى وجه سلفه في المنصب وزعيمه السابق في الحزب نوري المالكي كلما فتح ملفا من ملفات الخراب المتراكمة.

سيطل وجه المالكي الكالح والكئيب من عتمة تلك الملفات.

كان العبادي قد شق عصا طاعة حزب الدعوة وزعيمه حين قبل أن يتصدى لهذه المهمة الانتحارية. في هذه النقطة كان رجلا شجاعا وجريئا، بالرغم من أن انتماءه الى الحزب المذكور وتربيته العقائدية ذات الصبغة الطائفية داخل سراديب ذلك الحزب قد جعلت المتفائلين بمقدمه يترددون في الثناء على قدرته على حسم الكثير من القضايا الشائكة التي كان المالكي قد تركها مفتوحة مثل جرح نازف.

لقد أهدى المالكي خلفه في المنصب سلة مليئة بالالغام.

لن يكون تنظيم داعش الذي تقف فصائله على حدود بغداد إلا المقدمة لسلسلة لا تنتهي من المشكلات التي وضعت العراق في مقدمة الدول الفاشلة والفاسدة والحائرة.

فإذا افترضنا مجازا أن الغرب الذي رحب بمقدم رئيس وزراء جديد كان جادا في مسألة القضاء على تنظيم داعش، وهو ما يستطيع القيام به خلال ساعات، فهل سيكون في إمكان العبادي أن يواجه بعزم المشكلات التي خلقها احتلال ذلك لتنظيم لثلث اراضي العراق وتشريده لمعظم سكانها؟

ماذا عن القتلى والارامل والايتام والسبايا والمصلوبين ومشاهد القتل الجماعي وتفجير الاضرحة وهدم المساجد ونظام الحلال والحرام الذي كان سائدا؟

كيف يمكن للعبادي أن يفسر للعراقيين الموقف السلبي المتهالك الذي اتخذته حكومة المالكي حين هُزم جيشها من غير أن يقاتل؟

هل سيغسل الرجل يده بـ’ديتول’ القوات المحررة التي هي قوات غزو واحتلال جديدين؟

ومع ذلك فان كل تلك الأفكار المتفائلة قد لا تجد طريقها إلى الواقع.

سيحتاج الرجل إلى خبراء مستقلين، محايدين من أجل استعادة شيء من ذاكرة الدولة التي محاها المالكي بسياساته القائمة على الاقصاء والتهميش والعزل والابعاد وهي السياسات التي أدت بالعراق إلى أن تكون بلدا منتهكا، مفتوحا للغزاة.

من أين يأتي بأولئك الخبراء، وقد تضخمت دولة المالكي بالمرتزقة من أقربائه والموالين له والحالمين بقيام عراق شيعي؟

سيكون من السذاجة التفكير في أن المالكي لم يطو الكثير من صفقات الفساد التي أبرمت أثناء حقبته، وكان هو المستفيد الاكبر منها، غير أن الشركات الوهمية التي كانت طرفا في تلك الصفقات لا تزال تنظر إلى العراق باعتباره صيدا سهلا. فهل سيكون في إمكان العبادي أن يتصدى الى تلك الشركات التي هي جزء من ارث آل البيت السياحي؟

لقد أغدق المالكي بهباته غير المحدودة على مناصريه، وهو ما أدى إلى حرمان جزء كبير من الشعب العراقي من حقه في ثروة، يسمع بها ولا يراها. فهل يملك العبادي القدرة على أن يعيد النظر في توزيع تلك الثروة بما يضمن انقاذ الفقراء من فقرهم وغير المتعلمين من جهلهم وحملة السلاح من نزعة القتل؟

لقد نجح المالكي في تحشيد جيش من الفقراء والاميين والقتلة ولن ينجح العبادي في مهمته الانقاذية إلا إذا أدار ذلك الجيش بشعور وطني، يعيد إلى الإنسان العراقي كرامة وجوده مواطنا في وطنه، من غير تمييز.

يرث العبادي بلدا حطمه المالكي، الذي ينظر إليه الغزاة من هولاكو حتى جورج بوش الابن باعجاب منقطع النظير.

لقد استطاع الرجل، أقصد المالكي أن يحرق ترليون دولار هو ما حصل عليه العراق لقاء بيع نفطه خلال ثمان سنوات من غير أن يبني مدرسة أو مستشفى أو دارا للعجزة أو جسرا أو مبان للسكن أو مسرحا أو دار سينما أو قاعة للعروض التشكيلية والمؤتمرات أو فندقا أو جامعة ولم يشق نهرا ولم يعبد طريقا ولم يطبع كتبا.

كانت تلك الترليون من الدولارات كافية لاقامة المانيا جديدة.

ولكن العبادي الذي كان جزءا من ماكنة الحكم سيصاب بالهلع، حين يكتشف أن زعيمه كان قد وظف كل شيء من أجل يكون الخليفة في بلد ينعم سكانه بالفقر والجهل والرغبة في الانتقام.

مفجوعا بماضيه يبدأ العبادي مسيرته حاكما، فهل سيتمكن من صنع مستقبل مغاير؟

السابق
الوزير خليل: نرفض التفاوض مع خاطفي العسكريين بـ«شكل مباشر»
التالي
جنبلاط: تشبيه حزب الله بداعش هرطقة وغباء