
في ليلة مضطربة لم تكن تشبه غيرها، كانت الأوامر تتغير بسرعة، والطرق تُغلق قبل أن تُفتح، بينما أصبحت دمشق مدينة بلا ضمانات. في مطار مهجور، وسط قاعدة تتعرض لهجمات متتالية، وداخل دائرة من الفوضى وانقطاع الاتصالات، وجدت عائلة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد نفسها أمام قرار لم يكن في الحسبان. لم يكن هناك متسع من الوقت، ولم يكن هناك خطة واضحة—فقط رحلة ليلية غير معلنة ستحدد مصيرهم للأيام القادمة ويهربون من البلاد.
حافظ الأسد يروي؟
في منشور على منصتي «إكس» و«تلغرام» استطاع موقع «جنوبية» الإطلاع عليه، منسوب لحافظ الأسد، نجل الرئيس المخلوع، روى فيه تفاصيل الليالي الأخيرة قبل مغادرتهم البلاد، على وقع هجوم غير مسبوق للمعارضة السورية انتهى بتسلم فصائل منها مقاليد الحكم في سوريا.
ليس هناك ما يؤكد تماما أن المنشور هو فعلا لحافظ الأسد، عدا عن أن عدد من الصحافيين نشر التصريح، فيما أكدت الناشطة الأميركية الكندية إيفا بارتليت إنها كانت على تواصل مع حافظ، وهذا المنشور يعود له. ولاحقًا، حظرت منصة «إكس» الحساب الذي كان موثقا بالعلامة الزرقاء، في حين ما زال المنشور موجودا على «تلغرام».
كذلك، رصد «جنوبية» حسابات تتبع السياسة الروسية عبر «تلغرام» نشرت التصريح، وقالت إنه بيان مزعوم لحافظ الأسد. ومع ذلك، لا يمكننا التأكد بشكل مستقلّ تماما من صحته.

رحلة غير مخطط لها
في المنشور، يكشف حافظ الأسد تفاصيل مغادرة العائلة لسوريا في كانون الأول الماضي، مؤكداً أن الرحيل لم يكن ضمن أي خطة مسبقة، بل جاء نتيجة التطورات الميدانية المفاجئة.
«لم يكن هناك أي خطة، ولا حتى احتياطية، لمغادرة دمشق، ناهيك عن سوريا»، هكذا بدأ حافظ الأسد روايته للأحداث، مشيراً إلى أن البلاد مرت خلال 14 عاماً بظروف صعبة وخطيرة، ولم تكن الفترة الأخيرة استثناءً. وأضاف أن من أراد الهروب فعل ذلك منذ السنوات الأولى للحرب، عندما كانت دمشق شبه محاصرة وتتعرض للقصف يومياً.
العودة من موسكو
يوم 29 تشرين الثاني، كان حافظ في موسكو لمناقشة رسالة الدكتوراه، حيث كانت والدته أسماء الأسد هناك لاستكمال العلاج بعد عملية زرع نقي العظم.
ومع تدهور الوضع في سوريا، قرر حافظ العودة إلى دمشق يوم 1 كانون الأول للانضمام إلى والده وأخيه كريم، بينما بقيت والدته وشقيقته زين في موسكو.
في صباح السبت 7 كانون الأول، قدم شقيقه كريم، دائما بحسب حافظ، امتحاناً في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، فيما كانت شقيقته زين تستعد للعودة إلى دمشق يوم الأحد.
لكن مع انتشار شائعات عن هروب العائلة، سارع حافظ على ما يروي إلى نشر صورة له في حديقة النيربين في حي المهاجرين عبر حسابه الشخصي على إنستغرام، نافياً بذلك تلك الأخبار.
ورغم أصوات الاشتباكات البعيدة نسبيا، لم يكن هناك ما يوحي بتدهور كبير في الأوضاع، إلى أن جاءت بإعلان انسحاب الجيش من حمص، بعد انسحابه من حماة وحلب وريف إدلب، الانسحاب الذي وصفه نجل الرئيس السوري بأنه «كان مفاجئًا».
منتصف ليل السبت: الروس يطلبون الانتقال إلى اللاذقية
بعد منتصف الليل، وصل مسؤول روسي إلى منزل العائلة في حي المالكي، وأبلغهم بضرورة انتقال الرئيس إلى اللاذقية «لبضعة أيام فقط» نظراً لخطورة الوضع في دمشق وإمكانية قيادة المعارك من الساحل، حيث كانت الجبهات هناك لا تزال مشتعلة.
وعن شائعات مغادرتهم دون إبلاغ أقاربهم، أوضح حافظ أنه شخصياً تواصل معهم عدة مرات، لكن تبين أن أبناء عمته قد غادروا منزلهم دون تحديد وجهتهم.

الرحيل إلى حميميم: قاعدة فارغة وغموض حول المصير
انطلقت العائلة نحو مطار دمشق الدولي عند الساعة الثالثة فجراً، حيث التقوا بالعم ماهر الأسد هناك، ليكتشفوا أن المطار كان شبه مهجور، بما في ذلك برج المراقبة. وبعدها، أقلعت طائرة عسكرية روسية نقلتهم إلى مطار حميميم في اللاذقية قبل شروق الشمس.
ولم يوضح حافظ الأسد في منشوره وجهة ماهر الأسد.
ورغم خطتهم للانتقال إلى الاستراحة الرئاسية في برج إسلام، التي تبعد أكثر من 40 كيلومتراً عن القاعدة، لم يتمكنوا من التواصل مع أي من العاملين هناك، إذ كانت جميع الهواتف مغلقة، وسط ورود تقارير عن انسحاب الجيش وسقوط آخر المواقع العسكرية.
تصاعد الخطر والهروب إلى موسكو
بعد ظهر الأحد، أخطرتهم قيادة القاعدة بخطورة الوضع، مؤكدة أنه «لا يمكنهم مغادرة القاعدة بسبب انتشار الإرهابيين والفوضى»، وانقطاع الاتصال بالقيادات العسكرية. وبالتشاور مع موسكو، تقرر هروب العائلة إلى روسيا.
«أقلعنا على متن طائرة عسكرية روسية متجهين إلى موسكو، ووصلنا إليها ليلة الأحد 8 ديسمبر»، بهذه الكلمات اختتم حافظ الأسد روايته.