تضرر أو دُمّر ما يقرب من ربع جميع المباني في 25 بلدة جنوب لبنان بالقرب من الحدود الفلسطينية ، وفقًا لتحليل موسّع لبيانات الأقمار الصناعية الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» حتى يوم السبت 26 تشرين الأول ونشرته اليوم، وكشفت فيه الخسائر الهائلة التي تسبب بها الإحتلال الإسرائيلي.
وتوصلت الصحيقة إلى نتائجها من خلال مراجعة صور الأقمار الصناعية من جنوب لبنان، والتحقق من مقاطع الفيديو والحصول على تحليل لبيانات رادار القمر الصناعي سنتينل-1. وبالإضافة إلى الدمار المرئي الذي خلفته الغارات الجوية الإسرائيلية والمعارك البرية.
5868 مبنى على الأقل
وتظهر مقاطع الفيديو أكثر من عشرة عمليات هدم متعمدة نفذها الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى إتلاف أو تدمير تسعة مواقع دينية على الأقل.
وفي جميع أنحاء المناطق الحدودية، تضرر أو دمر ما لا يقل عن 5868 مبنى، بما في ذلك ما يقرب من نصف المباني في المنطقتين الأكثر تضررًا، عيتا الشعب وكفركلا. الغالبية العظمى من الأضرار – ما يقرب من 80 في المائة – حدثت منذ 2 تشرين الأول، اليوم التالي لشن إسرائيل غزوها البري.
ومنذ ذلك الحين، استمر الدمار بوتيرة سريعة، حيث تضاعف تقريبًا كل أسبوعين.
سمح تحليل بيانات سنتينل، التي قدمها كوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك وجامون فان دين هوك من جامعة ولاية أوريجون، لصحيفة واشنطن بوست بقياس ورسم خريطة للدمار في الجنوب.
ومّست الحرب المتوسعة كل جزء تقريبًا من لبنان وأجبرت حوالي 1 من كل 5 أشخاص على ترك منازلهم. ومنذ 8 تشرين الأول 2023 نزح أكثر من 834 ألف شخص – غالبيتهم من ثلاث محافظات في الجنوب، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
وقال ويم زوينينبورج، وهو مسؤول مشروع في منظمة PAX، وهي منظمة هولندية تركز على حماية المدنيين في الحرب، «إن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية، إما من خلال الاستهداف المباشر بالضربات الجوية والمدفعية أو التفجير المتحكم فيه، يجعل أجزاء كبيرة من الجنوب غير صالحة للسكن».
استراتيجية تدمير ممنهجة
كانت كفركلا من بين الأماكن الأولى التي عبرت فيها القوات الإسرائيلية الحدود، حيث ظهرت آثار المركبات العسكرية في صور الأقمار الصناعية في وقت مبكر من 3 تشرين الأول. وبحلول يوم السبت الفائت، تضررت أو دمرت ما لا يقل عن 46 في المائة من المباني في البلدة، وفقًا لتحليل الصحيفة .
وقال خضر سرحان، 62 عامًا، صانع الصابون الشهير وابن بلدة كفركلا، إنه قبل الحرب، كانت بساتين الزيتون في القرية خصبة وكانت الأسواق تعج بالحشود من المدن المجاورة. وهو لا يعرف ما إذا كان منزله ومصنعه لا يزالان قائمين.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية من كفركلا تربة مقلوبة حديثًا حيث كانت بساتين الزيتون قائمة ذات يوم، مما يشير إلى عملية تطهير من قبل القوات الإسرائيلية. تصطف العشرات من المباني المحطمة على طول الطريق الرئيسي للبلدة. وكان الدمار أكثر كثافة بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
كما تكشف الصور أن قلب قرى عيتا الشعب ومحيبيب وراميا المجاورة قد دمرت أيضًا.
وتُظهر مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي سلسلة من التفجيرات المقصودة في 11 قرية وبلدة على الأقل.
في مقطع فيديو نُشر على «إكس» في 22 أكتوبر، سقطت نصف دزينة من المباني في لحظة بعد التفجير، مما غطى قرية عيتا الشعب التي يبلغ عمرها 400 عام بسحب الغبار والحطام. وفي لقطات طائرة بدون طيار نُشرت على الإنترنت في اليوم التالي، يرفرف علم إسرائيل فوق البلدة – التي تحولت الآن إلى بحر من الأشجار المكسورة والخرسانة المنهارة.
ويبدو أن معظم عمليات الهدم هناك بدأت في الرابع عشر من تشرين الأول أو نحو ذلك. فمن السادس عشر من تشرين الأول وحتى يوم الأحد الفائت على الأقل، كان لواء جولاني، الذي دخل لبنان لأول مرة في الثاني من تشرين الأول، نشطاً في عيتا الشعب وحولها، وفقاً لمقاطع فيديو نشرها جيش الاحتلال. وقد انتشر اللواء في غزة العام الماضي وارتبط في وسائل الإعلام الإسرائيلية بسلسلة من عمليات الهدم المثيرة للجدل في شمال القطاع.
ووفقاً لتحليل «واشنطن بوست»، تضاعف عدد المباني المتضررة أو المدمرة في القرية ثلاث مرات بينما كان اللواء نشطاً في عيتا الشعب. وبحلول يوم السبت، كان ما يقرب من نصف القرية في حالة خراب.
المساجد لم تسلم
وتقول الصحيفة «يبدو أن القوات الإسرائيلية لم تبذل الكثير من الجهد لتجنيب المواقع الدينية، وفي بعض الحالات كانت تستمتع بتدميرها».
على بعد 3.2 كلم تقريباً، في قرية راميا، يظهر مقطع فيديو جنوداً يحتفلون بهدم محكم لمسجد القرية.
وفي مقطع فيديو آخر تم التحقق منه، تم تصويره بالقرب من الجدار الخرساني الذي يفصل فلسطين المحتلة عن لبنان، يصور جندي إسرائيلي مسجداً في قرية الضهيرة. وعندما يعطي إشارة الإذن، تغرق المئذنة الشاهقة، جنباً إلى جنب مع المباني المحيطة، في كومة من الغبار.
ويقول الجندي: «يا لها من لحظة!». ويبدأ آخرون من حوله في غناء أغنية دينية.
في ميس الجبل، تضرر أو دمر حوالي 28 في المائة من مباني البلدة، أي أكثر من 900 مبنى في المجموع. كما دمر اثنان على الأقل من مساجد القرية الثلاثة، كما يظهر تحليل صور الأقمار الصناعية. وتتمتع الممتلكات الثقافية، بما في ذلك المباني الدينية، بوضع خاص بموجب القانون الدولي.
وقالت سارة هاريسون، محامية سابقة في وزارة الدفاع قدمت المشورة للولايات المتحدة بشأن قوانين الصراع المسلح: «حتى لو لم يكن المدنيون في الداخل، فإن هذه الأنواع من المباني لا تفقد حمايتها». وأضافت أن المباني لن تفقد وضعها المحمي إلا إذا كان مقاتلو حزب الله يعملون بنشاط من داخلها. لكنها أشارت إلى إنه إذا تم بناء مبنى محمي قانونيا فوق نفق يستخدم لأغراض عسكرية، فيجب أخذ الضرر المحتمل للمبنى في الاعتبار قبل الهجوم.
وتخلص الصحيفة نقلا عن الخبير في شؤون حزب الله نيكولاس بلانفورد بالقول «إن نمط الدمار على طول الحدود هو دليل على أن إسرائيل تعمل بشكل منهجي على تطهير المجتمعات الحدودية اللبنانية لمواجهة أي تهديدات مستقبلية».
وقال بلانفورد «يبدو أن الهجوم أكثر تركيزًا مما كان عليه في عام 2006. هذه المرة، يبدو أن التدمير أكثر منهجية ويركز على القرى الحدودية التي قد يستخدمها حزب الله كنقطة انطلاق لشن هجمات عبر الحدود».
من جهته، يقول سرحان، صانع الصابون من كفركلا، إن «عدد المنازل التي دمرها الجيش الإسرائيلي في عام 2006 لم يتجاوز 100 منزل». وأضاف: «الآن، ما أسمعه هو أن لا شيء في القرية نجا».
كيف علّق جيش الإحتلال؟
وفي بيان للصحيفة عينها، قال الجيش الإسرائيلي إن قواتهه «تنفذ غارات محلية محدودة ومستهدفة بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة” للسماح لنحو 60 ألف نازح إسرائيلي بالعودة إلى منازلهم في الشمال وإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله».
ويقول البيان «كشف جيش الدفاع الإسرائيلي عن حجم ونطاق البنية التحتية لهجوم حزب الله، بما في ذلك الأنفاق الضخمة تحت الأرض ومخزونات ضخمة من الأسلحة، المزروعة على طول الحدود في جنوب لبنان والمجهزة مسبقًا لمهاجمة المجتمعات الإسرائيلية»، مضيفًا أن حزب الله «دس هذه المخازن عمدًا في منازل وقرى مدنية».
ويزعم الجيش إن عمليات الهدم الكبيرة تستهدف أنفاق حزب الله.
وتقول الصحيفة «في خطاب الشهر الماضي «إلى شعب لبنان»، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «حرب إسرائيل ليست معكم. إنها مع حزب الله». وأضافت «لكن المحللين قالوا إن حجم الدمار عبر منطقة الحدود يشير إلى حملة منهجية لتطهير المنطقة – على غرار جهود الجيش الإسرائيلي في أجزاء من غزة، وفي بعض الحالات من قبل نفس الوحدات – وقد يجعل من المستحيل عمليًا على العديد من العودة إلى منازلهم عندما ينتهي القتال».
إقرأ/ي أيضا بالفيديو: ظهور مدفن نصرالله وصفي الدين خلال تصوير وثائقي إيراني