بين 13 نيسان 1975و 2024.. مناقشة خارج العواطف

السفير هشام حمدان

ما يجري على السّاحة اللّبنانيّة هذه الأيام، ينبئ بخطر كبير داهم، إن لم تتضافر الجهود لتهدئة الخواطر والحفاظ على وتيرة الجدل السّياسي، بعيدا عن التّوتير الطّائفي، أو المذهبي، أو المناطقي.

أصبح واضحا لكلّ مواطن، أنّ لبنان، لم يخرج حقيقة من حالة الحرب الأهليّة. توقّفت البندقيّة، لكنّ اتّفاق الطّائف، لم ينفّذ. إستمرّت الميليشيّات بالسّيطرة على المناطق التي هيمنت عليها بالبندقيّة. واستمرّ أمراء الحرب بأحزابهم نفسها، بقيادة هذه المناطق. إستمرّ أمراء الحرب على تحالفاتهم الخارجيّة ذاتها، ألتي غذّت حروبهم بالسّلاح، والمال.

في 13 نيسان 1975، إندلعت شرارة الحرب الأهلّيّة. بيّنت الدّراسات اللّاحقة، ومذكّرات المعنيين، أنّ حادثة بوسطة عين الرمّانة، كانت مدبّرة من عناصر من المخابرات اللّبنانيّة، والخارجيّة، مستخدمة أداة فلسطينيّة تعمل في خدمتهم. دفع شعب لبنان بعدها، ثمنا باهظا جدّا بسبب هذه المؤامرة. ومن الضّروريّ، أن تدفعنا تلك الحادثة إلى التنبّه، إلى أنّ أيّ حدث يتعلّق بحصول حرب في البلاد، لا تًرسم خطّته الأدوات المحلّيّة العاجزة، بلّ القوى الفاعلة على المستوى الإقليميّ والدّوليّ. فالحرب، تعني تدفّق السّلاح، والمال. فمن أين لأمراء الحرب في لبنان، هذه القدرات؟

حذار! نحن جميعا نعلم حقيقة الدّور الذي تلعبة ما يسمّى ب”قوى المقاومة”. ليست المرّة الأولى التي تنهض فيه هذه القوى. فهي ذاتها، ألتي طغت على مقدّمات الحرب الأهليّة عام 1975، وعلى تطوّرات الحرب اللّاحقة، وصولا إلى ما نحن عليه اليوم. ترى، لماذا استفاقت هذه الإنتفاضة العارمة ضدّ “المقاومة” الآن، بعد مقتل المرحوم باسكال سليمان، وليس قبل سنوات؟

ثمّة حاجة في أيّ عمل يدفع للحرب، إلى إيجاد المناخ المناسب الذي يحقّق الحرب. لقد قام عملاء إسرائيل في المقاومة الفلسطينيّة عام 1982، وكانوا من أكثر المزايدين في رفع شعارات الممانعة، والمقاومة، في حينه، بإطلاق الرصاص على سفير إسرائيل في لندن، أدّى إلى خدشه لا أكثر، لكنّه منح تلّ أبيب آنذاك، ألفرصة لشنّ الهجوم الكاسح ضدّ الفسطينيّبن في لبنان. خرج الفلسطينيّون من البلاد. ساد السّوريّون، حماة تلك المجموعة الفلسطينيّة الممانعة، والمقاومة. لكن، تمّ عام 2005، إغتيال الرّئيس رفيق الحريري بأدوات تبيّن أنّها، تنتمي الى إيران. خرجت سورية من لبنان، واستمرّت إيران. أصدرت المحكمة الخاصّة بلبنان حكمها بشأن هذه الجريمة، فلم ينفّذ الحكم. لماذا؟ لقد أبرزت مصادر عدّة دورا مكشوفا لمخابرات خارجيّة في تنفيذ عمليّة إغتيال الحريري. إتّهمت المحكمة حزب الله. وسكت مجلس الأمن الدّولي عن متابعة الموضوع.

في علاقاته الدّوليّة، فقد كان لبنان، يُدار عمليّا بأدوات إيران، والمقاومة

شهد الشّرق الأوسط منذ ذلك الحين، أحداثا عديدة وصولا إلى ما نحن عليه اليوم. لم يطالب أمراء الحرب، والقيادات الدّينيّة، بأيّ إجراء لمتابعة عملية إغتيال الحريري. لماذا؟

عانى لبنان من حرب عام 2006، ومن الإنهيار الإقتصادي الذي دمّر حياة اللّبنانيّين. كان الجميع يعلم، أنّ الدّولة ليست سوى آليّة شكليّة لإدارة شؤون البلاد، كيّ يبقى للبلاد هيكلا سياديّا في العلاقات الخارجيّة. أما غير ذلك، فقد كان لبنان، يدار داخليّا من القوى الخارجيّة من خلال الميلشيّات نفسها، كلّ مع القوى التّابعة له. ساد الفساد، والإنهيار الأخلاقي، ولم يتحرّك النّاس. أما في علاقاته الدّوليّة، فقد كان لبنان، يُدار عمليّا بأدوات إيران، والمقاومة. تفاعلت ألقوى الخارجيّة مع هذا الدّور بزخم.

فماذا يحصل الآن؟ لماذا كلّ هذه الضّجّة ضدّ إيران، وأدواتها في لبنان؟ بكلّ بساطة، آن وقت الحسم. مشروع الشّرق الأوسط الجديد في نهاية فصوله. اتّخذ القرار لطرد إيران من لبنان، وسورية. بدأت جماعات الميليشيات، وأدوات القوى الطّامحة بذلك، بتجييش الشّارع.

نخشى عودة نغمة الفدراليّة، والتّقسيم

حذار! قال سماحة العلّامة السّيّد علي الأمين، في حوار مع مجلّة “لتعارفوا”، بتاريخ 9 نيسان 2024، أنّه “لا يمكننا في واقع النّظام العالمي، ألخروج من التّشتّت، والفرقة، إلّا بالعلم، والمعرفة، والإستفادة من التّجارب التي وقعت في حياة الأمم والشّعوب. وقد عرفت البشريّة ألآثار السّيّئة للتّشتّت، والنّزاعات، والإنقسامات، وأدرك العقلاء، أنّ التّعاون، والتّعايش بسلام، واحترام، هو أفضل السّبل، ألتي تعود بالخير على كلّ العباد، والبلاد”. ترى، هل تعلّمنا من تجربتنا؟

لماذا لا تقوم قيادات الميليشيات، والكنيسة، والجامع، بزيارة مجلس الأمن، والمطالبة بتدخّل الأمم المتّحدة لوقف العدوان الإيراني على لبنان، وسيادته؟ نحن نخشى، أن يكون لدى من هم خلف الميليشيات، أجندات أخرى، غير تحرير لبنان، وسيادته، واستقلاله، وحياده. نخشى عودة نغمة الفدراليّة، والتّقسيم. مثل هذه النّغمة، يقسّم القوى السّياديّة، الإسلاميّة والمسيحيّة، ممّا يخدم مشاريع خارجيّة لا أقلّها توطين السّوريّين والفلسطينيّين في جزء من لبنان.

لا يجوز أبدا القفز فوق الدّماء الغزيرة التي سالت على أرضه لمنع تقسيمه

حذار! وحدة جبل لبنان، بطوائفه المختلفة، قاعدة الوحدة للبنان، وإستمراره. لا يجوز أبدا القفز فوق الدّماء الغزيرة التي سالت على أرضه لمنع تقسيمه. كلام النّائب راجي فؤاد السّعد بإسم اللّقاء الدّيمقراطي، في مأتم باسكال سليمان، يجب أن يكون نبراسا للجميع.

السابق
عدوان اسرائيلي جويّ على مارون الراس.. وقصف مدفعي يدكّ عيتا الشعب
التالي
«تنفس الصعداء» بعد الرد الإيراني… وجبهة الإشغال الجنوبية على وتيرتها