شهر البركات.. يحل ثقيلاً بفعل الأزمات

سفرة رمضان

بحذرٍ وقلقٍ شديدين، يترقّب اللبناني حلول شهر رمضان المبارك، أيّام قلائل ويهلّ على المسلمين هلال شهرٍ، لطالما انتظروه على أحرّ من الجمر، إلاّ أنه في لبنان تحديداً ومنذ أكثر من أربع سنوات، بات عبئاً ثقيلاً عليهم بسبب الوضع الاقتصادي المزري، وجشع التجار وإهمال الحكومة، ما ينذر بارتفاع الأسعار فيضطر (اللبناني العزيز) لأن يجدّ في البحث عن بعض المساعدات كـ “كرتونة الإعاشة”، التي قد لا تُسمن ولا تُغني من جوع، طوابير ذلّ يقف فيها الصائم لينال حصّته، ومن قال بلا مقابل؟! يكفي ما تُكلِّفه من إراقة ماء الوجه..

في لبنان تحديداً ومنذ أكثر من أربع سنوات بات عبئاً ثقيلاً عليهم بسبب الوضع الاقتصادي المزري


وهنا تستحضرني قصّة، أذكرها لأصحاب الأيادي البيضاء، الذين يسعون بصدقٍ لمساعدة الناس، بعيداً عن المراءاة والعجب، لأن الرياء يهدم العمل مهما كان صالحاً… وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، إنه كان يحمل الطعام إلى المساكين والفقراء ليلاً، فيطرحه على أبوابهم، وكان (ع) يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير إلا أن استشهد، وهذا كان ديدن الأنبياء والأولياء والصالحين، حيث كانوا يعمدون إلى صدقة السرّ حفاظاً على كرامة الإنسان…
أما في لبنان، فقد غدت الصدقة (الإعاشة) أطروحة سياسية، يستخدمها أربابها لشراء ذمم الفقراء، واستغلالها لأهداف سياسية أو حزبية أو طائفية غالباً تكون مقيتة.
تتميّز الموائد الرمضانية بالعديد من المزايا، التي تفضي على الشهر الفضيل رونقاً خاصاً، بدءاً من الأطباق الرمضانيّة (التشكيلة الطيبة)، مروراً باجتماع كل أفراد العائلة حولها (الجمعه الحلوة)، وصولاً إلى العزومات ودعوات الإفطار، التي تؤدي إلى توطيد العلاقات المجتمعية والأسرية، فضلاً عن ما يترافق مع هذا الشهر الكريم من إظهار للبهجة والسرور، تتجلّى بالزينة الرمضانية التي تغص بها عادة الأحياء الشعبية والطرقات العامة، علاوة على ذلك الأمور العبادية وما يتخللها من تواشيح دينية وجلسات روحانية.

غدت الصدقة (الإعاشة) أطروحة سياسية يستخدمها أربابها لشراء ذمم الفقراء واستغلالها لأهداف سياسية أو حزبية أو طائفية غالباً


هذه المميزات الرائعة والعادات الجميلة، التي أحبها المواطن اللبناني واعتاد عليها، باتت اليوم بفعل الأزمات التي ذكرناها آنفاً، شبه معدومة بل على وشك الانقراض.
ففي حين يكاد أغلب الشعب اللبناني، أن يصير عاجزاً عن تحضير مائدة الإفطار، بسبب الارتفاع الجنوني الذي قد يطرأ على أسعار مكوناتها، لاسيّما الخضروات منها مع حلول الشهر المبارك، ممّا يؤدي إلى حرمان المائدة الرمضانية طبقاً رئيسياً لازمها لقرون من الزمن كـ “الفتوش”، فضلاً عن التقشّف الحاد الذي قد يصيبها في أغلب الأحيان، مهدداً بتغييب حلوى رمضان، والجلاب، والتمر الهندي، وغيرهم عنها بسبب انعدام القدرة الشرائية عند الصائم اللبناني.
في جولة اليوم لرصد أسعار الخضار والفواكه في سوق حي السلم (أحد أهم الأسواق الشعبية وأرخصها) جاءت الأسعار كالتالي:
الخسة 75000
كيلو البندورة 80000
كيلو الخيار 80000
ضمة بقدونس 30000
ضمة نعناع 30000
كيلو البطاطا 50000
كيلو البصل 85000
ضمة بصل أخضر 50000

إرتفاع غير مسبوق في اسعار الخضار برمضان
إرتفاع باسعار الخضار برمضان

ومن خلال النظر إلى هذه الأسعار المرتفعة، تستطيع أخي القارئ أن تتكهّن كيف ستكون الأسعار في شهر رمضان المبارك…
اما المعضلة الكبرى فتكمن في عدم إمكانية اكتمال الجَمْعَة الرمضانية، حيث ينهمك أغلب ابناء العائلة لاسيما رب البيت في العمل، ما يضطرهم إلى الإفطار بعيداً عن المنزل لتفقد بذلك المائدة الرمضانية، إحدى أسمى مميزاتها، ناهيك عن العزومات والدعوات، التي صارت حصراً لمن استطاع إليها سبيلاً.
أما العبادات والجلسات الروحانية مع الاسف، أصبحت مقتصرة على بعض المؤمنين، ففي حين أجاز الشارع المقدّس للمعذور (المريض، المسافر، الحائض…) الإفطار في شهر رمضان، إلا أن هذا لا يعني أن يجاهر بإفطاره في الأماكن العامة، لما يترتب على ذلك من تشجيعٍ للآخرين -ممن لا يعلم عذره- على الإفطار، فالمؤمن لابدّ له أن يكون داعٍ كما يقول الامام الصادق (ع): “كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم” وأي دعوة يدعوها المعذور من الصيام للناس بفعلته هذه…

السابق
بعد ادعاء اسرائيل بوجود مواقع صواريخ في جبيل وكسروان.. الطاقة تردّ!
التالي
إسرائيل تلاحق قيادات «حزب الله» من الجنوب إلى سوريا..و«الفيتو» الأميركي «ضوء أخضر» لإجتياح رفح!