صرخة الراعي في «برية» غزة و«حزب الله».. «كم دبابة يملك البابا»؟!

بشارة الراعي
اتخذت الكلمات والعظات الاخيرة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، منحى وطنيا جليا مصحوبة بنبرة ثورية تذكر بمواقف الكاردينال الراحل مار نصرالله بطرس صفير، التي تدعو إلى إعلاء سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة، إضافة إلى مهاجمة الطبقة السياسية الحاكمة وجشعها واحتكارها لسلطة المحاصصة.

في عظة قداس مار مارون أمس الجمعة، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، “إن عدم انتخاب رئيس جمهورية يحوّل الموارنة من رسل إلى أتباع”، ودان محاولة إقصاء الطائفة التي يرأس كنيستها في لبنان، وهي التي كان لها الفضل بتأسيس دولة لبنان الكبير، كما دان أيضاً ممارسة حكم “الدويكا” غير المقبول والاستبدادي المنتهك للحريات وللدستور، وانتقد “بدعة الضرورة” التي يعتمدها مجلس النواب ومجلس الوزراء لإجراء التعيينات على حد تعبيره، واصفاً حكومات الوحدة الوطنية بأنها “زائفة، فالرئيس المقبل برأيه يجب أن يرفض كل سلاح غير شرعي ويتحدى من يتطاول على السيادة والاستقلال لئلا يمسي لبنان دولة التبعية والاحتلال”.

بشارة الراعي
بشارة الراعي

أن عظة البطريرك اليوم هي صرخة مشروعة تظهر البطركية المارونية أنها لا زالت “أم الصبي” اللبناني، وهي تحدد للقريب والغريب بدقة ما يشكو منه الوطن من علل باتت مزمنة

صرخة ضائعة

لا شك في أن عظة البطريرك اليوم هي صرخة مشروعة تظهر البطركية المارونية أنها لا زالت “أم الصبي” اللبناني، وهي تحدد للقريب والغريب بدقة ما يشكو منه الوطن من علل, باتت مزمنة ودون حل بفعل الخراب الداخلي والخارجي الذي يجتاح البلاد, والذي يشارك في ترسيخه الأعداء والأصدقاء, من دول الجوار والدول الإقليمية المحيطة ، والتي وجدت في الفئات اللبنانية المتناحرة ارضا خصبة لتمرير مؤامراتها.

غير ان هذه الصرخة البطريركية جاءت في خضم معركة “طوفان الاقصى” وسط حرب الابادة المدمرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هناك، خصوصا وان نارها، امتدت الى جنوب لبنان، لينخرط فيها “حزب الله” بقوة عسكريا عبر جبهة جنوب لبنان، مسترجعاً بذلك شرعية المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي، كما عبر بذلك اكثر من مرة رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي.
وهذه المرة، “يحوز” الحزب، بشكل من الأشكال، على اعتراف المجتمع الدولي الضمني بدوره، عبر تقاطر الوفود الدولية الى بيروت للاجتماع مع مسؤولي الحزب، أو مع من ينوبون عنه لمحاورة الموفدين الأميركيين لأسباب أصبحت شكلية كون حزب الله تصنفه واشنطن منذ عقود منظمة إرهابية، مع ذلك فإن الموفد البريطاني دايفيد كاميرون الذي زار لبنان لأسبوع الماضي، وحرص على لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي المقربين من “حزب الله”، لم يلتقِ وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، لأن بكل بساطة لا فائدة من لقائه، فهو يمثل الدولة اللبنانية الضعيفة.

الفراغ الرئاسي

“حزب الله” اليوم، اصبح لاعباً أساسياً معترف به دولياً، يستعان به للضغط على حكومة نتنياهو المعزولة دوليا عبر اشعال جبهة الجنوب، كي تقبل تلك الحكومةبوقف إطلاق النار، خصوصاً بعد تراجع القوة الصاروخية لحركة “حماس” وعدم قدرتها لأسابيع خلت، من تسديد ولو صلية صاروخية واحدة على جنوب إسرائيل، وبالتالي أصبح الزخم الصاروخي حكراً على جبهة جنوب لبنان مقابل الجليل الاسرائيلي، فهي الجبهة الوحيدة التي يمكن أن تحقق، ولو جزءاً يسيراً من التوازن الناري، مقابل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لم يسمع أحد من العرب أو الغرب عظة البطريرك أمس في عيد مار مارون، فلا تهميش المسيحيين الموارنة يهم تلك الدول، ولا السلاح غير الشرعي يزعجهم

ولهذا فإن صرخة البطريرك الراعي اليوم، وإن كانت مشروعة ومطلوبة داخلياً، غير أنها غير مرغوبة بتوقيتها خارجياً، هي صرخة ضائعة في “برية” غزة، حيث يغلب عليها أصوات دوي المدافع والصواريخ والدم والنار، وهي حكما صرخة لن يسمعها “حزب الله” زعيم الطبقة السياسية الحاكمة وحاميها بسلاحه “المقاوم”، الذي يحارب كما يقول، عن العرب والمسلمين أجمع، القوة الصهيونية العاتية، بمباركة دولية هذه المرة، بعد أن نجح بترسيخ نفسه كلاعب أساسي بالحرب والسلم في لبنان والمنطقة.

قصف اسرائيلي جنوب لبنان
قصف اسرائيلي جنوب لبنان

لم يسمع أحد من العرب أو الغرب عظة البطريرك أمس في عيد مار مارون، فلا تهميش المسيحيين الموارنة يهم تلك الدول، ولا السلاح غير الشرعي يزعجهم الآن، ما يريدونه حسب المبادرة الاميركية هو عقد هدنة او وقف اطلاق نار في غزة، وبعدها ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل بنجاح، كما حدث مع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بموافقة “حزب الله” والحكومة اللبنانية التي يهيمن عليها.

دوي المدافع في الجنوب وفي غزة يطغى على صوت البطريرك وعظته السيادية، وإلى أن يحين موعد استقلال لبنان، إذا كان لاستقلاله مصلحة للدول الكبرى، فإن كلمة ستالين سوف تبقى خالدة، عندما أبلغه معاونوه أن البابا في روما، غاضب بسبب سياسته الشيوعية وهيمنته على اوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، فأجاب: “كم دبابة يملك البابا”؟!

السابق
توقيف مطلوبَين في دورس!
التالي
أربعة شهداء في حولا والناقورة وجدرا وتدمير منازل.. و«حزب الله» يرد ويعلن السيطرة على طائرة مسيرة