«حزب الله».. شعارات «حق يراد بها باطل»! 

ياسين شبلي

لكل حرب أسلحتها وعدَّتها، منها العسكري والأمني والإقتصادي، وكذلك الإعلامي الذي لا يقل أهمية عن غيره من الأسلحة، إن لم يكن من أهمها لما يلعبه من دور في التعبئة والحرب النفسية، سواء بضخ المعلومات أو بطرح الشعارات والعناوين، الكفيلة بإقناع المتلقي وكسب تأييده. 

هذه الشعارات والعناوين، قد لا تكون بالضرورة تعبِّر عن الحقيقة كاملة، بل في الأغلب تتَّسم بنوع من المبالغة، ما يسمح بالتلطي وراءها لإخفاء الهدف الحقيقي للحرب.      

مع بداية تدخُّل قوات “حزب الله” في سوريا كان الشعار الأول الذي أعطي كمبرر لهذا التدخل هو الدفاع عن المواطنين اللبنانيين “الشيعة

فمثلاً مع بداية تدخُّل قوات “حزب الله” في سوريا، كان الشعار الأول الذي أعطي كمبرر لهذا التدخل، هو الدفاع عن المواطنين اللبنانيين “الشيعة،” الذين يعيشون داخل الأراضي السورية على الحدود مع لبنان، وهو تبرير لم يكن مقنعاً لغالبية الناس، كونه عمل غير مسبوق في العلاقات بين الدول، فكيف بالأحرى بين دولة ذات سيادة في بلد، وميليشيا مسلحة – بغض النظر عن المسميات – في دولة أخرى المفروض أنها أيضاً ذات سيادة. 

وبعد أن إستدعت التطورات إرسال المزيد من القوات، مع تصاعد الحرب وتشعبها، وبداية تحولها إلى حرب حقيقية متشعبة الأطراف والأهداف، ظهر شعار جديد وهو “حماية المراقد المقدسة”، مع ما يتطلبه هذا الشعار من حشد إيديولوجي مذهبي، لكسب التعاطف والتأييد لخطوة التدخل العسكري في سوريا، سيما مع بداية ظهور معارضة لذلك، من شخصيات شيعية ولبنانية وطنية، كانت قد أعلنت تعاطفها مع حراك الشعب السوري، في وقت كان لبنان يمر بظروف عصيبة بعد الإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري، وتكليف نجيب ميقاتي عبر الإستعانة ب “القمصان السود”، بتشكيل حكومة جديدة تحل محلها. 

ظهر شعار جديد وهو “حماية المراقد المقدسة” مع ما يتطلبه هذا الشعار من حشد إيديولوجي مذهبي

وفي الوقت الذي أدى الشعار الجديد هدفه، في التعبئة المذهبية في الصف الموالي للحزب، إلا أنه كان عُرضة للهجوم من المعارضين الشيعة،  بإعتباره شعاراً يذكي الحرب “المذهبية” في المنطقة، ويضع الشيعة في مواجهة إخوانهم السُنة، سواء في لبنان أو المنطقة، والذين كان بعضهم قد بدأ بالإنفضاض من حول الحزب، بعد أحداث 7 أيار 2008 في بيروت، هم الذين كانوا يعتبرونه – خاصة بعد حرب 2006 في لبنان – أيقونة ورأس المقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة، لتأتي الحرب السورية، وتقضي على البقية الباقية من موجة التأييد والتعاطف معه في البيئة السنية العربية. 

بعد كل هذه التطورات، ومع تصاعد الحرب في سوريا، والخسائر التي تكبدها “حزب الله” التي حصدت المئات من خيرة شبابه وشباب الطائفة، ظهر شعار جديد ربما لإستيعاب المتغيرات التي حصلت، وإعادة شد العصب لدى محازبيه والبيئة الحاضنة وحتى في لبنان، وكان الشعار من شقين، الأول حماية ظهر المقاومة، وهو كان موَجَّه بالدرجة الأولى لبيئته المذهبية ومؤيدي نهج المقاومة، والثاني هو محاربة الإرهاب، وكان موجَّه للحلفاء في البيئة المسيحية، فضلاً عن بقية اللبنانيين بعد موجة داعش والنصرة، خاصة بعد التفجيرات الإرهابية في الضاحية، وأحداث عرسال وخطف العسكريين، ليتأكد بعدها ما كان معلوما لشريحة واسعة من الناس المحايدين، بأن الأمر لا علاقة له بأي من الشعارات السابقة الذكر وتبريراتها، التي كانت بمجملها نتيجة للتدخل في سوريا وليست سبباً، وكل ما في الأمر أنه بجزء كبير منه، كان تصرفا من ضمن المشروع الإيراني في المنطقة، الهادف إلى إستكمال السيطرة على البلدان التي تشكِّل “الهلال الشيعي”، وإلى تأمين التواصل بين إيران والعراق ولبنان عبر سوريا، ما يؤدي عملياً وبالمقابل،  ل “حماية” ظهر المقاومة بحسب أدبيات حزب الله والمحور. 

كان الشعار من شقين، الأول حماية ظهر المقاومة وهو كان موَجَّه بالدرجة الأولى لبيئته المذهبية ومؤيدي نهج المقاومة والثاني هو محاربة الإرهاب

اليوم أيضاً، يخوض حزب الله حرباً “مضبوطة” إلى حد كبير، منذ الثامن من تشرين أول الماضي تحت إسم “المشاغلة والإسناد” ل”حماس” في حرب غزة، التي تفجَّرت عقب عملية “طوفان الأقصى”، وإذا كان الشعار مبرَّراً ومعقولاً ومقنعاً في الأيام الأولى للحرب، فأنه فقد معناه ومعقوليته مع مرور الأيام، لأن الهدف المفترض من “المشاغلة”، وهو تخفيف الضغط عن المقاومة في غزة لم يتحقق، والعمليات التي تجري إنطلاقاً من الجنوب اللبناني، والتي كلَّفَت وتُكلِّف الكثير من الضحايا والخسائر المادية والنزوح، قد تكون أزعجت العدو بلا شك، وكبدَّته خسائر في الأشخاص والممتلكات  وكذلك على مستوى النزوح السكاني، لكنها بالتأكيد لم تنفع المقاومة في غزة وأهلها ميدانياً وواقعياً، بحيث لم تخفِّف من وطأة الإجرام الصهيوني، الذي ذهب ضحيته حتى الآن حوالي 100 ألف ضحية ومصاب، فضلاً عن جعل قطاع غزة مكاناً غير صالح للعيش.

يخوض حزب الله حرباً “مضبوطة” إلى حد كبير منذ الثامن من تشرين أول الماضي تحت إسم “المشاغلة والإسناد” ل”حماس” في حرب غزة

 وإذا أضفنا إنطلاق عمليات “المشاغلة والمساندة” الأخرى من العراق واليمن، وبشكل أقل من سوريا، وعدم تأثيرها على موازين القوى في الحرب، يتبين لنا بأن الأمر لا يعدو كونه تطبيقاً لشعار “وحدة الساحات”، بالمعنى السياسي أكثر منه العسكري، فالمشاغلة هنا قد تكون رسائل سياسية تطلقها إيران، في محاولة منها للإستثمار في الحدث، ولو على حساب البلدان التي تنطلق منها المشاغلة، والتي لا نشكِّك أبداً بمدى تعاطفها مع المقاومة والشعب الفلسطيني، ومدى تعطشها لدعمهم ومساندتهم، وهي العاطفة التي تستغلها إيران ربما، لتحقيق بعض المكاسب في سعيها لفرض مشروعها في المنطقة، وهذا الأمر يراه البعض مشروعاً بلغة السياسة والمصالح للأسف، وإن كان بلغة الإنسانية ممجوج ومذموم، لكن المسؤولية تقع هنا، على من إرتضى لنفسه أن يكون أداة لمشروع، بعيد كل البعد عن المصالح الوطنية لبلده وشعبه، وإن كان يتلطى وراء شعارات وعناوين لا تسمن ولا تغني من جوع. 

السابق
«حكم الدويكا».. الراعي يحذر: نحن أمام عملية إقصاء مبرمجة للموارنة عن الدولة
التالي
مليون و 300 ألف غزاوي عُرضة للإبادة في رفح.. والتصريحات «رفع عتب»!