في ظل التصعيد.. الغالبية الضئيلة من اللبنانيين تفضّل التركيز على الإصلاحات الداخلية بدلًا من «الحروب الخارجية»

علم لبنان 1200

تخضع مسألة دور “حزب الله” في الصراع، أو الغياب النسبي لهذا الدور، لتفسيراتٍ عدة في الداخل اللبناني. في المقابل، ينتشر الدعم لحركة “حماس” في المجتمع اللبناني بصورةٍ أوسع، غير أن الآراء الإيجابية للغاية تتركّز في المجتمع الشيعي على وجه الخصوص. 

مع تزايد التساؤل حول ما إذا كان التصعيد القائم بين إسرائيل و”حزب الله” سيتحوّل إلى حربٍ شاملة، أجرى “معهد واشنطن” استطلاع رأي في الفترة بين 14 تشرين الثاني/نوفمبر و6 كانون الأول/ديسمبر، لدراسة مواقف اللبنانيين تجاه الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” ودور “حزب الله” في هذا الصدد. عند طرح البيان التالي: “الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي في الوقت الحالي هو أكثر أهمية بالنسبة لبلدنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية، لذا علينا البقاء في منأى عن الحروب الخارجية”، انقسم اللبنانيون بشأن هذه المسألة، إلا أن أغلبية ضئيلة وافقت على البيان المذكور.     

يكشف توزيع هذه البيانات بحسب الطائفة عن اختلافاتٍ ملحوظة في المواقف تجاه هذه المسألة. ففي حين أن غالبية المستطلَعين السنّة والمسيحيين وافقت على هذا الاقتراح (66% و74% على التوالي)، وافق نحو ربع الشيعة عليه (27%). ولكن 39% من الشيعة فقط يعارضون “بشدّة” هذا الاقتراح.  

غير أن وجهات النظر المؤيدة للحل العسكري بدلًا من الحل السياسي للنزاع القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين منتشرة أكثر بكثير بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى المشمولة في استطلاع الرأي. فبخلاف وجهة النظر الأغلبية في الدول العربية الأخرى، ينقسم اللبنانيون حول ضرورة إجراء “مفاوضات سياسية” للتوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي” في نهاية المطاف بدلًا من “الحل العسكري”. فقد أيد 53% من اللبنانيين هذا الاقتراح بشكلٍ عام، مع تسجيل اختلافات كبيرة في المواقف بحسب الطائفة، إذ لم يوافق إلا 25% من الشيعة على هذا البيان، بالمقارنة مع 56% من السنّة و75% من المسيحيين.

من جهةٍ أخرى، هناك إجماع تقريبًا (99%) على أن الدول العربية يجب “أن تقطع فورًا كل العلاقات مع إسرائيل احتجاجًا على أعمالها العسكرية في غزة”، بما يتماشى مع المواقف المشابهة المسجلة في الدول الأخرى المشمولة في استطلاع الرأي. بالإضافة إلى ذلك، توافق الغالبية على أن إسرائيل “ضعيفة ومنقسمة للغاية لدرجة أنه يمكن هزيمتها يومًا ما”، ولم يعارض هذا البيان سوى أقلية لدى اللبنانيين المسيحيين والدروز (نحو 15%). مع ذلك، تبرز اختلافات كبيرة بين المواطنين اللبنانيين، خلافًا لمعظم الشعوب العربية المشمولة في الاستطلاع. وينقسم المسيحيون أيضًا حول ما إذا كان يجب اعتبار الحرب الجارية “انتصارًا” للفلسطينيين والعرب والمسلمين “رغم الدمار والخسائر في الأرواح”، إذ وافق 54% منهم على هذا البيان، خلافًا للتأييد بالغالبية الساحقة في بلدان أخرى. 

تحليل المواقف اللبنانية إزاء “حماس” و”حزب الله” وإيران

تبقى شعبية “حزب الله” متباينة تباينًا حادًا بين الطوائف المختلفة في لبنان. ففي حين أن 34% من السنّة و29% من المسيحيين يعربون عن نظرةٍ إيجابية نوعًا ما لـ”حزب الله”، تبلغ هذه النسبة 93% لدى الطائفة الشيعية، ويعرب 89% من المستطلَعين الشيعة عن رأي “إيجابي جدًا”. وفي حين أن الاستطلاع حول شعبية “حزب الله” لدى الطائفة الشيعية يشكّل مسألةً حساسةً بحد ذاته، تجدر الإشارة إلى ارتفاع في نسبة تأييد الحزب على مستوى المستطلَعين ككل بالمقارنة مع استطلاع الرأي الأخير الذي أجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

تخضع مسألة دور “حزب الله” في الصراع، أو الغياب النسبي لهذا الدور، لتفسيراتٍ عدة في الداخل اللبناني. وتنقسم المواقف اللبنانية بالتساوي في ما يتعلق بالبيان التالي: “تظهر الأحداث في الأسابيع الأخيرة أن إيران و”حزب الله” والحوثيين والميليشيات الأخرى الحليفة مترددون جميعًا بمساعدة الفلسطينيين لأسبابٍ متنوعة”.ففي حين وافق 17% من الشيعة على هذا البيان، وافق 63% من السنّة و69% من المسيحيين بشدّة أو نوعًا ما على البيان نفسه. وإنّ هذه النتائج مشابهة للمواقف المسجلة في أواخر عام 2021، عندما وافق 57% من السنّة و64% من المسيحيين على اقتراحٍ ذي صلة هو: “أينما تتدخل إيران، تضرّ بالعرب المحليين ولا تساعد الفلسطينيين”.

في المقابل، ينتشر الدعم لحركة “حماس” في المجتمع اللبناني بصورةٍ أوسع، غير أن الآراء الإيجابية للغاية تتركّز في المجتمع الشيعي على وجه الخصوص. فقد أعرب 79% من اللبنانيين في الإجمال عن رأي إيجابي إزاء “حماس”، إلا أن الآراء المتباينة في هذا الصدد تظهر في المجتمع المسيحي فحسب، حيث أعرب 59% منهم عن رأي إيجابي و38% عن رأي سلبي. وحظي “الإخوان المسلمون” أيضًا بدعم مرتفع نسبيًا بالمقارنة مع الدول الأخرى المشمولة في الاستطلاع. حتى لدى اللبنانيين المسيحيين، أعرب 21% من المستطلَعين عن رأي إيجابي إزاء الجماعة، بالمقارنة مع 45% من الشيعة و53% من السنّة. 

الآراء تصبح سلبية إزاء دور الولايات المتحدة في المنطقة

في حين يرى معظم العرب في دول الخليج أنه ما زال بإمكان الولايات المتحدة أن تؤدي الدور الأهم في الصراع، تشاركهم نسبةٌ أقل من اللبنانيين هذه القناعة. عند طرح البيان التالي: “لا تزال الولايات المتحدة في الموقع الأفضل للمساعدة على وضع حدٍ للحرب في غزة، ولو أنني أعارض سياساتها”، عارض معظم اللبنانيين هذا البيان (71%).

بالإضافة إلى ذلك، شهد المجتمع اللبناني تحولًا ملحوظًا في المواقف من تأييد الولايات المتحدة إلى تأييد القوى الأخرى التي سعت إلى الانحياز للجنوب العالمي. على مدى العامين الماضيين، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يوافقون على البيان التالي: “”لم يعد بإمكان بلدنا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام، وعلينا بالتالي أن نتطلع أكثر فأكثر إلى روسيا أو الصين لتكونا شريكتين” بواقع سبعة عشرة نقطةً، إذ بات يشير نصف المستطلَعين إلى أنهم “يوافقون بشدة” على هذا البيان (بالمقارنة مع ثلث المستطلَعين قبل عامين). وتم تسجيل هذا الارتفاع على مستوى المستطلَعين كافة، ومن بينهم المسيحيون الذين عارضت نسبة كبيرة منهم هذا البيان في السنوات السابقة.

ملاحظة حول المنهجية

تم استخدام عيّنة تمثيلية وطنية شملت ألف مواطن لبناني، من بينهم 293 مواطنًا سنّيًا و271 مواطنًا شيعيًا و366 مواطنًا مسيحيًا و70 مواطنًا درزيًا. يبلغ هامش الخطأ الإحصائي 3% للعيّنة اللبنانية ككل و5% للعيّنات الفرعية السنّية والشيعية والمسيحية. في حين أن العيّنة المستخدمة هي عيّنة تمثيلية من حيث الحصص، لم يتم إدراج تحليل منفصل لمواقف الطائفة الدرزية في التفصيل الوارد بحسب الطائفة نظرًا للعدد الضئيل من المستطلَعين الدروز في هذه العيّنة. تم إدراج هذه العيّنات في الأرقام الإجمالية الواردة في التحليل.

ونظرًا لغياب بيانات الإحصاءات السكانية في لبنان منذ عام 1932، تم استخلاص هذه البيانات من عددٍ من الاستطلاعات الأخيرة. 

السابق
العالم يرفع عصا «الحرب» ولا يضرب بها.. وهذا هو «السيناريو»!
التالي
«حرب الإشغال الصغيرة» تستنزف الجنوبيين..وايران «تلملم» تداعيات صواريخها في الاقليم!