العالم يرفع عصا «الحرب» ولا يضرب بها.. وهذا هو «السيناريو»!

علي الامين
يبدو ان جميع اللاعبين و"العابثين" بأمن المنطقة والعالم وحتى "حماتها"، "يرفعون عصا الحرب ولا يضربون بها" حتى الساعة، من خلال جملة تطورات ميدانية من غزة الى لبنان وصولاً الى البحر الأحمر، وتعقيدات عسكرية وامنية وسياسية ودبلوماسية إيرانية أميركية إسرائيلية، يخشى معها الوصول إلى حائط الحرب المسدود.

الحذر من الحرب الاقليمية او التلويح بها لم يتوقف منذ عملية “طوفان الأقصى” في غزة، وفي حين شن الجيش الاسرائيلي حربا شعواء ضد قطاع غزة، بدا حذراً وغير مستعجل على شن حرب على لبنان، وقال رئيس اركان الجيش الاسرائيلي غادي ازنكوت امس، “اننا افشلنا قرارا خاطئا بشن الحرب على لبنان كان سيصدر عن الحكومة، غداة عملية “طوفان الأقصى”.

ورغم ذلك، بقي خيار الحرب الاقليمية ولا سيما مع لبنان، مطروحا على ألسنة رئيس الاركان نفسه ووزير الدفاع ورئيس الحكومة الإسرائيلية، وسط كلام اميركي بدا ثابتا حتى الآن، بأن واشنطن تحول دون تمدد الحرب، مع توفيرها الدعم لاسرائيل في حربها في غزة.

الحرب المدمرة مستمرة في غزة، وتتفجر في الضفة الغربية، وتستعر على الحدود مع لبنان

وفيما يجري التهويل بالحرب، فان الحرب المدمرة مستمرة في غزة، وتتفجر في الضفة الغربية، وتستعر على الحدود مع لبنان، واضرار الحرب من خسائر بشرية ومادية واقعة فعلا وكارثية، وان كانت تتم بالتقسيط وليس دفعة واحدة في غير جبهة غزة.

وبالنظر الى مشهد البحر الاحمر، والاصرار الاميركي على توصيف رده، على ما يسميه استهداف الحوثيين للملاحة الدولية على باب المندب، بانه رد دفاعي مع التشديد على عدم الدخول في حرب مع الحوثيين، فان ذلك قد يفسر طبيعة السياسة الاميركية، اذ جاءت تلك الضربات، بعد أن تَقصَّدت إدارةُ جو بايدن إبلاغَ المركز المستهدف،”طهران”، برسالةٍ خاصة عن الضربات، وتسريب تفاصيلها، لتُنشَر صبيحة الخميس11 يناير، في ابرز الصحف اللندنية والامريكية، التي تحدثت عن ضربة مؤكدة في الليل.

فواشنطن، لا تريد الاخلال بالتوازنات في المنطقة، ولا تبغى كسرها، بل اعادة صياغتها بما يتناسب مع قدرتها على ادارتها، بما فيها داخل غزة نفسها، على خلفية الدعوة للاسرائيليين، بأن القضاء على حركة “حماس” هدف غير واقعي.

من هنا، فان ايران التي تجري حوارات متعددة مع واشنطن خلف الكواليس (وتردد ان ارمينيا استضافت لقاء غير معلن قبل ايام بين واشنطن وطهران)، تدرك ان واشنطن لا تريد توسعة المواجهة، وتلمس التباين بين ادارة بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو، وهو ما يتيح فرصة لتصعيد ايراني مدروس، تعتقد ان من خلاله، يمكن ان تحصل مكاسب من الادارة الاميركية الحالية، وتتوقع جهات على صلة بايران، ان التوتر في البحر الأحمر استنفد اهدافه، والتوتر سيتراجع تدريجيا في الاسابيع المقبلة.

الرهان الايراني، سيبقى على استمرار الخلاف الاميركي- الاسرائيلي، وبالتالي نزع اي فتيل انفجار قد يطوي هذا الخلاف، لأن ذلك سيفقد ايران مساحة استثمار ملائمة لها.

اطالة امد الحرب، هي فرصة لانقاذ نتنياهو نفسه، من نهاية سياسية محتومة

التقاطع بين ايران واسرائيل، يكمن في استمرار الخلاف بين ادارة بايدن وحكومة نتنياهو، الذي يراهن على اطالة الحرب في غزة، الى حين انجاز الانتخابات الرئاسية، ووصول دونالد ترامب كما يتمنى، كما ان اطالة امد الحرب، هي فرصة لانقاذ نتنياهو نفسه، من نهاية سياسية محتومة، لو توقفت الحرب اليوم.

من جانبها، ايران ترى ان الفرصة الذهبية لأخذ ما يمكن تحصيله من واشنطن، هي في ظل الادارة الحالية، وفي مرحلة خلافها مع نتنياهو بشكل خاص.

لأن واشنطن تحاول عدم كسر التوازنات في المنطقة، وايران في صلبها، فقصارى ما تسعى اليه اليوم، هو اعادة انتاج نمط من التفاهمات

ولأن واشنطن تحاول عدم كسر التوازنات في المنطقة، وايران في صلبها، فقصارى ما تسعى اليه اليوم، هو اعادة انتاج نمط من التفاهمات، يولد هدنة في غزة والضفة الغربية وفي الاقليم، اي ترسيخ الثنائيات وابرزها المتمثلة في “حماس” والسلطة الفلسطينية، مع ادخال “حماس” في اطار السلطة، بما لا يخل بهذه الثنائية، كما هو الحال في اليمن، حيث بدا واضحا ان الادارة الاميركية، ليست في وارد الاخلال بثنائية الحوثيين والشرعية، والامر يمتد الى لبنان، اي عدم الاخلال بثنائية “حزب الله” والدولة، وهو النمط الذي يتيح لواشنطن ادارتها، انطلاقا من كونها تولد ازمة جديدة، لكن من ضمن سيطرة اميركية.

هذا الخيار الاميركي هو ما لم تهضمه الحكومة الاسرائيلية بعد

يبقى ان هذا الخيار الاميركي، هو ما لم تهضمه الحكومة الاسرائيلية بعد، ولا تريد التسليم به، فالمشهد الداخلي الاسرائيلي اليوم محكوم على رهانين، الاول رهان نتنياهو بتطويل امد الحرب، اما الثاني، على تغيير الحكومة وفرصه غير متاحة في المدى المنظور.

لذا يبدو نتنياهو طليق اليدين، في ادارة التناقضات السياسية الداخلية، واظهار المواجهة مع ادارة بايدن، كفرصة لتماسك اليمين حوله، ومصدر لارتياح الحزب الجمهوري، في معركته السياسية والانتخابية ضد الحزب الديمقراطي.. وكل ذلك حتى يتبين “خط الحرب الأسود من الأبيض”!

السابق
طبول الحرب تُقرع «كلامياً».. والرهان على الميدان!
التالي
في ظل التصعيد.. الغالبية الضئيلة من اللبنانيين تفضّل التركيز على الإصلاحات الداخلية بدلًا من «الحروب الخارجية»