النشوز الزوجي.. أسبابه وطرق علاجه

زواج

يقول تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا” (النساء : ٣٤)

قبل أن نشرع في تفصيل بيان ما جاء في هذه الآية الكريمة، لابدّ لنا من تعريف النشوز أولاً، وذكر أنواعه وأسبابه، فالنشوز عادةً يكون ردّ فعلٍ لا فعل، لأنه خروج عن المألوف وعن الطبيعة، فطبيعة المرأة أنها تميل إلى الرجل وتحتاجه كمكمّلٍ لها، وكذلك الرجل يميل إلى المرأة ويحتاجها كمكمّلةٍ له.

فالنشوز عادةً يكون ردّ فعلٍ لا فعل لأنه خروج عن المألوف وعن الطبيعة


وقد ذُكر النشوز في القرآن الكريم على شكلين، وفي آيتين مختلفتين :
١ – نشوز المرأة : “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ”
٢ – نشوز الرجل : “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا”
ولعل استخدام عبارة “خوف” قبل ذكر النشوز إنما من باب تسليط الضوء على خطورة الأخير بما يترتّب عليه من أثرٍ سلبيٍّ نفسيًّا وإجتماعيًّا وماديًّا على الأسرة ككل، بل على المجتمع بأسره.
والنشوز لغةً يعني الإرتفاع والإمتناع، واصطلاحاً يعني ارتفاع المرأة عن طاعة زوجها وإعراضها عنه، وامتناع الرجل عن أداء الحقوق الشرعية لزوجته وإعراضه عنها.

النشوز إنما هو معصية الزوجة لزوجها فيما فرض اللّٰه عليها من طاعته لا فيما فرضت عليها عادات المجتمع كإلزامها بالقيام بالأعمال المنزلية


وهنا يجب الإلتفات إلى أن النشوز إنما هو معصية الزوجة لزوجها فيما فرض اللّٰه عليها من طاعته، لا فيما فرضت عليها عادات المجتمع كإلزامها بالقيام بالأعمال المنزلية من كنسٍ وطبخٍ وغيره… ولو أننا دائماً ندعو إلى التعاون والتفاهم حول ذلك، إذ أن هذه الأعمال ليست من واجبات المرأة أصلاً، ولو أنها تُثاب وتؤجر إن قامت بها تطوّعًا. وامتناع الزوج من أداء واجباته الشرعية تجاه زوجته، كالسكن والنفقة وحسن الخلق وحسن المعاشرة وغيرها… لا أن يكون ذلك مورداً لاستنزاف الرجل مادياً واجتماعياً لأن استنزاف الرجل فيه هلاك للأسرة.

من المؤسف أن ضعف المرأة البنيوي والجسدي مقارنةً مع بنية الرجل، جعل إلقاء اللّوم عليها عند اي مشكلةٍ أُسرية أو مجتمعيّة أسهل بكثيرٍ من مواجهة المشكلة نفسها ومعالجتها، حيث لابدّ من إلقاء اللّوم على أحدٍ وبالتالي يقع اللّوم عليها، خاصة في المجتمعات الشرقية، فعند كل مشكلة هي حتماً ملامة وكذلك الأمر في النشوز، وبدلاً من أن نعالج المشاكل والأسباب التي أدّت إليه، نلقي باللّوم على الناشز ونحكم عليها، فتتعصب لنشوزها وتخفي خلف ذاك الوجه القاتم آلاف الضحكات والإبتسامات التي تُقتل كل حينٍ مخلّفةً في القلب أسىً وفي الوجدان ندوباً وفي ضمير الإنسانية تساؤلاً تسبقه الغصّة وتتبعه الونّة والأنّة : يا أيها الدينيّون.. هل حفظتم وصية نبيكم (صلى الله عليه وآله) : استوصوا بالنساء خيراً فما أكرمهنّ إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم”.

طبعاً هناك الكثير من الأسباب النفسية والإجتماعية التي غالباً قد تؤدي إلى النشوز منها:
١ – سوء اختيار الزوج .
٢ – الغيرة الزائدة أو الشك.
٣ – تدخّل الأهل والأقارب “المباشر وغير المباشر” في حياة الزوجين.
٤ – تعدّد الزيجات.
٥ – عدم الإنسجام الجنسي بين الزوجين.
٦ – ظلم الزوج لزوجته وتقصيره العمدي في أداء حقوقها الشرعية.
ناهيك عن بعض الأسباب التي تكون تارةً نتيجة الضائقة الاقتصادية، وأخرى بسبب الإنحلال الأخلاقي المستشري داخل بعض الأسر، وثالثةً نتيجة الحرية المغلوطة التي يدعو اليها البعض تحت عنوان “المساواة بين الرجل والمرأة” وهو ما يشكّل تعدياً صريحاً وخطراً كبيراً على المرأة وعلى الرجل وعلى المجتمع، معتمدين في ذلك على مبدأ تجهيل الناس وابعادهم عن القرآن الكريم وتضليلهم عن فهم معانيه السامية وتدبّر آياته الحكيمة، مستفيدين من تصرفات بعض الحركات الـ” لا” إسلامية، التي شوهت الإسلام وتعاليمه من خلال آرائها المتخلّفة وتصرفاتها الشاذّة وأعمالها الإجرامية والإرهابية مصورين للناس عموماً وللمجتمع الغربي خصوصاً أن هذا هو الإسلام، وأن هذه تعاليمه وقيمه، غاضّي الطرف عن الإسلام الحقيقي بتعاليمه السموحة وقيمه الفاضلة واخلاقه الحميدة.

وبعد سعيٍ حثيثٍ لإيجاد سبلٍ لمعالجة النشوز، لم نجد أرقى وأفضل وأبلغ من المعالجة القرآنية، التي اتخذت طابعاً منهجياً ونموذجياً وحضارياً وحازماً، بدءاً من الموعظة، مروراً بالهجر في المضاجع، وصولاً إلى الضرب، الذي قد يكون أُسيء فهمه بل استخدامه.

النشوز ما كان ليحصل لو حافظ الزوج على الكلام الجميل والمعاملة الحسنة بعيداً عن الكلام الجارح والمعاملة السيئة

لقد بدأ الإسلام بالموعظة كسبيلٍ أولٍ لمعالجة النشوز “فعظوهن”، حيث أراد الله تعالى للأزواج أن يعالجوا ذلك التنمّر والنفور والنشوز بالحكمة والموعظة والكلام الجميل، والمعاملة الحسنة، ولعل السبب في ذلك هو أن النشوز ما كان ليحصل لو حافظ الزوج على الكلام الجميل والمعاملة الحسنة بعيداً عن الكلام الجارح والمعاملة السيئة.
ثم اختار الهجر في المضاجع ليكون السبيل الثاني “واهجروهن في المضاجع” بعد فشل السبيل الأول “الوعظ” ولعلّ “الهجر” هنا جاء رأفةً بالمرأة، حيث أن المعاشرة الزوجية لابدّ أن تلقى قبولاً من الطرفين لأنها عادة تكون نابعة من انسجامٍ عاطفيٍ ووئامٍ روحيٍ وسكينةٍ نفسيةٍ، وبما أن النشوز يؤدي إلى انعدام كل ذلك، جاء الأمر الإلهي بـ” الهجر في المضاجع” لأن المعاشرة في مثل هذه الحالة قد تفاقم المشكلة فتؤدّي إلى ما هو أخطر من النشوز، وهو ما يعرف اليوم بـ “الإغتصاب الزوجي” وهو إجبار الزوجة على الجماع ولو كانت غير مستعدة له جسدياً ونفسياً.
أمّا السبيل الثالث وهو الضرب “فاضربوهن” فقد ذهب أهل التفسير إلى أنه الضرب التأديبي الهادئ وليس الضرب العنفي أو الإنفعالي، ولعلّني أرى أنّ المراد من الضرب في هذه الآيه الكريمة وفي هذا المورد غير الضرب بمعنى “الصفع” بل قد يكون المراد هنا هو “الطلاق” أو “التسريح” على قاعدة “وعاشروهن بالمعروف أو سرحوهن بإحسان”.
لقد وردت لفظة “ضرب” في القران الكريم مرات عديدة، في كل مرة كان لها معنى مختلف بحسب السياق الذي وردت فيه :
١- “لا يستطيعون ضرباً في الأرض” تعني الإسراع في السير.
٢ – “وضربت عليهم الذلة والمسكنة” تعني الإلزام والفرض.
٣- “فضربنا على آذانهم” تعني النوم.
٤ – “ضرب الله مثلاً” تعني الوصف.
٥ -“وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الأرض” “واذا ضربتم في الأرض”تعني السفر في الأرض والسرح فيها.
قد يكون المعنى الأخير هو الأقرب إلى “الضرب” في”فاضربوهن” ذلك لعدة أسباب منها:
١ – لأن الضرب لن يجدي نفعاً خصوصاً في هذه الحالة “النشوز” بل سيفاقم الأمور نحو الأسوء.
٢ – إن أخلاق الإسلام وآدابه وتعاليمه نهت عن العنف” والذي يعتبر الضرب أحد أساليبه” وجرّمته ففي ديننا القويم لا يحقّ لأي إنسان أن يهين الآخر أو أن ينتهك كرامته مهما كانت الأسباب، وها هي سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) شاهدة على ذلك، فلم يذكر التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضرب واحدة من زوجاته يوماً بل كان قدوة حسنة لكل مسلمٍ في التعامل مع أهل بيته.

السابق
مجزرة إسرائيليّة جديدة: قصف مدرسة للنّازحين
التالي
بالفيديو.. إسرائيل تزعم قصف عدة أهداف لحزب الله في لبنان!