الأمومة والقيمومة… توزيع المهام الأسرية حكمة إلهية

عيد الام

حظيت الأسرة في الإسلام باهتمامٍ شديدٍ ورعايةٍ بالغةٍ، لارتباطها الوثيق بالمجتمع، فهي تُعدّ النواة الأولى له وحجر الأساس الذي يرتكز عليه، لا سيّما لتأثيرها النوعيّ عليه، ومساهمتها في تطوّره وازدهاره او هدمه واندثاره.
وقد تجلّى هذا الإهتمام وتلك الرعاية بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ، تارةً من خلال الحثّ على الزواج وبناء الأُسر، “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة”، وأخرى عبر التوجيه والإرشاد الأسري، بحيث نظّم الشارع الإسلامي، الخلافات والنزاعات بين أفراد الأسرة من طلاقٍ ونفقةٍ ومهرٍ وإرثٍ وحضانةٍ وغيرها… فوضع الأسس وسنّ القوانين التي ضبطت تلك الخلافات وحدّت منها، وقدّم لها النماذج الحيّة كرسول اللّٰه (ص) وأمير المؤمنين (ع) “لقد كان لكم في رسول اللّٰه أسوة حسنة”، وقدّم لها أيضاً الدروس التربوية والأخلاقية، كبِرِّ الوالدين، وحُسْنُ اختيار الزوج، والتعامل مع الأقارب والأرحام، والحثّ الدائم على تحمّل المسؤولية، وإحياء روح التعاون بين الزوجين… وغيرها من الدروس التي لو تدبّرها الإنسان لتجسّدت في سلوكه وصفاته وأفكاره، لتُحَلُّ بذلك الخلافات ويسود الهدوء والوئام والأمان مبشِّرين بهديّة الرحمٰن “وجعل بينكم مودة ورحمة” هذه المودة وهذه الرحمة تنعكسان لاحقاً على الأولاد بل على الأسرة بشكلٍ عامٍ، حصناً منيعاً يَقيها من شبح الفتن، والعنف، والعصبية، والتوتّر، الذين يؤدّون حتماً إلى انعدام الإستقرار وبالتالي دمار الأسرة.
وبما أن كِلا الزوجين ذِوا نقصٍ لا يُسدّ إلا بالآخر، وبما أن كلاهما موضع حاجة الآخر، اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون لكلٍّ منهما خصوصيّته المختَلِفة ليتكاملا وليتناغما ولينسجما بعيداً عن كل ما يكدِّر صفو هنائهما وراحة بالهما.
وبناءً على ما ذُكِرَ آنفاً وحفاظاً على التكامل والتناغم والإنسجام بين الزوجين، قام الإسلام بتقسيم الأدوار وتوزيع المهام عليهما، لا لحساب الرجل، ولا لحساب المرأة، إنما لحساب الإنسان ولحساب المجتمع، آخذاً بالإعتبار الفطرة التي جعلت الرجل رجلاً والمرأة امرأة، بما يحمله الرجل وبما تحمله المرأة من خصائص متميّزة قادرة “لو انتظمت”، على أن تحقّق الغاية الإلهية والهدف الإلهي من جعل الخلافة في الأرض، “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة”، وهنا المراد من الخليفة هو الإنسان الذي جعله اللّٰه في الأرض ليعمّرها، ويديرها، ويتحرّك بها بهدف طاعة اللّٰه وعبادته “وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون”.

الحكمة الإلهية اقتضت أن يتكامل الزوجان فيصبحا بتكاملهما أسرة مستقرّة


إذاً لِكِلا الزوجين مهاماً منوطة به، فالأمومة مثلاً من الأمور التي جعلها الله تعالى منوطة بالمرأة مع ما تعانيه من صعوبة ومشقة وما يلازمها من رحلة ألمٍ وصبرٍ وسهرٍ وتعبٍ، فالأمومة رغم سموّ صفاتها وعظيم درجاتها، إلّا أنها تمرّ بمراحلٍ مرهقةٍ ومؤلمةٍ لا يمكن للرجل ولا لعشرة رجالٍ ان يتحمّلوها، وقد بيّن اللّٰه تعالى في القرآن شدّة الجهد الذي تبذله الأم حيث قال : “حملته أمه وهناً على وهن” وفي آيةٍ أخرى : “حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً” بسبب ما تقاسيه الأم في حملها من تعبٍ ومشقةٍ ووحامٍ وغثيانٍ وثِقلٍ وكَربٍ، ووضعته في ظروفٍ لا تقلّ ألماً عن سابقيها، “ألم المخاض والطلق”، ثم بعد الولادة تأخذ الأم ولدها بابتسامةٍ منهكةٍ متناسيةً كل الآلام لتطعمه من جسدها وتغذّيه من روحها، وممّا تبقّى من قوّتها، فترضعه فترة قد تصل إلى عامين “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتمَّ الرضاعة” فضلاً عن التربية التي يعود فيها الجهد الأكبر على الأم حتى وإن عاونها الأب، كل هذه الجهود يعجز عنها الرجل، بل كما قلت سابقاً يعجز عنها عشرة رجالٍ وإن تعاونوا، ولهذا روي عن رسول اللَّه (ص) أنه قال : “الجنة تحت أقدام الأمهات”.
أمّا القيمومة فهي من الأمور التي أسندت إلى الرجل “الرجال قوّامون على النساء” وهي هنا تفيد التكليف لا التشريف، وفي المعنى اللّغوي فكلمة قوّام على وزن فعّال، للمبالغة من القيام والقيام بأمر المرأة يعني الإهتمام بها، وحفظها، والنفقة عليها، ولعلّ العلّة في إسناد القيمومة للرجل على المرأة تعود إلى أمرين:

قيمومة الرجل لا تُسقِط حقوق المرأة الفردية والإجتماعية مع مراعاة أن لا تزاحم حقوق زوجها

  • أولاً : القدرة الجسدية: فللرجل القدرة الأكبر على تحمّل أعباء ما تتطلّبه الأسرة والمجتمع.
  • ثانياً : قدرته على ترجيح العقل على العاطفة, بعكس المرأة التي تتغلّب عليها العواطف والأحاسيس, وهنا يأتي الحديث المروي عن أمير المؤمنين (ع) ليبيّن فيه حقيقة هذه المخلوقة المثالية، فيقول : “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة في إشارة إلى أن المرأة “ريحانة” أي وردة، “وليست بقهرمانة” أي ليست بمدبرة لشؤونك وشؤون البيت، وبمعنى آخر ليست خادمة لك ولبيتك.
    وهنا لابدّ من التنويه، إلى أن قيمومة الرجل، لا تُسقِط حقوق المرأة الفردية والإجتماعية مع مراعاة أن لا تزاحم حقوق زوجها.
    لقد قلنا فيما سلف، أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتكامل الزوجان، فيصبحا بتكاملهما أسرة مستقرّة تنطلق لبناء مجتمعٍ آمنٍ ومستقر. ولأن هذه الأسرة هي وحدة إجتماعية صغيرة بشكل قاربٍ يبحر في بحرٍ من العقبات الدنيوية، كان لابد أن تكون دفّة القيادة والقيمومة للرجل، صاحب البنية الجسدية والحكمة العقلية، الذي بدوره لابدّ له من مشاورة أهله “زوجته وأولاده” والتعاون معهم للوصول سويّاً إلى شاطئ الأمان.

السابق
اعلاميون من أجل الحرية تُدين الانتهاكات الإسرائيلية
التالي
الكبار يستشهدون في غزة.. والصغار يتلحفون «شارة النصر» في الرشيدية!