اما آن أوان تشكيل «حاضنة وطنية» على «شفى» الحرب؟!

علي الامين
الكلام على "شفى" الحرب، قد يبيح محظورات ومقاربات، تفرضها لحظة حرجة، تستدعي "التمثل"، للأسف، بالعدو، لأخذ عِبر التضامن لمواجهة المصير المجهول، وإيقاظ دعوة "الممانعة" الى حوار وطني حقيقي، لا "سوق عكاظ" رئاسي مقيت لا طائل منه، في مقدمه "حزب الله"، (بعيداً من الرأي السياسي به وبسلاحه وبأفعاله وخلاصاته)، الذي يروج لغرفة عمليات عسكرية خارج الدولة، لتشكيل "حاضنة وطنية"، ينخرط فيها كل الأفرقاء، للحد من "جحيم" الحرب، في حال نشوبها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان.. والأوطان!

بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “حركة حماس” في غلاف غزة، عمد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، الى توسعة حكومته، واستجدى المعارضة ان تنخرط في حكومة حرب، تفرضها تحديات المواجهة في غزة. في المقابل، وعلى الجانب اللبناني، روج “حزب الله” لقرار تشكيل غرفة عمليات مشتركة، مع فصائل المقاومة الفلسطينية وسواها، بالتوازي مع بداية “التصعيد المدروس” على جبهة الجنوب اللبناني.

روج “حزب الله” لقرار تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع فصائل المقاومة الفلسطينية وسواها بالتوازي مع بداية “التصعيد المدروس” على جبهة الجنوب


السؤال الذي يطرح نفسه، في هذا السياق، وفي ظل مخاطر وقوع حرب إنطلاقا من الجنوب، تطال تداعياتها لبنان وكل المقيمين على ارضه، لماذا لا تلوح اي مبادرة لتشكيل “حاضنة وطنية” اساسها سياسي، يتفرع منه كل ما يحدّ من تداعيات الوضع المتفجر واحتمالاته، التي لا يناقش احد في ما تحمله من مخاطر كبرى.
سابقاً، تبنى فريق الممانعة ولا يزال، طاولة حوار تبحث عملية اختيار رئيس الجمهورية، يفترض انه ينطلق من اعتبارات المصلحة الوطنية، من خلال الحرص على توفير توافق او اجماع على اسم الرئيس، لكن لا يبدو ان هذا الفريق مهتما اليوم بايجاد التفاف وطني حول دور “حزب الله”، في لحظة ارتفاع منسوب الحرب بين الجيش الاسرائيلي و”حزب الله”، ذلك انه مهما بلغت اهمية اجراء حوار وطني حول اختيار الرئيس، فهي لن تبلغ اهمية ايجاد شبكة أمان وطنية، في مواجهة احتمالات الحرب الاسرائيلية على لبنان.

لا يبدو ان هذا الفريق مهتما اليوم بايجاد التفاف وطني حول دور “حزب الله” في لحظة ارتفاع منسوب الحرب بين الجيش الاسرائيلي


هذه الشبكة تكتسب اهمية بالغة اليوم، ليس بسبب الانقسام السياسي الداخلي فحسب، بل بسبب فقدان العديد من الشروط الموضوعية، لمواجهة تداعيات الحرب على مختلف المستويات الاغاثية والمالية والاقتصادية، فضلا عن التعبئة الوطنية، التي تتطلب وجود قناعة لبنانية، بأن قرار الحرب او عدمه او ادارة المواجهة، ينبع من مصلحة وطنية تعني كل لبنان، علما ان الشراكة الوطنية، يمكن ان تتبلور وتترسخ في الوعي اللبناني العام، من خلال هذا المعبر المحفوف بالمخاطر الجدّية على كل اللبنانيين، اذا ما كان هناك شبكة أمان سياسية، تضم القوى الموالية والمعارضة.

مهما بلغت اهمية اجراء حوار وطني حول اختيار الرئيس فهي لن تبلغ اهمية ايجاد شبكة أمان وطنية في مواجهة احتمالات الحرب الاسرائيلية على لبنان


لطالما كانت الحروب الاسرائيلية على لبنان، تحمل في تداعياتها آثارا سياسية وامنية وعسكرية، على الداخل اللبناني، وذلك في كل المحطات السابقة، منذ بدء الاعتداءات الاسرائيلية في مطلع السبعينيات من العقد الماضي، التي مهدت لحرب العام ١٩٧٥، ومن ثم اجتياحات ١٩٧٨ التي مهدت لحروب صغيرة متناسلة، بين منظمات فلسطينية واخرى اهلية ولبنانية في الجنوب وغيره، وصولا الى اجتياح عام ١٩٨٢، وتداعياته على مجمل الحياة اللبنانية، والتي لم تتوقف حتى اتفاق الطائف عام ١٩٨٩.

في العام ٢٠٠٦ لم يكن الحال افضل داخليا مع اللبنانيين، ذلك ان هذه الحرب التي دمرت ما دمرت، من بشر وبنيان ومؤسسات، دفعت ب”حزب الله” مع اعلانه الانتصار على اسرائيل، الى عملية اكتساح المشهد السياسي اللبناني، من خلال عملية تخوين لخصومه السياسيين، واستخدام خطاب التحريض على من يخالفه سياسيا، ولو كان متفقا معه في العداء لاسرائيل، وممالأة كل من يسير في ركبه، ولو كان متورطا في التحريض عليه وربما اكثر، وغايته دائما التحكم بمفاصل السلطة، وهذا ما نجح في تحقيقه الى حدّ كبير.
اليوم، ومع كل ما يحيط اللبنانيين من مخاوف اشتعال الحرب، فان ما يتوقعه الكثيرون بعد انجلاء المشهد واتضاح الصورة، أكانت كارثية او مقتصرة على حدود ما يجري اليوم، من انضباط يتحاشى الحرب المفتوحة، فان المنتظر هو العمل على تصفية الحساب داخليا، فالفعل السياسي لدى فريق الممانعة، كما تجلى بعد العام ٢٠٠٦، هو تكريس النزعة الالغائية، عبر تطويع السلطة والاستحواذ عليها، ولن يقبل اقل من ذلك، فهو الذي قاتل ودافع عن لبنان، وهو من سيمنح الشهادات في الوطنية لهذا الفريق او ذاك الزعيم، وهو من يحق له ان يحجبها عمن يشاء.

المنتظر هو العمل على تصفية الحساب داخليا فالفعل السياسي لدى فريق الممانعة، كما تجلى بعد العام ٢٠٠٦ هو تكريس النزعة الالغائية


بهذا المعنى يمكن قراءة منذ الآن، كل الخطاب الذي سيزيد الانقسام، وسيندرج اي انتصار في نهج الممانعة، ولو كان ملتبساً، بهزيمة على انه انتصار ساحق، وغالبا ما يتحقق فعليا في الداخل، وعلى لبنان الدولة دائما.
الحوار منهج وعقلية وسلوك، وليس شعاراً “غب الطلب”، يُعقد على طاولة “حوار الطرشان”!

https://fb.watch/nQY8kYiAEi/?mibextid=v7YzmG
السابق
حزب الله ينعي مقاتلا جديدا
التالي
في وداع المربي أحمد طلال فقيه