حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: لنبحث عن وحش.. ربما يحمينا!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا حدود للوحشية الاسرائيلية، فرب اليهود يهوه، شرير سفاح يدعو للقتل، هو رب يأمر اتباعه بممارسة الإبادة. فقد ورد في التوراة في التثنية ٢٠ ‏”إذا ذَهَبتُم لِتُحارِبوا أعداءَكُم ورَأيتُم أنَّ عِندَهُم أحصِنَةً ومَركَباتٍ وجُنودًا أكثَرَ مِنكُم،‏ فلا تَخافوا مِنهُم.‏ فيَهْوَه إلهُكُمُ الَّذي أخرَجَكُم مِن أرضِ مِصْر هو معكُم”.‏ 

١٠ ‏«وإذا اقتَرَبتُم مِن مَدينَةٍ لِتُحارِبوها،‏ فأَعلِنوا لِشَعبِها شُروطَ السَّلام.‏  

١١ “وإذا قَبِلوا هذِهِ الشُّروطَ وفَتَحوا لكُم بَوَّاباتِ مَدينَتِهِم،‏ يَصيرُ كُلُّ الشَّعبِ المَوْجودِ فيها عُمَّالًا بِالسُّخرَةِ عِندَكُم ويَخدُمونَكُم”.‏

 ١٢ “ولكنْ إذا رَفَضوا السَّلامَ وحارَبوكُم،‏ فحاصِروا مَدينَتَهُم”.‏ 

١٣ “ويَهْوَه إلهُكُم سيُسَلِّمُها إلى يَدِكُم،‏ فتَقتُلونَ كُلَّ ذَكَرٍ فيها بِالسَّيف”.‏ 

١٤ “أمَّا النِّساءُ والأوْلادُ والمَواشي وكُلُّ ما في المَدينَة،‏ كُلُّ أرباحِ الحَرب،‏ فخُذوها لكُم.‏  خُذوا مِن أعدائِكُم أرباحَ الحَربِ الَّتي يُعْطيكُم إيَّاها يَهْوَه إلهُكُم”.‏ 

١٥ ‏« إفعَلوا ذلِك بِكُلِّ المُدُنِ البَعيدَة جِدًّا عنكُمُ الَّتي لَيسَت مِن مُدُنِ هذِهِ الأُمَمِ القَريبَة”.‏

 ١٦ “أمَّا مُدُنُ هذِهِ الشُّعوبِ الَّتي يُعْطيكُم إيَّاها يَهْوَه إلهُكُم كميراث،‏ فلا تَترُكوا فيها أيَّ شَخصٍ حَيًّا”.‏ 

١٧ “بل أَهلِكوهُم كُلِّيًّا،‏ أيِ الحِثِّيِّينَ والأَمُورِيِّينَ والكَنْعَانِيِّينَ والفَرْزِيِّينَ والحِوِّيِّينَ واليَبُّوسِيِّين،‏  مِثلَما أمَرَكُم يَهْوَه إلهُكُم،

١٨ “عند محاربة الامم الكنعانية السبع،‏ أُمرت الجيوش الاسرائيلية:‏ «لا تستبقِِ منها نسمة ما.‏»‏ تثنية ٢٠:‏١٦‏.

أمَّا مُدُنُ هذِهِ الشُّعوبِ الَّتي يُعْطيكُم إيَّاها يَهْوَه إلهُكُم كميراث،‏ فلا تَترُكوا فيها أيَّ شَخصٍ  حَيًّا.‏ كما ورد في لاويين ١٨:‏٢٥‏،‏ ع‌ج.‏

“لِذلِك صارَت أرضُهُم نَجِسَة،‏ وسَأُعاقِبُهُم على ذَنْبِهِم وسَتَتَقَيَّأُهُم أرضُهُم». ‏

لا حدود للغطرسة الاسرائيلية، فموت اسرائيلي واحد لا يوازيه سوى انتقام بقتل عشرات، بل مئات من اطفال ونساء ورجال الاغيار، الذين وقفوا بوجه اطماع شعب الله المختار.

 يأخذون على حماس انها منظمة اصولية دينية، وانها مع جماعات ايرانية وإسلامية، تسخر الدين في خدمة مخططات واستراتيجبات دول، لتنقل صراع المصالح وتناقض السياسات على الارض، الى صراع حول المقدس، فتنتقل المعارك على الارض لتصبح حروب آلهة في السماء… قد يكون ذلك صحيحا، لكن اول اصولية دينية فعلت ذلك، هي الحركة الصهيونية في فلسطين، وهي حركة قدمت نصا توراتيا دينيا، ليكون مبررا وحجة ومستندا، للاستيلاء على وطن واملاك وبيوت الشعب الفلسطيني، ولذلك اتخذت الجمعية العامة في الامم المتحدة قرارها رقم 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975، بتصويت 72 دولة ب”نعم” مقابل 35 ب”لا” (وامتناع 32 عضوًا عن التصويت)، يحدد القرار «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري».

لا حدود لأكاذيب بنيامين نتنياهو ومراوغاته وتقلباته وتلبسه ثوب الضحية، وهو يقوم بدور الوحش والسفاح

وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدلوجية الصهيونية، التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين. لا حدود لأكاذيب بنيامين نتنياهو ومراوغاته وتقلباته، وتلبسه ثوب الضحية، وهو يقوم بدور الوحش والسفاح، الذي يستمتع بدماء ضحاياه ويزهق ارواحهم، معتقدا ان هذه الارواح هي مداد وخلود لروحه الشريرة، التي تتغذى وتستمر بأرواح الاعداء.  

فقد تآمر نتنياهو وقبله آرييل شارون، لتسهيل قيام حركة حماس وتقويتها  لتصبح منافسا وخصما لمنظمة التحريرالفلسطينية  وليجعل من الانقسام الفلسطيني ذريعة له، لمنع قيام دولة فلسطينية، نتيجة اتفاق اوسلو، وللزعم انه لا يوجد شريك سلام فلسطيني،  وليمنع لأسباب فلسطينية مزعومة، اي تقدم على مسار حل الدولتين، وبلغ به الامر الى ان ينقل الى حماس حقائب مال قطرية، اضافة لقيام تحالف مع الحركة الاسلامية الجنوبية، واسناد حقيبة وزارية في حكومة اسرائيل، لاحدى اجنحة الحركة الاسلامية الجنوبية في الداخل الفلسطيني، فكيف تكون “حماس” هي  “داعش”، وهي حركة سياسية مررت لها  اسرائيل دعما ماليا، وتمثيلا سياسيا في حكومة إسرائيلية ماضية؟!

لا حدود لنفاق الغرب وازدواجية معاييره، ودناءة اخلاقه، في الوقت الذي يدعي لنفسه تفوقا اخلاقيا، وتبنيه لسلم قيم ينتهكها، كلما قضت مصالحه بذلك، ويدعو الاخرين للالتزام بها، كلما تضررت مصالحه كذلك…فتنظيم “القاعدة” وما خلفه من حركة طالبان، كانت اميركا حليفتها وداعمتها، فاصبح هؤلاء يتكنون  بكنية “المجاهدين الافغان” الذين تم امدادهم بالذخائر والصواريخ، التي ارهقت الجيش السوفياتي واجبرته على التقهقر والانسحاب من افغانستان… 

على الرغم من المواجهة الكبرى، التي خاضتها اميركا، ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان وحلفائها بعد احداث ١١/٩/ ٢٠٠١، فان الحرب على الارهاب التي خاضتها قد تحالفت خلاله، مع اتجاهات اسلام سياسي شيعي اصولي اخر، خلال حربي افغانستان واحتلال العراق، ولم يتظهر نهاية الصراع على افغانستان، سوى على هزيمة لأميركا في افغانستان، وتسليمها بعد مفاوضات، جرت في قطر، لحركة طالبان اكثر حركات الاسلام السياسي تزمتا وتشددا.  

في المقابل، لا تحتاج مصر ودولتها العميقة، الى دروس المانية او اسرائيلية او اميركية، بضرورة التصدي لحركة حماس، ومن ورائها في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في وقت انهت فيه مصر مواجهة سياسية وعسكرية وامنية، مع هذه الجماعة والانتصار عليها، بما في ذلك، خلع الرئيس المصري المنتخب حسين مرسي، الطالع من حركة الاخوان المسلمين واتهامه بالخيانة العظمى، نتيجة لتخابره مع جهة اجنبية، هي حركة حماس في غزة.

لا ينتهي النفاق الغربي الاميركي والاوروبي عند المقارنة بين سلوك الغرب تجاه الاخوان المسلمين والاسلام السياسي

لا ينتهي النفاق الغربي الاميركي والاوروبي، عند المقارنة بين سلوك الغرب تجاه الاخوان المسلمين والاسلام السياسي، ونسج علاقات ود وتعاون معهم، في مرحلة حراك الربيع العربي، وبين مواقفهم اليوم لادانة اي تعاون مع حركة حماس او تفهم لقضيتها، بل يصبح موقف الغرب فضائحيا، حين يقرن الغرب انحيازه للجرائم الاسرائيلية، بذكر المحرقة الاسرائيلية ومعاداة السامية، فهل كان اي فلسطيني مشاركا في محرقة اوشفيتز مثلا، وهل كان هناك اليوم وفي القرن الواحد والعشرين، من معسكرات اعتقال جماعية على الطراز النازي، غير المعتقل الصهيوني في غزة والذي تقيمه حكومة نتنياهو، الذي يحتجز مليوني مدني فلسطيني، ويحاصرهم، منذ سنة ٢٠٠٦ وعلى مدى ستة عشر عاما، بين جدار فصل عنصري داخلي وبحر مقفل بزوارق عسكرية تراقب كل حركة فلسطينية؟

 فالصراع بين المقاومة الفلسطينية ودولة اسرائيل العنصرية، ليس صراعا متصلا بمعاداة العرب للسامية من جهة، لان العرب هم ساميون ايضا، ولا علاقة له بإنكار المحرقة اليهودية، ففي كلا الحالتين الضحايا كانت من اليهود فعلا، اما المرتكبون المجرمون، فلم يكونوا فلسطينيين او عربا، او حتى اصوليين مسلمين، مجرمو المحرقة ومعتمدو معاداة السامية، هم اوروبيون في المانيا وفرنسا واسبانيا او غيرها، ومحاسبة هؤلاء والاقتصاص منهم، ينبغي ان تحدث لهم وبهم لا بغيرهم، و لا تمر لا بإدانة الفلسطينيين، ولا بتحميلهم مسؤولية جرائم ارتكبها غيرهم، ومارسها غربيون في اوروبا، في الوقت الذي كان اجداد العرب والفلسطينيون، يعيشون بسلام وتعاون مع يهود الاندلس والمغرب واليمن والعراق وفلسطين. 

فالصراع بين المقاومة الفلسطينية ودولة اسرائيل العنصرية ليس صراعا متصلا بمعاداة العرب للسامية من جهة لان العرب هم ساميون ايضا

نعم ثمة مشكلة بين الفلسطينين ويهود اسرائيل اليوم، ومنذ ثلاثة ارباع القرن، هي سياسة احتلال اسرائيل لشعب آخر واقتلاعه من ارضه، واقامة المستوطنات عليها وممارسة نظام فصل عنصري ابارتيد، ومنع شعب بأكمله هو الشعب الفلسطيني، من حق تقرير مصيره و إقامة دولة فلسطينية على ارضه، طبقا للشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة، ذات الصلة والاتفاقات الدولية المبرمة، بين منظمة التحرير الفلسطينية والطرف الاسرائيلي.

ولذلك فالمسألة هي التزام بالشرعية الدولية، وبحق اي شعب يصيبه احتلال ارض بلاده، من جيش اجنبي ان يحمل السلاح، ضد الجيش الذي يمارس احتلال وطنه، لا فارق بين حق الفلسطيني في قتال جيش الاحتلال الاسرائيلي، وحق الجيش الاوكراني في قتال الجيش الروسي، الذي يقتحم اوكرانيا ويسعى لإخضاعها.ازدواجية المعايير بين فلسطين واوكرانيا نفاق غربي، ينزع عن اوروبا اي زعم بتفوق اخلاقي او امانة معيارية.

لا فارق بين حق الفلسطيني في قتال جيش الاحتلال الاسرائيلي وحق الجيش الاوكراني في قتال الجيش الروسي

  لا التزام بالشرعية الدولية، ابتداء من قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي بشأن القضية الفلسطينية، ولا بالقانون الدولي الإنساني، او بمواثيق واتفاقات حماية المدنيين اثناء الحرب، ما تستطيع اسرائيل ممارسته من جرائم حرب لا حدود له، ثمة اجازة قتل شاملة ومفتوحة تستفيد منها اسرائيل؛ العقاب الجماعي وحرمان مئات الاف المدنيين من الماء والدواء والغذاء والاستشفاء، استهداف بيوت الناس المدنيين بالقنابل والموت، وترحيلهم عن بيوتهم، وممارسة التهجير الجماعي والتطهير العرقي، اقفال المستشفيات وتهديدها، لتقفل ابوابها ثم قصفها على من فيها، منع خدمات الكهرباء وحظر التنقل، واستهداف الاطباء وسيارات نقل الجرحى والدفاع المدني، احلال نظام فصل عنصري وابارتهايد، كل انواع الجرائم، كل اصناف انتهاكات القوانين والمعايير الدولية، متاحة مقبولة، ويجري تبريرها، باسم الحضارة والتمدن وقيم العالم الحر.

 لاحدود للبطش على هذه الارض، فالوحشية والنفاق وانتهاك القيم الانسانية هي الاصل في المذبحة. ومن لا يتحصن بوحش يحميه ليبحث عنه وليجده.

السابق
وقفة تضامنية للمستقبل في كترمايا مع غزة
التالي
«ما بعد طوفان الأقصى.. الخيارات المحتملة».. ندوة ل«جنوبية» الثلاثاء