علماء من الجنوب 2 : السيد عبد الحسين شرف الدين.. أمّ صلاة الجماعة في مكة وعقد أول مجلس عاشورائي في لبنان

“إمام في الإمامة” هكذا عرف المرجع الراحل السيد محسن الطباطبائي الحكيم الإمام، المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين، في إشارة من المرجع الحكيم إلى الدور القيادي والسياسي الذي لعبه السيد شرف الدين في مسيرة حياته، إلى جانب حضوره الفقهي والاجتهادي في الحوزات الشيعية.

ترسيخ العقيدة الشيعية

فالمرجع الحكيم لم يقصد بهذه العبارة إغفال جانب الفقاهة والاجتهاد في شخصية السيد شرف الدين، بل أراد التركيز في تقييمه على حضوره السياسي والقيادي في قلب الأمتين العربية والإسلامية، وهو الذي تمكن بحكمته من إمامة صلاة الجماعة في الحرم المكي لبيت الله الحرام بمكة المكرمة، بعد حوارية عقائدية ناجحة جرت بينه وبين خادم الحرمين الشريفين يومها، ليكون بذلك السيد شرف الدين أول عالم شيعي يؤم صلاة الجماعة في بيت الله الحرام، بعد انهيار الدولة العثمانية .

استطاع السيد شرف الدين ترسيخ العقيدة لدى الشيعة من جهة، والتأثير ايجابا في نظرة سائر الفرق الدينية نحو التشيع

واستطاع السيد شرف الدين – كذلك – ترسيخ العقيدة لدى الشيعة من جهة، والتأثير ايجابا في نظرة سائر الفرق الدينية نحو التشيع بصورة عامة من جهة ثانية، كما تمكن من خطف أنظار المرجعية العليا الأزهرية، عبر حوارياته العقائدية والفقهية، هذه الحواريات التي طبعت بعنوان كتاب: “المراجعات” الخالد والذي طبع مئات الطبعات واعتنق بسببه الكثيرون عقيدة الشيعة.

وكان للسيد بذلك، دور في تقليص الهوة الفكرية والبنيوية بين سائر المذاهب الفقهية الإسلامية، وخط يراعه كتاب “الفصول في تأليف الأمة “، ليساهم مساهمة قوية وعلمية في مشروع الوحدة الإسلامية الحقيقية القائمة على المنطق والبرهان، والاعتراف بالتشيع كمدرسة رائدة من مدارس أصالة الإسلام ..

وأسس الامام شرف الدين عام 1938 الكليةالجعفرية في مدينة صور كمنارة ثقافة عالية، وأطلق عليها اسم “الجعفرية” وكانت تضم جميع المراحل الدراسية لغاية الثانوية، وفتح ابوابها مجانا لأبناء العمال والفلاحين من عامة الجنوبيين، غير القادرين على تحمل تكاليف الاقساط، فنالوا شهاداتها العلمية والادبية منها.

أول مجلس عاشورائي

ولعب السيد شرف الدين دوراً متميزاً – أيضاً – في “تهذيب” كتب السيرة الحسينية، من خلال ما سطره في موسوعته المسماة: “المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة” ؛ وكتابه الآخر : “عقيلة الوحي”، وهما الكتابان اللذان ساهما مساهمة كبيرة في تصويب الطروحات العاشورائية في المجالس الحسينية في بلاد جبل عامل.

ويعتبر مجلس عاشوراء الذي كان يعقده السيد شرف الدين في مدينة صور عام 1920، أول مجلس عاشورائي عام أقيم في لبنان من الناحية الزمنية والتاريخية، بعد انهيار الدولة العثمانية، وكان السيد شرف الدين يشرف بنفسه على إقامته، عبر دعوة الخطباء المتميزين والموسوعيين والواعين والمنسجمين مع كتابات السيد التصويبية، وكان يرعى هذا المجلس العاشورائي بالضيافة وتشجيع العامليين والعلماء وطلاب الحوزات الدينية، وكافة المتدينين على حضور هذا المجلس والمشاركة فيه، وكان هذا المجلس يومها يشهد حضوراً مميزاً من أطراف قرى الجنوب.

يعتبر مجلس عاشوراء الذي كان يعقده السيد شرف الدين في مدينة صور عام 1920 أول مجلس عاشورائي عام أقيم في لبنان

وفي هذا السياق، وفي محاولة تسليط الضوء على الدور السياسي والقيادي للسيد شرف الدين، كان له الدور الطليعي في مقاومة الاحتلال الفرنسي للجنوب، وقد اضطره الحال لقيادة معركة عسكرية مباشرة مع المحتل، وتعرض لمحاولة قتل فاشلة من ضابط فرنسي، تمكن على أثرها السيد شرف الدين من التواري عن الأنظار بالهجرة، خارج البلاد لفترة من الزمن لجأ فيها إلى فلسطين ومنها إلى العراق، لحين تحقق حلمه بزوال الاحتلال الفرنسي ونيل لبنان الاستقلال ..

وبعد احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، التي أنشأت كياناً لقيطاً عرف بدولة إسرائيل، وأمام هذا الواقع المستجد، مهد السيد شرف الدين لمكافحته ومقاومته بإعداد الإمام المغيب السيد موسى الصدر ليخلفه في مهمة صيانة مصالح الجنوبيين أمام أطماع إسرائيل التوسعية .. وكان ما أراد حين عمد نجله السيد جعفر شرف الدين، ليستقدم السيد الصدر من قم المقدسة والنجف الأشرف، ليبدأ السيد الصدر رحلته الجهادية وحركته الإصلاحية لنفض الغبار عن الطائفة الشيعية في لبنان، بعد ما عانت الويلات في الحقبتين العثمانية والفرنسية .. وكان ما كان ..

السابق
المبادرة الفرنسية «التائهة» بين سيمفونية الحوار و«معزوفة الدوحة»!
التالي
فيلم (THIIRD) للمخرج كريم قاسم في مونو.. سيرة زمن محدد ومقفل!