الأكراد ودورهم في التاريخ الحديث

اكراد
أنشر هنا مقالاً لي نشر في مجلة "الفكرة الحرة" Idée libre الشهر الفائت وحمل هذا العدد عنوان "دجلة والفرات". هذه المجلة تصدر عن الفدرالية الوطنية للفكر الحر (فرنسا) FNLP. نشر بالفرنسية وهذه ترجمته الى العربية. كامل العدد سيصدر قريبا باللغة العربية.
  • لفهم الأحداث الأخيرة، في كل من تركيا وسوريا والعراق وإيران علينا العودة إلى تاريخ الشعب الكردي.
    بالنسبة إلى جيرار جوتييه، الناشط الشيوعي التحرري “ها نحن هنا بالضبط بعد خمسمائة عام من معركة جالديران (أغسطس 1514)، التي قررت تقسيم الأراضي الكردية بين الإمبراطورية العثمانية وبلاد فارس الصفوية، كما نحن بعد مئة عام (أغسطس 1914) على اندلاع الصراع الذي أدى إلى تقسيم جديد لهذه الأراضي نفسها”.
    استمر قمع الأكراد منذ إنشاء الانتداب الفرنسي على سوريا بعد اتفاقية سايكس بيكو. لم تعترف الحكومة السورية (المعروفة رسمياً باسم الجمهورية العربية السورية) بوجود الأكراد، وفي عام 1962، تم تجريد 120 ألف كردي سوري من جنسيتهم، وأصبحوا عديمي الجنسية. كما تم قمع اللغة والثقافة الكردية. حاولت الحكومة حل هذه المشاكل في عام 2011 من خلال منح الجنسية لجميع الأكراد، ولكن للأسف عدد متواضع فقط حصل عليها وكان هناك عدد غير قليل من القرارات التمييزية، بما في ذلك حظر تدريس اللغة الكردية. إنه شعب عانى ولا يزال يعاني في كل مكان.

الفرصة التي أتاحتها الحرب السورية

  • هناك قول عربي مأثور: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، وبالفعل قدمت الحرب الأهلية السورية فرصة للأكراد لتأسيس أرض بأفكار اشتراكية. ستسمح هذه الظروف ببناء مشروع سياسي “مستقل”. أصبح الأكراد لاعباً رئيسياً في الأزمة السورية وأنشأوا نظام إدارة مستقل. هذه المناطق هي مناطق مأهولة بشكل رئيسي من قبل الأكراد، ولكن أيضاً من قبل العرب والمسيحيين والشيشان.

أكراد بدون كردستان

  • تعبير “اكراد بدون كردستان” يعني انها أمة بلا بلد، بلا دولة. لا يوجد سوى تأريخ وتمثيلات واحدة للأمة. لكن هذا لم يعد صحيحاً: دولة شمال العراق الفيدرالية، والتي، رغم عدم الاعتراف بها دوليا، قائمة منذ عام 1992، لديها مؤسساتها ومدارسها وكتبها المدرسية. وفي سوريا، في شمال سوريا، بمجرد أن أتيحت لهم الفرصة، أظهر الأكراد دافعا ثورياً، ليس فقط قادراً على بناء دولة بل أيضا لبناء كونفدرالية ديمقراطية، من النمط البرودوني. علينا الإشارة الى أن الأحزاب السياسية المختلفة تعزز بقوميتها تمثيلا معينًا للأمة.

حقيقة أن هذا المشروع السياسي الذي تم تنفيذه في شمال سوريا سيكون بمثابة نقطة اللاعودة لكثير من سكانها

  • يصر قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على رغبته في إدخال حقوق شعب روج آفا في الدستور السوري الجديد. لكن الحكومة السورية رفضت بشدة التفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية وترفض حتى مجرد الإشارة إلى مصطلحات مثل تلك التي يستخدمها مسؤولو الإدارة الذاتية باسم “شعوب روج آف.

كومونة روجافا (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)

في شمال سوريا، سرعان ما أصبح السكان الأكراد جزءاً من حركة الاحتجاج المناهضة للنظام. لكن التقارب مع تركيا لعدد مهم من عناصر التمرد المتجمعة داخل المجلس الوطني السوري، وتهميش المطالب الخاصة بالكرد الناتجة عنه، دفع حزب الاتحاد الديمقراطي إلى اختيار طريق ثالث أكثر ثورية، يعتمد الأفكار الشيوعية التحررية.

في 19 تموز 2012 سيطر المقاتلون على مدينة كوباني بدعم من قسم كبير من السكان. منذ عام 2013، تم إنشاء سلطة تنفيذية – الإدارة الذاتية والتي كانت تتكون في البداية من كوادر سياسية مدربة داخل حزب الاتحاد الديمقراطي. هي مساحة تسمى “روج آفا”، أي الغرب باللغة الكردية (وأيضاً عرب كردستان). على المستوى التنظيمي، روجافا هي الكونفدرالية الديمقراطية المستوحاة من الفكر النظري لعبد الله أوجلان. من 2013 إلى 2019، امتدت سيطرة الإدارة الذاتية بعد معارك شرسة مع داعش، وضمت مزيداً من السكان العرب، وكذلك السريان والأرمن والتركمان والإيزيديين.

إنجازات ضخمة على خلفية تحررية

إن البنية الديمقراطية الأساسية لهذه الكونفدرالية الديمقراطية هي الكومونة. في نهاية شهر نيسان 2018، التقى الرؤساء الـ 12 في أحد منازل منطقة كوباني، نساء ورجالاً وتم إجراء انتخابات منتظمة وديمقراطية بمشاركة عالية.

إقرأ ايضاً: نصرالله يدق «مسمار جحا» في ذكرى حرب تموز!

في آذار 2016، تأسس الاتحاد الديمقراطي لشمال سوريا، بهدف جمع كل سكان المنطقة ضمن المشروع السياسي الذي تنفذه الإدارة الذاتية. يتم ضمان التنظيم الإداري للمناطق وإنشاء الهياكل الديمقراطية، مثل الكومونات والتجمعات، من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. أخيراً، مجلس سوريا الديمقراطية، المكون من ممثلين عن الأحزاب السياسية والإدارة الذاتية والمجتمع المدني، يعمل على نطاق أوسع ويهتم بالقضايا الدبلوماسية المتعلقة بحل الصراع السوري، من خلال اقتراح حل قائم على الكونفدرالية الديمقراطية. وبما أن الثورة تتطلب تنازلات، فقد تم وضع هذه المبادئ في كانون الأول 2016 تحت اسم الاتحاد الديمقراطي لشمال شرق سوريا، بهدف استبدال المصطلح الكردي الأصل “روج آفا”، كي تكون قادرة على دمج جميع السكان.

الحركة النسائية

إن تحرر المرأة هو أحد أعمدة الحداثة الديمقراطية كما يراها أوجلان. في أنشطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والجماعات ذات الصلة، يحق للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الاعتراض على جميع القرارات التي تهمهن. بالإضافة إلى الرئاسة المشتركة، يتم تخصيص حصة لا تقل عن 40٪ من المقاعد في الهياكل المختلطة.

لكن مشروع الكونفدرالية الديمقراطية تباطأ بسبب الصعوبات المختلفة. أولاً وقبل كل شيء، على المستوى الفردي، تتطلب المشاركة في الجمعيات الكثير وقت فراغ و”فضاوة بال”، والناس يعملون ليل نهار للاستمرارية والبقاء. يجب ألا ننسى أننا في منطقة من العالم حيث التربية منذ الطفولة مهمة، وهي تزن وتحمل رواسب حتى عندما نقرأ الكتب الثورية والأحزاب اليسارية اللبنانية تعرف تماماً هذا المرض. يستغرق الأمر وقتًا لتغيير العقليات وكل شيء نسبي. ليس من السهل الانتقال من حياة في ظل نظام قمعي وسلطوي – بما في ذلك ممارسات الحزب الشيوعي السوري الخاضع تماماً للنظام – إلى نظام ثوري وتحرري يسم الإدارة الذاتية.

جهود ضخمة

مع ذلك، أظهر الهجوم التركي في تشرين الأول 2019 قوة التحالفات الثورية التي تم إنشاؤها. ولم تستسلم القبائل العربية لدعوات الدولة التركية للتخلي عن الأكراد، وشاركت جميعها في الدفاع عن أراضي الحكم الذاتي ضد المرتزقة السوريين بدفع من تركيا، ورغم الوسائل العسكرية الهائلة المنتشرة ضد الأكراد.

كان لا بد أن يصاحب التوسع السريع لهذه الأفكار التحررية في المناطق ذات الغالبية العربية عمل أيديولوجي كبير مع القبائل، صاحبة الوزن السياسي الوازن، من أجل تحقيق تحالفات دائمة وتقبل المشروع السياسي الثوري.

طرحت فكرة المساواة بين الرجل والمرأة مشكلة. عمل النشطاء من باب إلى باب، ودعوا كل واحدة من النساء للمشاركة في الإجراءات والتعرف على الأداء السياسي المقترح. أنشأوا مؤسسات لتدريب الراشدين، وأكاديميات. ثمة عوائق كان ينبغي التغلب عليها، مثل التجنيد الإجباري داخل قوات الدفاع عن النفس، أو الوجود المهيمن للكوادر السياسية الكردية في الإدارة الذاتية، والتي تضاءلت بمرور الوقت بفضل اندماج الحركة من قبل غير الأكراد. إن نشر الأفكار لا يمكن أن يتم إلا على حساب التنازلات: كان من الضروري التعامل، على سبيل المثال، مع القبائل العربية التي كانت تنتظر عودة النظام الاستبدادي السوري لاستعادة الامتيازات التي كانت تتمتع بها. دون أن ننسى أن السكان الذين يعملون في القرى من أجل بناء الكونفدرالية الديمقراطية، وتعزيز أوضاع النساء، يتعرضون للتهديد من هذه القبائل وأيضاً من الجماعات العميلة لتركيا.

الأجانب

جذبت الأفكار التحررية للأكراد الأجانب الذين جاءوا للقتال، لأسباب أيديولوجية، من أجل الفكر التحرري (الفوضوي) أو الشيوعية أو الاشتراكية، وتدربوا في أحد معسكرات حزب العمال الكردستاني في تركيا. ثم انضموا إلى المقاتلين الأكراد والعرب والإيزيديين والأرمن والآشوريين وغيرهم من المقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية. بالنسبة لسكان روج آفا، إنه لمن دواعي سرورهم أن يأتي الناس للدفاع عنهم عندما أدار العالم كله، طيلة قرن تقريبا، ظهره عن أملهم في الحكم الذاتي وتقرير المصير. ينتقد نشطاء فرنسيون – والنقد الفرنسي لا سيما عند اليساريين معزوفة معروفة، فلا شيء يعجبهم – هذا التمجيد للغربيين الذين جاءوا للقتال مع الأكراد. حتى أنهم يستهزؤون ويتحدثون عن “سياحة الحرب” لهؤلاء الأجانب الفقراء، الذين يحبون “صور السيلفي” لكنهم يعودون لاحقاً إلى حياتهم الطبيعية في المترو بولو دودو (مترو-عمل-نوم). من جهتي، أرى أن هذا الشكل من أشكال النضال الأممي ينبغي احترامه.

خاتمة

حتى لو لم تقم الإدارة الذاتية لشمال سوريا ببناء مجتمع فورييه Fourier المثالي ولم تنفذ أي مشروع متكامل وصلب، تبقى حقيقة أن هذا المشروع السياسي الذي تم تنفيذه في شمال سوريا سيكون بمثابة نقطة اللاعودة لكثير من سكانها. تقول نادية، وهي امرأة تركمانية في الخمسينيات من عمرها انتسبت الى هذا الحراك في العام 2018 وأصلها من منبج:
هي تقول:
“عندما كانت داعش في المنطقة، لم تكن المرأة موجودة. كانت المرأة محطمة وخاضعة، وينظر إليها على أنها أداة للتكاثر. لكن بعد وصول الديمقراطية، أظهرت النساء وجودهن. ها نحن جميعا نفس الشيء. لا يوجد أكراد ولا تركمان ولا عرب. نعمل معاً ونتناقش معاً… الآن أعرف ما أريد. ما هي حقوقي وأمنياتي. علاقتي بالعالم. قبل هذا التغيير أنا أيضاً كنت في المنزل، كنت أعتني بأولادي وزوجي وأطبخ. مع ظهور الديمقراطية، تغير ذلك. الآن أعلم أن لدي هدف”.

في أنشطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والجماعات ذات الصلة يحق للمرأة على قدم المساواة مع الرجل الاعتراض على جميع القرارات التي تهمهن

هكذا اشترت الكونفدرالية الديمقراطية منزلاً لها في هذه المنطقة الكبيرة الواقعة في شمال سوريا، وهي الآن مالكة له ولا يمكن لأحد أن يبعدها عنه. تستمر كتابة الحاضر كل يوم من قبل الآلاف من الأكراد والعرب والسريان والإيزيديين والتركمان والشركس والمتطوعين الدوليين الذين يعملون على تحقيقه. لكن لتحقيق تقدم فعلي المسألة تحتاج إلى استقرار لا يزال بعيد المنال بسبب الفوضى الجيوسياسية في سوريا. أصلاً تحتاج أفكار المساواة الاجتماعية والعلمانية والاشتراكية التحررية في أوروبا وفرنسا إلى حالة من الهدوء للتقدم، فما بالك اذا كان ذلك في منطقة مشتعلة بالحروب، وأي حرب قذرة هذه!!
تهانينا لكل هؤلاء النشطاء الأكراد الذين يغيرون اللعبة في هذه المنطقة الفائقة الأهمية: هم يحاولون غرس أكثر الأفكار تقدمية على هذا الكوكب، أي الأفكار الأنركية والشيوعية والاشتراكية والتحررية. كل التشجيع لكم. يعيش الشعب الكردي!

ترجمة خاصة للنص الأصلي المنشور باللغة الفرنسية

السابق
نصرالله يدق «مسمار جحا» في ذكرى حرب تموز!
التالي
مؤسّسة لقمان سليم و«مركز مينا للصورة» يطلقان مهرجان «ميزان» لافلامٍ وثائقيّةٍ متعلقة بالجريمة السياسيّة