تغيير قواعد الاشتباك: دلالات التحول في التعاطي الأردني مع ملف المخدرات القادمة من سورية

حدود الاردن

تُشير التحركات الأردنية الأخيرة في ملف مكافحة المخدرات التي مصدرها الأراضي السورية، وأهمها استهداف مُهربي المخدرات ومُنتجيها داخل الأراضي السورية عسكرياً، إلى وجود تقييم أمني أردني جديد للمخاطر ذات الصلة، وأن هناك مساع أردنية جدية لمعالجة هذا الملف، بعد عجز الترتيبات السابقة عن إحداث تأثيرات مهمة فيه، بدليل أن عمليات التهريب أخذت في التزايد بشكل لافت للنظر. كما أن استمرار الأردن بالتعامل وفق قواعد الاشتباك القديمة، لم ينتج عنه سوى إرهاق الجهات الأمنية واستنزافها. 

ولعل ما يُشجِّع الأردن على هذه الخطوة امتلاكه معلومات كافية جُمعت وحُللِّت طوال السنوات الماضية حول عمليات إنتاج الكبتاجون في الأراضي السورية، وطرق تهريبها، والجهات الفاعلة التي تقف وراءها، وهذه البيانات من السَّهل تحويلها إلى بنك أهداف إذا أراد الأردن السَّير في مسار الحرب على المخدرات خارج حدوده.

اقرأ أيضاً: لابد من تعلم دروس التاريخ بدلاً من إعادة كتابتها

لقد سعى الأردن طوال الفترة الماضية إلى التعامل مع المشكلة المخدرات وفق منطق إدارة المخاطر، حيث وضعها في قائمة المهددات الأمنية لحدوده مع سورية، والتي تتضمن أيضاً مشكلة الميليشيات الإيرانية وقضايا أمن الحدود الأخرى، غير أن تطور تجارة المخدرات كماً ونوعاً، دفع الأردن الى حرق المراحل والانتقال الى الاشتباك المباشر والمبادرة بالهجوم، بعد توفير الظروف المناسبة بالتفاهم مع السلطات السورية وروسيا. 

ويملك الأردن أوراقاً قوية في هذا السياق، بما فيها ورقة قانون الكبتاجون الأمريكي الذي أقرّ في سبتمبر 2022، باعتبار ما يمكن أن يؤديه الأردن، بحكم ملاصقته لسورية، من دور في تفعيل هذا القانون، الذي قد يتضمن إجراءات ميدانية من المتوقع أن تحسب لها دمشق حساباً مهماً، بالنظر لما سينتج عن هذا القانون من تداعيات على الأوضاع في سورية، وتأثيراته المحتملة في عملية التطبيع الجارية مع الدول العربية.

السياق والدلالات

تأتي التحركات الأردنية الأخيرة للتصدي لخطر تجارة المخدرات بعد أن ضاقت البلاد ذرعاً بهذه الأزمة، التي توالدت عنها أزمات أخرى خطيرة اجتماعية واقتصادية، واتسع نطاق تأثيرها السلبي ليشمل شرائح اجتماعية مثل الشباب والمهمشين، كما زادت من تعقيدات خريطة المخاطر التي يواجهها الأردن، بما فيها الإرهاب واللاجئين وقضايا نقص المياه والبطالة، الأمر الذي وضع قضية المخدرات على خط تفاعلي مع جملة الأزمات هذه، ومن ثمّ دفع صانع القرار الأردني إلى تصنيفها ضمن أهم المخاطر التي تهدد الأمن القومي للبلاد.

كما تأتي هذه التحركات في سياق شروط التطبيع العربي مع نظام الرئيس بشار الأسد، والمعلوم أن الأردن بوصفه أحد الفاعلين الأساسيين في مسار إعادة إدماج سورية عربياً، قد وضع مسألة محاربة المخدرات على رأس أولوياته، من أجل الضغط على دمشق من خلال إيجاد إطار لمراقبة هذا النشاط الإجرامي والتصدي له، في سياق الحلّ السوري. وبدفعٍ من الأردن، تحولت العملية إلى مبادرة إقليمية – عربية بعد اجتماعي جدّة (منتصف أبريل الماضي)، وعمّان (1 مايو الجاري) الوزاريين.

وقد وافقت سورية على التعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فرق سياسية وأمنية مشتركة لتحديد مصادر إنتاج المخدرات، ورصد عمليات التهريب، وتعقُّب الجهات التي تنظمها عبر الحدود، ما يضع التحرك الأردني الأخير في إطار تنفيذ مخرجات التوافق بين الطرفين، عبر حصوله على ضوء أخضر من دمشق يمنح حرس الحدود الأردني تفويضاً بالتصرف ضد محاولات تهريب المخدرات؛ فبالإضافة إلى الاستهداف الجوي لمن يوصف بأنه أكبر تاجر للمخدرات في المنطقة الجنوبية، مرعي الرمثان، في قرية الشعاب بريف السويداء، جرى استهداف بعض تجار المخدرات في قرية خراب الشحم بريف درعا، كما أُرسِلَت رسائل نصية عبر الهاتف لمهربي المخدرات تطالبهم بتسليم أنفسهم للقوات الأردنية.

وفي الحسابات السورية، قد يكون مثل هذا التحرك الأردني ورقة مهمة لدمشق من شأنها إقناع العرب بجديتها في مسار التطبيع، من منطلق إدراكها أن هذا أهم المطالب في القائمة التي تقدَّمت بها الأطراف العربية من النظام السوري، وهو مطلبٌ يستدعي الحصول على نتائج فورية، في حين أن قضايا مثل اللاجئين لا يقف حلها عند دمشق وحدها. بالإضافة لذلك، فإن الإيجابية السورية تجاه التحرك الأردني تدعم الرواية التي تقول بها الجهات السورية بأن موضوع المخدرات مرتبط بالفساد والإرهاب، وهي قضايا لا تستطيع دمشق حلَّها حتى اللحظة.

غير أن السبب الأهم في هذه الإيجابية السورية، ربما يكون كامناً في رغبة دمشق منح الأردن ورقة مهمة لإعاقة تنفيذ قانون الكبتاجون الأمريكي، باعتبار أن المسألة قيد الحل وضمن أطر رسمية، وقد يؤدي ذلك إلى تجميد هذا القانون ما دام الأردن وضع الآليات المناسبة للتعامل معه، مع الأخذ بعين الاعتبار تشكُّك الأردن بجدية الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الملف، واحتمال أن يُشكِّل أحد أدوات واشنطن في تجميد الملف السوري، وتوريط الأردن أكثر بالإفرازات السيئة للأزمة السورية.

وهنا يتضح الدور الروسي في هذا الإطار، إذ لم يكن من باب المصادفة حرص وزير الخارجية الأردني على إبقاء حالة التشاور في الملف السوري بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي أظهر مرونة في فهم الاحتياجات الأمنية الأردنية المرتبطة بالجنوب السوري. وتُفضِّل روسيا أن تولي الدولة السورية في هذه المرحلة المزيد من الاهتمام بزيادة مساحات التفاهم والتعاون مع الدول العربية. كما أن تجارة المخدرات تؤثر بطريقة أو أخرى في النفوذ الروسي في الساحة السورية، باعتبار أن عوائد هذه العملية تذهب للميليشيات الإيرانية ومكونات سورية لا يوجد تنسيق بينها وبين القوات الروسية.

النتائج والتوقعات

ظَهَرَ على الفور بعض النتائج الأولية للتحرك الأردني ضد تجار المخدرات ومُهربيه في عمق الأراضي السورية، تمثل أهمها في هروب العديد منهم خارج مناطق الجنوب السوري، وثمّة أنباء عن قيام الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني بتفكيك بعض مواقعهم في جنوب البلاد، وخاصة المواقع التي يُشتبه أنها تقدم دعماً عملياتياً ولوجستياً لمُهرِّبي المخدرات إلى الأردن، لكن من غير المعلوم ما إذا كانت هذه الإجراءات (الهروب والتفكيك) تشكل نتيجة دائمة لسياسة الردع الأردنية، أم أنها تعكس توجهاً نحو التكيَّف مع المتغيرات، من خلال عمليات مناورة وتمويه تقوم بها شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها في سورية لاستيعاب التحرك الأردني.

وعلى رغم أن التحرك الأردني يُشير إلى تحول في استراتيجية التعامل مع مسألة المخدرات، ويُمثِّل تحوّلاً في الموقف السوري من المشاركة بها، فإن ظهور نتائج حقيقية قد يأخذ وقتاً أكبر، بالنظر لتعقيدات هذه القضية، ومشاركة شبكات كبيرة فيها؛ فبحسب الإحصاءات الأردنية هناك أكثر من 160 عصابة تعمل على تهريب المخدرات، فيما تشير تسريبات سورية إلى وجود حوالي مئة مكبس لإنتاج المخدرات في جنوب سورية فقط. كما أن هذه العملية التي تدر عوائد تزيد عن خمسة مليارات دولار سنوياً، حسب وزارة الخارجية البريطانية، يرتبط بها شخصيات تخترق المجتمع والدولة السوريين، الأمر الذي يُفسِّر سبب عدم قيام النظام السوري باستهداف مرعي الرمثان الذي يقيم في مناطق تسيطر عليها أجهزته الأمنية، وتركه المهمة للقوات الأردنية.

مع ذلك، فإن من غير المتوقع أن يعمد الأردن في المدى المنظور إلى تنفيذ اجتياح بري للمناطق التي تنتج المخدرات أو بهدف إلقاء القبض على القائمين على هذه التجارة، لما لذلك من مخاطر وتداعيات أمنية خطرة، والمرجح أن تستمر السلطات الأردنية في حربها الواسعة على المخدرات عبر شن ضربات انتقائية وبالوسائل الاستخباراتية، ما يعني أن هذا الطريق سيكون طويلاً.

السابق
مقابل 70 دولاراً.. عصابة تُزوّر إقامات لسوريين!
التالي
في قلب العاصفة: التدهور البيئي، وتغير المناخ، والنزوح في العراق