13 نيسان: في نقد النقد (2)الشيعية السياسية

محمد علي مقلد

الكلام عن الشيعية السياسية كما عن المارونية السياسية هو كلام عن مشروع سياسي لا عن مذهب أو دين. وليس جديداً ما سأقوله عن الأولى اليوم وعن الثانية غداً. فقد سبق أن نشرت كتاباً حمل هذا العنوان، وبحثاً تناولت فيه ما فعلته الحرب بالدولة، ومساهمة نقدية لدور حركة «أمل»، وذلك بناء على طلب أحد الأصدقاء من قيادييها. سأرجئ الكلام عن «حزب الله» والأحزاب الإيديولوجية إلى مقالة لاحقة. معيار وحيد أبني عليه نقدي هو موقف القوى السياسية من الدولة.

الحركة طرف أساس في الحرب الأهلية، ولاسيما بعد إخفاء الإمام الصدر. خاضت معارك عسكرية نيابة عن النظام السوري ضد أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية بين عامي 1978 و1982، ثم ضد المخيّمات الفلسطينية في بيروت وصيدا بين عامي 1985و1988، وضد «حزب الله» بين آذار 1988 وأيلول 1990.

اقرأ أيضاً: نقاشات شيعية لما بعد الإتفاق الإيراني – السعودي: أي دور وأي مشروع؟

دافعت «الحركة» أيام موسى الصدر عن الوحدة الوطنية، وواجهت الثورة الفلسطينية وحلفاءها في الحركة الوطنية اللبنانية دفاعاً عن سيادة الدولة والقانون، لكنها حين صارت جزءاً من السلطة، انقلب دورها إلى نقيضه، فصارت المعتمد الأول لدى النظام السوري الذي ابتكر آليات لبنانية لانتهاك الدستور، فألغى المؤسسات وأنشأ بدعة الترويكا وكرّس نظام المحاصصة وعمل على تدمير القضاء ومؤسسات الرقابة وفرض بالترهيب المخابراتي إعادة بناء الدولة بعيداً عن الكفاءة وتكافؤ الفرص.

تدمير مؤسّسات الدولة جريمة موصوفة تحمّلت وزرها، قبل الحرب الأهلية، قوى السلطة والمعارضة الرسمية والشعبية على السواء، ثم النهج الميليشيوي المسلح وغير المسلح خلال الحرب الأهلية وبعدها. حصة حركة «أمل» من هذا الوزر هي الأكبر. فهي عملت على النقيض تماماً من نهج الإمام موسى الصدر الحريص على انخراط الشيعية السياسية في الكيان اللبناني، وخالفت وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين التي تؤكد على أن أولية الانتماء إلى الوطن قبل الطائفة وقبل المذهب، ما أفقدها موقع الاعتدال ووضعها في واجهة المشروع المذهبي الذي يختبئ وراءه حزب الله.

بعد خروج الجيش السوري من لبنان ذهبت حركة «أمل» بعيداً في التزامها الآليات ذاتها في إدارة شؤون الدولة أيام الوصاية، فرفعت شعار»عروبة الجنوب» في وجه «الفرسنه»، ولم تكن العروبة تعني في حينه سوى التضامن مع النظام السوري ضد النفوذ الإيراني المتزايد؛ بعد التسوية بين النظامين تحولت «الحركة» إلى احتياطي شعبي لـ»حزب الله» وشكلت له الغطاء الرسمي لانتهاك الدستور وتعطيل المؤسسات وشل العمل الحكومي، فألغت بذلك إرث الاعتدال الصدري وانحازت إلى مشروع مذهبي متطرف استحق أن يسمى مشروع الشيعية السياسية الذي ليس من مشروع المارونية السياسية سوى الوجه والقفا.

تكرس انخراط «الحركة» في الحرب وفي عرقلة حلول الأزمة عندما ارتضى رئيسها أن يتولى، في وقت واحد، رئاسة الحركة ورئاسة المجلس النيابي ورئاسة جبهة الممانعة، ليتحمل وحده، من موقع المنحاز لإحدى جبهتي الصراع في لبنان، مسؤولية تعطيل المؤسسة التشريعية وما يشبه تعليق الدستور، ولتتحمل ميليشا الحركة وحرس المجلس النيابي وزر الاعتداء على ثوار 17 تشرين.

هذا النقد ليس معداً لإدانة طرف وتبرئة أطراف أخرى، وكان يمكن أن يكون أكثر جدوى لو صدر عن حركة أمل بالذات في صيغة مراجعة ذاتية ونقد للتجربة، وبالتزامن مع قراءة مشابهة يجريها شركاؤها في الحرب الأهلية. ذلك أن كل الأطراف، لا حركة أمل وحدها، على اختلاف رواياتهم، سواسية أمام المعيار الذي نستند إليه، أي موقفهم من الدولة قبل الحرب وخلالها وبعد الطائف.

السابق
أرقام ووقائع تقسم الشارع.. «العدائية» تحاصر النزوح السوري!
التالي
«زواج المبدعين» لشوقي بزيع: هامش الحبّ غير المحمود