حسن فحص يكتب ل«جنوبية»: ايران «تتحجب» داخلياً و«تحتجب» خارجياً!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في الوقت الذي تبدو فيه الماكينة الدبلوماسية الايرانية في اعلى درجات نشاطها، وتسيطر عليها هواجس البحث عن تسويات السياسية والامنية والاقتصادية والنووية، في شتى الاتجاهات وعلى مختلف المستويات، فان الماكينة الداخلية للحكومة والنظام، لا تواكب في الظاهر ما يحدث على ساحة السياسة الخارجية، سواء فيما يتعلق باتخاذ خطوات، لترجمة الانفراجات الحاصلة مع المحيط الجغرافي او العلاقات الدولية، بالشكل والمستوى المطلوب الذي ينعكس على الداخل، ويقدم مردودا يمكن ان يسهم في ترميم الضعف المتراكم، الذي تعاني منه الحكومة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، وايضا ما يتعلق بالمستوى الاجتماعي، الذي يعتبر محل خطاب النظام اكثر مما هو شأن حكومي.

المرشد الاعلى للنظام الايراني قرر تحريك فريق اطفاء الحرائق المتنقلة بين ايران والخارج


في الاسابيع الاخيرة، يبدو ان المرشد الاعلى للنظام الايراني، قرر تحريك فريق اطفاء الحرائق المتنقلة بين ايران والخارج، كونه – اي المرشد- الجهة التي تمسك بادوات ومعدات واليات الاطفاء، وقادر على تحريكها او تعطيلها متى شاء واراد. وقرار التشغيل والتفعيل، ينطلق من عدة اعتبارات تجمعت لدى المرشد، لعل ابرزها، عجز الاجهزة ومراكز القرار في الدولة، على منع حصول هذه الحرائق، او ان بعض الجهات تعمل على اذكائها واشعال المزيد منها، لاعتقادها بالقدرة على استخدام نتائجها واثارها في صراعاتها الداخلية، من اجل السيطرة على القرار والتحكم بمستقبل البلاد، في معركة انتخاب المرشد الثالث خليفة المرشد الحالي.
تكليف امين المجلس الاعلى للامن القومي الادميرال علي شمخاني، لا يأتي من صفته الادارية في تركيبة النظام، بل من كونه ممثلا للمرشد الاعلى في هذا المجلس، فضلا عن انه يعتبر محل ثقة لدى المؤسسة العسكرية، وتحديدا حرس الثورة الاسلامية، باعتبار تاريخيه الطويل في هذه المؤسسة وقد تنقل في العديد من مواقعها، من نائب لقائدها مرورا بقيادة القوات البحرية فيها، وصولا الى تمثيلها في حكومة الرئيس محمد خاتمي، في موقع وزير للدفاع لمدة 8 سنوات. وهو تكليف يحمل اشارة واضحة على التنسيق العالي بين المرشد والمؤسسة العسكرية.

هذا التكليف يعبر عن سياسة واضحة لدى مؤسسة القيادة بابعاد وعزل الحكومة الحالية عن القرارات الاستراتيجية


من جهة اخرى فان هذا التكليف، يعبر عن سياسة واضحة لدى مؤسسة القيادة، بابعاد وعزل الحكومة الحالية عن القرارات الاستراتيجية، والتأكيد بان مثل هذه القرارات، التي تتعلق بالسياسات العامة والاستراتيجية للنظام والدولة، لا ترسم داخل الحكومة، بل في اروقة مكتب المرشد وتحت اشرافه.
فضلا عن ان هذا القرار يوحي بوجود عدم ثقة بقدرة هذه الحكومة، على الرغم من ان رئيسها يعتبر حكما وبحسب الدستور، رئيس المجلس الاعلى للامن القومي، وان الصراعات التي دخلت بها السلطة التنفيذية، وعجزها عن تقديم حلول طالما طالب بها المرشد للازمة الاقتصادية، تفرض على المرشد ومراكز القرار التابعة له من خارج السلطة التنفيذية، اتخاذ خطوات حاسمة تسمح باعادة تفعيل عملية اطفاء الحرائق، التي كانت من المفترض ان تبدأ بشكل عملي وسريع، مع وصول هذه الحكومة التي تمثل ارادة النظام ومؤسساته المقررة، والتي من المفترض ان تلعب دورا في تهدئة الداخل، ومعالجة ازماته مستفيدة من الدعم الكبير الذي حصلت عليه.

هذا القرار يوحي بوجود عدم ثقة بقدرة هذه الحكومة، على الرغم من ان رئيسها يعتبر حكما وبحسب الدستور رئيس المجلس الاعلى للامن القومي


المشهد الايراني المواكب للتطورات التي يكشف حتى الان عن وجود تقاسم للادوار والمهمات، بين المجلس الاعلى للامن القومي للنظام ووزارة الخارجية للحكومة، بحيث تحولت هذه الوزارة الى اداة تنفيذية، مهمتها ترجمة التوجهات والقرارات والخطوات الاستراتيجية، التي يقوم بها النظام، من دون ان تكون دخيلة في التفاصيل التي ادت واوصلت الى هذه النتائج.

من الاتفاق الثلاثي مع السعودية برعاية صينية ظهرت الادارة الخارجية بعيدة وليس مستبعدة عن المشهد بانتظار تكليفها بمهمة التفاهم على الخطوات العملية


فمن الاتفاق الثلاثي مع السعودية برعاية صينية، ظهرت الادارة الخارجية بعيدة وليس مستبعدة عن المشهد، بانتظار تكليفها بمهمة التفاهم على الخطوات العملية، التي تترجم هذا الاتفاق والمتربطة او المتعلقة، بالاجراءات العملية الخاصة بالجانب الاداري بين الطرفين، ومنها اعادة تفعيل العمل الدبلوماسي واعادة فتح السفارات، في حين قد لا تكون ذات صلاحية في تعيين الشخصية التي ستشغل منصب السفير لدى المملكة العربية السعودية في الاسابيع المقبلة، لان الاختيار سيمر من مكتب المرشد، بالتنسيق مع الامن القومي، من اجل ابعاد هذه العلاقة عن مطبات الصراعات الداخلية وتأثيراتها، وحرصا على استمراريتها وديمومتها.
يبدو ان قيادة النظام، تسعى لدفع الحكومة برئاسة ابراهيم رئيسي، للخروج من الجمود والسكون الذي تعيشه، ويثقل حركتها على المستوى الداخلي، والذي تحول الى عبء على كاهل هذه القيادة، خاصة العجز الظاهر والمكشوف، في قدرة الحكومة على وضع سياسات صحيحة لمعالجة الازمات الاقتصادية، والتي من المفترض بها ان تواكب ما يحدث، على المستوى الاستراتيجي ببعديه السياسي والدبلوماسي، وتستثمره لتحسين مواقعها الشعبي، وان تعمل على قطف ثمار هذا الانفتاح، والتوجه الجديد لدى النظام وقيادته، على المستوى الاقتصادي.

المرحلة المقبلة لا بد ان تشهد عملية تغيير في الفريق التنفيذي وتحديدا الفريق الاقتصادي والمالي والاداري المعني مباشرة بالازمات التي تعيشها الكثير من القطاعات


الا ان ما بات واضحا لدى كل القوى الايرانية، الموالية والمعارضة، مدى العقم الذي تعانيه هذه الحكومة، وان المرحلة المقبلة لا بد ان تشهد عملية تغيير في الفريق التنفيذي، وتحديدا الفريق الاقتصادي والمالي والاداري، المعني مباشرة بالازمات التي تعيشها الكثير من القطاعات العامة، بالاضافة الى الطبقات التي تعاني من تداعيات الازمة الاقتصادية. ويبدو ان النظام بدأ بالفعل، في دفع الحكومة لادخال التغييرات المطلوبة، لتكون مواكبة للتطورات السياسية، بحيث تكون قادرة على ترجمة ما يحصل على الصعيد السياسي في حل الازمات الاقتصادية.

في خطوة متأخرة بدأت حكومة رئيسي بادخال تعديلات وتغييرات على فريقها الاقتصادي والاداري وذلك بعد ارتفاع الكثير من الاصوات


وفي خطوة متأخرة بدأت حكومة رئيسي، بادخال تعديلات وتغييرات على فريقها الاقتصادي والاداري، وذلك بعد ارتفاع الكثير من الاصوات، التي اشرت على مكامن الازمة في الفريق الحكومي، وعجزه عن مواكبة الحاجات الحقيقية للداخل الايراني، والتي بدأت تتحول الى ازمات حقيقية، تهدد بالانزلاق على فوضى قد تتجاوز في ابعادها، تلك التي شهدتها ايران بعد مقتل الفتاة مهسا اميني.
في المقابل، وعلى المستوى الاجتماعي، يبدو ان فريقا داخل التيار المحافظ، ما يزال يمارس سياسة السير على حافة الهاوية، ولا يرى ازمة في اشعال الحرائق من جديد، من خلال اللجوء الى استثارة المجتمع، من بوابة الحديث عن اجراءات وقوانين جديدة، للتعامل مع مسألة “نزع الحجاب”، والتي تنذر بتراكم عوامل انفجار اجتماعي جديد، خاصة من خلال زج القوى الامنية “الامن الداخلي” بعيدا عن مهمتها الاساسية، بتكليفها ملاحقة “المخلين بالحجاب” وتحويلهم الى القضاء، الذي بدوره – القضاء- رفع الصوت من مخاطر تعطيله، من خلال تحويل دوائره الى اكداس من ملفات للقضايا العالقة التي تضاف الى سابقاتها، ووضعه في مواجهة مباشرة مع شريحة من المجتمع، من الصعب التعامل معها من منطلقات جرمية او جزائية. وبالتالي فان التمسك بسياسة الضغط، وعدم تلمس مخاطر وتداعيات مثل هذه الاجراءات، قد يسهم في تغذية النار الكامنة تحت الرماد، وتهدد بالاشتعال في اي لحظة.

السابق
تصعيد أمني مرتقب.. إسرائيل تغلق المجال الجوي فوق غزة والحدود السورية واللبنانية
التالي
المصور محمد درويش.. خذله قلبه في عز شبابه!