وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: رئاسة فرنجية.. هدف واحد بأداء مختلف

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

تتميز حملة ترشيح سليمان فرنجية الحالية من قبل الثنائي الشيعي، بأسلوب مختلف عن اسلوب حزب الله في حملة ترشيحه السابقة لميشال عون. فحملة الحزب في ترشيح ميشال عون كانت قائمة على معادلة “إما ميشال عون رئيساً أو لا رئيس على الإطلاق”. هو موقف كان يستند إلى فكرة الرئيس القوي، أي الرئيس الأكثر تمثيلا للمكون المسيحي، ما يؤهله ليكون المؤهل الوحيد للكرسي الماروني الأول. هي فكرة أوصد الحزب حينها جميع أبواب الحوار والنقاش حولها، ولم تكن عنده محلاً للمساومة والحوار. بالتالي كان حزب الله خارج السمع، وبقي البرلمان معطلاً، والحياة العامة في حالة جمود كامل، وبإمكان ذلك كله أن يستمر إلى ما لا نهاية، لولا التنازلات القاتلة والتسويات الساذجة التي قدمها سعد الحريري وسمير جعجع.

كان الرئيس بري يومها ممتعضاً من هذا الترشيح، لكن المقايضة الدقيقة بينه وبين الحزب، منعته من عرقلة مسار هذا الترشيح أو حتى الاعتراض عليه، بخاصة وأن حزب الله كان بمثابة الضامن للطرفين، عون وبري، في ضبط الإيقاع بين الحليفين، وضمان مناطق نفوذهما في لعبة السلطة أثناء رئاسة عون.

لا فرنجية ذو وزن تمثيلي مسيحي عالٍ، ليكون مشروع الرئيس القوي، ولا الانهيار الاقتصادي يسمح بفرض رئيس جمهورية

هذه الاستراتيجية تبدلت جذرياً في ترشيح فرنجية، بحكم تغيّر أكثر معطياتها وظروفها. فلا فرنجية ذو وزن تمثيلي مسيحي عالٍ، ليكون مشروع الرئيس القوي، ولا الانهيار الاقتصادي يسمح بفرض رئيس جمهورية، مهما كانت إرادة المجتمع الدولي، ولا الصراع الإيراني السعودي في ذروته، مثلما كان الأمر في حرب اليمن، ولا إيران في ذورة قوتها وتمددها مثلما كان الأمر في عهد أوباما.

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: ترشيحات رئاسية لتعميق الفراغ

رغم تغير جميع المعطيات، فإن رهانات حزب الله على ربح الرئاسة، ما زال قائما بقوة وأكثر إصراراً، وإنما سيعتمد هذه المرة مقاربة، تناسب متغيرات الظروف المحلية والدولية.
شعار الحملة الجديدة هو حماية ظهر المقاومة. هو شعار دفاعي في ظاهره لكنه تضليلي في مضمونه، غرضه الإبقاء على وصاية مبطنة من الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية. أما خطة الحملة فتعتمد أدوات جديدة، وتقوم على مسارين متكاملين:

مسار إقناعي ترويجي يتولاه الرئيس بري. هو مسار يهدف إلى تسويق فرنجية في الخارج، بخاصة السعوديين والأمريكيين، من خلال تقديم فرنجية شخصية وسطية جامعة، غير منحازة، ومرنة في ممارسة السلطة ويراعي التوازنات الدولية. ولعل لقاء بري بالسفيرة الأمريكية والسفير السعودي يندرجان ضمن هذا المسار، إضافة إلى الرحلة المرتقبة من بري إلى دول الخليج، لتليين موقفهم تجاه فرنجية، بخاصة بعد انتقال العلاقات السعودية الإيرانية، من حال التوتر إلى حال التهدئة، وربما المصالحة الشاملة. وهو أمر يعوّل بري عليه ويعمد إلى استثماره إلى أقصاه، لانتزاع تأييد سعودي بحق فرنجية.

ليس لبري مشروع، أكثر من حضور فاعل في صناعة القرار، داخل السلطة التنفيذية في عهد الرئاسة المقبل، بحيث تكون خاتمة مريحة وغير معقدة لحياته السياسية

ليس لبري مشروع، أكثر من حضور فاعل في صناعة القرار، داخل السلطة التنفيذية في عهد الرئاسة المقبل، بحيث تكون خاتمة مريحة وغير معقدة لحياته السياسية. وهذا يتطلب من جهة شخصية قريبة منه، وقابلة للتسويات وأنصاف الحلول، وهذا متوفر في فرنجية، ويخدم بري من جهة أخرى، باستبعاد الصقور المسيحية الصلبة، ليس فقط التيار العوني وباسيل، وإنما حزب القوات اللبنانية وسمير جعجع.

أما المسار الثاني فهو تضامني، لتمتين الجبهة الداخلية يتولاه حزب الله. وهذا يتمثل في تأمين نصاب الأكثرية النيابية، أي 65 صوتا نيابياً، لكسب معركة الرئاسة. وهذا يتمثل بتفتيت كتلة باسيل واختراقها، وإقناع العديد من نواب السنة المستقلين بتأييد فرنجية، إضافة إلى كسب تأييد جنبلاط، الذي أبدى معارضة مبدئية لترشح فرنجية، لكنها معارضة لا تبدو حاسمة وصارمة، بقدر ما هي مفتوحة على التسويات واستقدام العروض.

معركة الرئاسة منذ عهد عون، لم تعد قضية الشخص المناسب، أو مسألة نصوص دستورية أو صالح عام، بل مسألة من يملك قرار لبنان

نحن أمام إيقاع مختلف، لكن هدفه واحد ومسوغاته واحدة، وهو الإمساك بمفاتيح اللعبة السياسية في لبنان والتحكم بمساراته الكلية. هو هدف لا يتحمل حزب الله ولا النظام الإيراني المساومة عليه أو التساهل فيه، لأنه يوفر ضمانات ومستندات قوة وازنة في مواجه ةمتعددة الابعاد. فمعركة الرئاسة منذ عهد عون، لم تعد قضية الشخص المناسب، أو مسألة نصوص دستورية أو صالح عام، بل مسألة من يملك قرار لبنان.

في الوقت الذي يسير حزب الله إلى خلق جبهة متماسكة، تجد الطرف الآخر يتجه نحو مزيد من التشظي، والتباين والاختلاف والخلافات الشخصية. وهي وضعية تريح حزب الله، وتجعله أقرب إلى تحقيق حملته الرئاسية الجديدة لو استمر. رغم ذلك فعناصر القوة لدى القوى المناهضة للهيمنة الإيرانية، محلياً ودولياً، ما تزال قوية. فالثلث النيابي المعطل ما يزال بيد هذه القوى، والإصرار السعودي والأمريكي على رفض فرنجية ما يزال صلباً. وهما ورقتان، لا يكفيان مؤونة الإتيان برئيس وفق المواصفات المطلوبة لإنقاذ لبنان، لكنهما كافيتان لمنع حصول الأسوأ.

السابق
جنبلاط من الكويت: بن سلمان قام بـ«ضربة معلّم»!
التالي
أزمة التحريم.. قراءة في «التابو» بين «الممنوع والمرغوب»