ما هو سر توتر «الثنائي الشيعي».. و«رئاسياً»؟!

ياسين شبلي

بعد خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في يوم الشهيد، الذي بدا فيه حاداً متوتراً ومهدداً أميركا وإسرائيل، على وقع الأزمات التي تعصف بلبنان مالياً وإجتماعياً، فضلاً عن الإنسداد السياسي بموضوع الإنتخابات الرئاسية، جاء حديث الجناح الآخر ل “الثنائي الشيعي” رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي نُشر في جريدة “الأخبار”، والذي بدا فيه هو الآخر متوتراً وهجومياً، عندما أعلن رسمياً تبنيه ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ومستبعداً قائد الجيش من المنافسة، واصفاً ترشيح فرنجية بالجدي، وناعتاً مرشح المعارضة ميشال معوض ب “المرشح الأنبوبي”، ما أثار عاصفة من الردود السلبية التي ذهبت بإتجاه التجييش والتجييش المضاد، في محاولة من جانب كل طرف لإستغلال الموقف، وإعادة شد العصب الحزبي والمناطقي والطائفي، في صورة تظهر مرة أخرى مدى الإستهانة بالممارسة السياسية السليمة، القائمة على التنافس الحزبي في تقديم الحلول الناجعة لمصلحة البلد، والناس بعيداً عن الشخصنة والذاتية، سواء منها الفردية أو الجماعية.

 كان لافتاً صدور تصريح الرئيس بري في نفس اليوم، الذي فشل فيه “الثنائي” بالتمديد لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وهو ما يُعتبَر نكسة معنوية له – على الأقل – خاصة في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، نكسة قد يكون حاول التخفيف من وقعها عبر تسريبات توحي وكأن الأمر كان طبيعياً،  وبالتالي لم يكن هناك من سعي لديه  للتمديد، وهو أمر لا يمكن تصديقه بالنسبة  للعارفين بمدى أهمية هذا الموقع للثنائي، كما جاءت كذلك بعد فرط عقد إجتماع اللجان النيابية المشتركة، بإنسحاب نواب الكتل المسيحية الكبرى، ما بدا وكأنه إنقسام عامودي طائفي ما بين النواب المسلمين والمسيحيين، وذلك يحدث لأول مرة في ظل رئاسة بري للمجلس النيابي، ما يوحي وكأن الأمور قد بدأت تفلت من أيدي رئيس المجلس، فلم تعد ممسوكة كما في السابق، ولا مريحة للثنائي الشيعي خاصة في ظل المصاعب، التي تواجه تفاهم مار مخايل ما بين التيار الوطني الحر وحزب الله، الذي أقرَّ أمينه العام مؤخراً بأنه – أي التفاهم – في وضع حرج.   

ما يوحي وكأن الأمور قد بدأت تفلت من أيدي رئيس المجلس، فلم تعد ممسوكة كما في السابق ولا مريحة للثنائي الشيعي خاصة في ظل المصاعب التي تواجه تفاهم مار مخايل

  بعدها وبمناسبة يوم الجريح، أطل أمين عام حزب الله، ليعلن هذه المرة وبكل وضوح وبأقل حدة، بأن المرشح الطبيعي الذي يؤيده ويدعمه حزب الله هو سليمان فرنجية، في ملاقاة للرئيس بري في موقفه الأخير، الذي ترك تساؤلات عن توقيته ومغزاه في ظل الإنسداد الكامل، وعدم ظهور ما يشي بأن فرنجية قد يجد حاضنة عربية ودولية له إن لم يكن العكس، خاصة مع إنفضاض إجتماع باريس الخماسي، من دون صدور حتى بيان ختامي عنه، وهي تساؤلات ضاعت للأسف وسط التراشق السياسي الذي خلَّفته تصريحات الرئيس نبيه بري لجريدة “الأخبار”. 

فماذا عساها  تكون الأسباب التي تجعل من “الثنائي الشيعي” متوتراً حد الإعلان عن مرشحه الرئاسي، الذي لم يعلن ترشيحه أصلاً بعد ، ليبدو الأمر وكأنه يطرحه كمرشح تحدٍ، ما يضع البلاد أمام ثلاثة إحتمالات أحلاها مر، سبق وعاشتها في ظروف مشابهة سابقة، الإحتمال الأول، أن تتكرر سابقة مخايل الضاهر أو الفوضى، التي أعلنها في العام 1988 المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي، بعد إتفاقه مع حافظ الأسد، وكان الوضع المسيحي يومها شبيهاً بما هو عليه اليوم، من إنقسام وتشتت وصراع على الموقع، فكانت الفوضى التي أدت بعدها لتقاتل مسيحي – مسيحي، دفع لبنان ثمنه غالياً كما هو معروف الإحتمال الثاني، أن يكون الأمر فعلاً تحد وهو تكرار لما حدث في العام 2004، عندما تم فرض   التمديد لإميل لحود خلافاً لرأي غالبية القوى السياسية الكبرى في البلد، وتحدياً لإرادة المجتمع الدولي ومجلس الأمن، فكان ما كان من خراب وبداية طريق الإنهيار. 

فماذا عساها تكون الأسباب التي تجعل من “الثنائي الشيعي” متوتراً حد الإعلان عن مرشحه الرئاسي الذي لم يعلن ترشيحه أصلاً بعد ليبدو الأمر وكأنه يطرحه كمرشح تحدٍ

الإحتمال الثالث هو ترك الأمور في الفراغ، كما حصل بعد الشغور الرئاسي عام 2014، حيث تم تعطيل إنتخاب الرئيس الجديد حتى رضوخ القوى المعارضة لوصول ميشال عون، سواء عبر تسوية “تفاهم معراب” الماروني – الماروني، أو عبر “التسوية الرئاسية” المارونية – السنية، اللتين عبَّدتا الطريق إلى “جهنم” بالنوايا الحسنة، مثل شعارات “أوعا خيك” على المقلب الماروني، و”إنتخبوا صديقي جبران” وملء الفراغ وغيرها على المقلب السني. 

يبقى هناك إحتمال رابع هو بمثابة الخطة (ب) التي قد يلجأ إليها الثنائي، في حال لم تكن الظروف الإقليمية والدولية ملائمة، وهو أن يكون طَرْح فرنجية علناً هو لقطع الطريق على قائد الجيش، الذي يبدو بأن حظوظه الإقليمية والدولية باتت كبيرة، وعلى إعتبار أن ميشال معوض بالنسبة للثنائي مرفوض رفضاً تاماً، وكأنه غير موجود، وهو ما ظهر جلياً من تصريحات الرئيس بري، وهكذا يكون هناك تفاوض من أجل مرشح ثالث بديل عن فرنجية وقائد الجيش، مرشح لا لون له بحيث يكون هناك تمديد وإدارة للأزمة لا أكثر، خاصة وأن طرح فرنجية تزامن مع دعوات للحوار، كان آخرها ما غرد به نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن “أن هناك طريقان لا ثالث لهما، إما طرح الكتل لأسماء المرشحين لديها للرئاسة والحوار في ما بينها لتأمين الترجيح لأحدهم، وإما التمترس حول خياراتها وعدم إنجاز الإستحقاق إلى أجل غير مسمى”، وهذه طبعاً رسالة للخارج أكثر منها للداخل، بإعتبار أن الكتل الوازنة التي يدعوها لطرح مرشحيها والحوار حولهم، لديها مرشحها وهو ميشال معوض، وهو ما قد يعني بأن طرح  الثنائي الشيعي لفرنجية، قد يكون بهدف إستدراج عروض الحوار مع الخارج من جهة، وبهدف “مسك واجب” مع فرنجية من جهة أخرى، لكن تبقى نقطة ضعف هذا الإحتمال، هو أن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل أو يمتلك ترف الوقت للمحاولة، لأن الأزمات باتت أكبر من أي إدارة تقليدية للحل.  

طَرْح فرنجية علناً هو لقطع الطريق على قائد الجيش الذي يبدو بأن حظوظه الإقليمية والدولية باتت كبيرة وعلى إعتبار أن ميشال معوض بالنسبة للثنائي مرفوض رفضاً تاماً

تأتي هذه التحركات من قِبَل الثنائي الشيعي، في وقت تتصاعد فيه الأزمات داخلياً على كل الأصعدة ، وهو ما يمثل عبئاً عليه بإعتباره الطرف الأقوى في معادلة الحكم الداخلية سواء الرسمية منها عبر تمثيله الوزاري والنيابي، أو بحكم موازين القوى على الأرض، وهو واقع لا يمكن لأحد أن ينفيه، ما يحمِّله مسؤولية كبرى أمام اللبنانيين عامة، وأمام جماهيره وبيئته خاصة، التي إنتحر أربعة من شبابها في غضون أسبوع واحد، بسبب ضيق ذات اليد، وكذلك في وقت يخيم فيه الجمود على المشهد الإقليمي وكذلك الدولي المشغول بالحرب الأوكرانية، الأمر الذي وضع إيران ومحورها في وضع مماثل لوضع الثنائي الشيعي في لبنان، من حيث أنها قد تكون قد نجحت تكتيكياً في بسط سيطرتها على بعض العواصم العربية في المنطقة، إلا أنها حتى الآن – على الأقل – عاجزة عن ترجمة هذه السيطرة سياسياً على المستوى الإستراتيجي، بسبب من أن هذه العواصم قد “فرطت” بين أيديها – إذا صح التعبير –  وباتت دول فاشلة من لبنان إلى سوريا فاليمن.

تأتي هذه التحركات من قِبَل الثنائي الشيعي في وقت تتصاعد فيه الأزمات داخلياً على كل الأصعدة وهو ما يمثل عبئاً عليه بإعتباره الطرف الأقوى في معادلة الحكم الداخلية

 فبإستثناء العراق الذي نجحت فيه بتنصيب حكومة من الموالين لها ب “قبة باط” أميركية، على وقع إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فإن الأوضاع في اليمن تشهد إستمراراً للهدنة، وهو ما يُترجم جموداً للوضع لا يمكن أن يُحسَب لصالح إيران على المدى الطويل، فالجمود بالنسبة للمشروع الإيراني في المنطقة يكاد يساوي الفشل، كذلك في سوريا التي شهدت حراكاً عربياً محدوداً وغير ذي تأثير مؤخراً، على خلفية الزلزال، وسط الحديث عن شروط عربية على الأسد مقابل عودة التواصل العربي الشامل معه، حيث لا جديد يذكر فيها على المشهد السياسي أو الميداني الداخلي، الذي يشهد جموداً في ظل الإنشغال الروسي – الأميركي بالحرب الأوكرانية، جمود لا يكسره سوى إستمرار الإعتداءات الصهيونية المتكررة، التي باتت روتينية بحيث تطبَّع معها العالم ومن ضمنه “أهل المحور” لتبقى بلا رد.

 الجمود نفسه تشهده جبهة الإتفاق  النووي، التي خرقتها زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لطهران، حيث أعلن عن تفاهمات جديدة لمواصلة التعاون بشأن النقاط الخلافية وزيادة وتيرة التفتيش، وموافقة إيران على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في عدد من المواقع النووية، الأمر الذي سارعت إيران لنفيه كعادتها في تفضيل والسعي للعمل من تحت الطاولة.

 هذا الجمود الذي هو في الواقع يشكِّل مأزقاً لإيران في المنطقة، قد يكون هو نفسه وراء الجمود والمأزق الذي يعيش فيه لبنان والثنائي الشيعي اليوم، وهو ما يفسر ربما التوتر الذي يبدو عليه هذا الثنائي، والذي دفعه لكشف أوراقه واللعب على المكشوف في الداخل اللبناني، ما يدعو للتساؤل هل يكون “اللعب” هذه المرة تحت ضغط الظروف، بهدف الوصول إلى حوار حقيقي لوضع أسس إصلاح حقيقي، باتت البلاد بأشد الحاجة إليه، مع حال التعفن والتحلل التي وصلت إليها المؤسسات، أكثر مما هو “مؤامرة” خارجية وحصار متوهَم من قِبَل البعض، أم هو بهدف قلب الطاولة على الجميع في الداخل والخارج على مبدأ “عليَّ وعلى أعدائي يا رب”، وهنا سنكون في حالة “إنتحار جماعي” بديل عن الإنتحار الفردي الذي نشهده هذه الأيام، وسيكتشف أولو الأمر  القائمون بهذا الإنتحار بأن “الأعداء” هنا، سيكونون هم الشعب اللبناني، الذي لم يعد قادراً على التحمل والصبر، ولا على مواجهة الجوع والذل اليومي، أما الأعداء الحقيقيون فسوف يكونون في منأى عن كل ضرر ولو أصابتهم بعض الشظايا ، وأنهم سيكونوا سعداء جراء تدمير بلد وشعب، لطالما كان يمثِّل النقيض لهم في فكرهم القائم على  العنصرية والتعصب،  قبل أن تخترقه “أجندات” إقليمية ودولية بأدوات داخلية، فتجتاحه منذ نصف قرن ولا زالت حتى اليوم تعيث فيه خراباً وفسادا. 

هذا الجمود الذي هو في الواقع يشكِّل مأزقاً لإيران في المنطقة قد يكون هو نفسه وراء الجمود والمأزق الذي يعيش فيه لبنان والثنائي الشيعي اليوم

لا نقول هذا إنهزامية ولا تهويلا، بل هو الواقع المر الذي يراه كل ذو بصر وبصيرة، ولا ينكره إلا كل مكابر مخادع، على أمل أن يكون العقل سيد الموقف في مقبل الأيام، وأن يكون الإتجاه إلى حوار صادق وحقيقي يستند إلى الورقة الكويتية، التي لو كنا بدأنا العمل بهديها منذ أكثر من عام، لكنا ربما وفرّنا على أنفسنا الكثير من المصاعب والأزمات، فهل هناك من يسمع ويرعوي قبل فوات الآوان؟       

السابق
هل يوقع باسيل بين «حزب الله» وقائد الجيش؟!
التالي
بعدسة «جنوبية»: ابراهيم شمس الدين يُوقّع كتاب «وصايا الإمام» بطبعته السابعة في معرض انطلياس