وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»:خيار النزول إلى الشارع.. حتمياً

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

اعتصامُ بعض نواب التغيير في  مجلس النواب اللبناني، فعلٌ غير مسبوق في أيّ عمل نيابي، ليس في لبنان فحسب بل في العالم كله. هو فعل نقدرهم عليه، لا لجهة التوقعات حول هذه الخطوة، بل لجهة الإعلان غير المباشر بغياب التمثيل النيابي في لبنان ونهاية البرلمان، اي نهاية الركن الثالث من أركان الدولة، وهي السلطة التشريعية.

فنقاش الاستحقاقات المصيرية وتداولها وحسمها يتمّ في الغرف المغلقة، والأمكنة المتوارية عن الأنظار، وتحت السطح وخارج أية مؤسسة تابعة للدولة.  المسافة الزمنية القصيرة، بين انتخاب نواب التغيير واعتصامهم في البرلمان، كانت قصيرة جداً، لم تتعد التسعة أشهر، لكنها كانت كافية لتظهر لهم، أن رهانات التغيير تحت قبة البرلمان هي رهانات واهية وغير واقعية، وأن إصلاح الدولة من داخل مؤسساتها بات مقاربة ساذجة. 

لم يخض هؤلاء معارك انتخابية بقدر ما كان يؤتى بهم غبّ الطلب للعب أدوار هزلية ولم يعرفوا معنى أن يمثلوا شعباً أو يراعوا مصلحة أمة

تسعة أشهر كانت كافية ليعلنوا وصولهم إلى الطريق المسدود،  وليتبين أن هذا المجلس لا يشبه فكرة البرلمان بشيء، وأن أعضائه (باستثناءات نادرة) لم يعتمدوا على شعبيتهم أو كفاءتهم ليصبحوا نواباً، بل كانت وسيلتهم التملق والرياء، وحتى النفاق والانسحاق، أمام من يمعن في تفتيت البلد، واللعب الصبياني والمتهور بمصائر باللبنانيين. 

 لم يخض هؤلاء معارك انتخابية، بقدر ما كان يؤتى بهم غبّ الطلب للعب أدوار هزلية، ولم يعرفوا معنى أن يمثلوا شعباً أو يراعوا مصلحة أمة، بقدر ما كانوا ينتظرون التعميمات والتعليمات، انتظار العبد لسيده،  وينفذوها بلهفة وطواعية.

ظن التغييريون أن العصامية الأخلاقية مدخلاً فعالاً لطرح نموذج بديل

ظن التغييريون أن العصامية الأخلاقية، مدخلاً فعالاً لطرح نموذج بديل، أو أن الصوت الوطني المخلص داخل البرلمان قادر على تصويب النقاش وتفعيل الصالح العام في كل تشريع.  لم ينتبه هؤلاء، إلى أن هذا البرلمان فقد حسّه السيادي، منذ أن كان ينتظر كلمة السر من النظام السوري في تمرير قانون أو انتخاب رئيس والتجديد له. وفقد وازعه الأخلاقي، حين كان يمرر النهب الممنهج، ومنذ أن بدأت الكارثة الاقتصادية تحصد لا أموال اللبنانيين ومدخراتهم فحسب، بل كرامتهم وآحلام أجيالهم. 

 اعتصام هؤلاء النواب شهادة، على أن السياسة تنتعش على أشلاء الدولة وتقتات من موتها. وأن السلطة ليست سلطة وديعة أو ائتمان من شعب، بل سلطة بطش وفرض الأمر الواقع.  وأن الإنتخاب والتمثيل النيابي، لم يكونا يوماً مشهدا ديمقراطياً، بقدر ما كانا آلة تطويع وجهاز طاعة، ووسيلة شدّ وتمتين لعصبية القطيع. 

لبنان دخل طور السكون الأبدي الذي لا توقعات فيه ولا انتظارات

  لا يتوقع النواب المعتصمون أن يفرج البرلمان عن موقع رئاسة الجمهورية، أو حتى أن يستعيد البرلمان سيادته واستقلاليته عن الوصاية الخفية عليه. ولا يتوقعوا أن تكون رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة سيكونان مفتاحاً للحل وبداية للفرج. 

لا يتوقع النواب المعتصمون أن يفرج البرلمان عن موقع رئاسة الجمهورية او حتى أن يستعيد البرلمان سيادته واستقلاليته عن الوصاية الخفية

فلبنان دخل طور السكون الأبدي، الذي لا توقعات فيه ولا انتظارات،  طور الزمن الذي يجتر ماضيه على حساب حاضره ومستقبله، زمن الخواء والعدم واللامعنى، حتى صار لبنان  كيانا بلا كينونة وحقيقة بلا مضمون.  اعتصام نواب التغيير داخل البرلمان، لن يحرج قوى السلطة الفعلية بشيء، ولن يربك العملية السياسية بشيء، لأنّ مصير اللبنانيين بات يُصنع خارج الدولة ورغم أنوفهم. 

بل لم يجد هذا الاعتصام صداه الشعبي الكافي، بحكم التشويش الذي خلقته أجهزة السلطة ضد كل دعوة للتغيير، وبحكم تراكم الخيبات وقوة الإحباط، التي تدفع اللبناني لا إلى تكرار المحاولة بالتغيير، وإنما إلى التسليم بالواقع العبثي، أو الإنسحاب منه والاغتراب عنه. 

لبنان دخل طور اللادولة منذ زمن بعيد، والقانون أخلى مكانه لشرعة الغاب، والبداوة باتت سمة الهويات والتضامنات الاجتماعية.


آن أوان الخروج من حال الإنكار، في رؤية المشهد اللبناني على حقيقته، فلبنان دخل طور اللادولة منذ زمن بعيد، والقانون أخلى مكانه لشرعة الغاب، والبداوة باتت سمة الهويات والتضامنات الاجتماعية.

المسألة باتت بيد اللبنانيين أنفسهم وعلامة اختبار لجديتهم وعزيمتهم لا في التعبير عن احتجاج أو رفع مطالب

لنكفّ عن الرهان على أشياء لم تعد موجودة وغير ممكنة، فالمسألة باتت بيد اللبنانيين أنفسهم، وعلامة اختبار لجديتهم وعزيمتهم، لا في التعبير عن احتجاج أو رفع مطالب، بل في مسؤوليتهم بإنشاء كيان فعلي لا متخيل، متحرر من تناقضاته وأعطابه الحالية، يوفّر للبنانيين قوة العبور إلى مستوى عيش جديد وواقع إنساني آخر.    صار خيار النزول إلى الشارع حتمياً.

السابق
اخلاء سبيل موقوفي انفجار المرفأ.. وأهالي الضحايا مصدومون والى الشارع غدا!
التالي
حزب الله يؤيد قرارات عويدات: خطوة في الطريق الصحيح!