تاريخ النهضة في جبل عامل (13): الشيخ علي الزين.. مناضل قومي مجدّد في الأدب والتاريخ

سجّل التاريخ في مطلع القرن العشرين، نهضة أدبية علمية شهدها جبل عامل، كانت صدى لصوت النهضة العربية التي شهدتها مصر وبلاد الشام، في ظلّ الحكم العثماني والانتداب الفرنسي لاحقا، وقد كان لتلك النهضة رجالاتها ايضا، الذين نبغوا وتعلّموا ثم علّموا وكتبوا وألّفوا، وبذلوا الغالي والنفيس، وبعضهم تحمل الاضطهاد والسجن، ولم يفتّ كله من أعضادهم، ونجحوا بالنهاية في بعث النهضة وتوريثها للاجيال اللاحقة. وينشر "جنوبية" على حلقات، ملفّا يحاكي هذه الحقبة ويسبر أغوارها، لا سيما منها ابراز شخصيات كان دورها حاسما في بعث تلك النهضة، لم يجر ذكرها مطلقا في كتب التاريخ التربوية، ولو انه جرى المرور على نشاطها السياسي الادبي لماما، في عدد من المؤلفات التي بقيت قاصرة عن إيفاء هؤلاء حقوقهم.

ولد الشيخ علي الزين في النجف في العراق، تلقى دراسته الأولى في النبطية، ثم عاد مع والده الشيخ عبد الكريم الزين إلى جبشيت، فنشأ وترعرع فيها، ومن ثم هاجر وحيدا إلى النجف ثانية عام 1919 لدراسة العلوم الإسلامية فيها. بعد ذلك جاءت أفواج جديدة من طلبة العلوم الدينية إلى النجف قادمة من جبل عامل منهم: الشيخ حسين مروة، الشيخ محمد شرارة، السيد هاشم الأمين، فانخرط معهم وكانوا أشبه ما يكون بكتلة مميزة، تعنى بكشف النزعات التجديدية وترفض الأدب البالي القديم، فأسّسوا «منظمة الشبيبة» عام 1925، وكانت كتابات الشيخ علي الزين تدور حول التعليم وأوضاع المدارس الدينية والحاجة إلى تجديد مناهجها.

عصبة الأدب العاملي

وفي عام 1928 عاد الشيخ علي الزين إلى لبنان، واستقر في بلدته جبشيت، فقصده أدباء وشعراء شقراء والنبطية وبنت جبيل، وأخذ هؤلاء يعقدون الاجتماعات المتتالية، وكان الحديث يدور حول الأدب والشعر، وتمخّضت هذه اللقاءات على تأسيس عصبة الأدب العاملي عام 1935 وترأسّها شخصياً، وضمت من بينها: الأستاذ عبد اللطيف شرارة، الشيخ محسن شرارة، الشاعر موسى زين شرارة، الشاعر عبد الحسين عبد الله، الأستاذ نور الدين بدر الدين، السيدة زهرة الحر، الشيخ حسين مروة، الشاعر عبد المطلب الأمين وأخوه السيد هاشم وغيرهم…

وكان أعضاء هذه الرابطة، يسعون إلى إحداث نهضة وتغيير في الأدب والثقافة، عنوانها مناهضة القديم والتأكيد على التجديد في الأدب والشعر، ووضع لها الشيخ علي الزين العاملي بيانها الأول المنشور في مجلة العرفان آذار سنة 1936.

أسّس عصبة الأدب العاملي التي سعت الى نهضة وتغيير في الأدب والثقافة عنوانها مناهضة القديم والتأكيد على التجديد

وكان لها كبير الإثر في إحداث النهضة وتجديد الأدب، كما كان لها أثر مهم جدا في الانتفاضة التي حدثت سنة 1936 في بنت جبيل وجبل عامل، ضد شركة الريجي وضد السلطة الفرنسية والمتعاونين معها من زعماء جبل عامل.

اهتم الشيخ علي الزين بتاريخ جبل عامل خصوصاً، وسعى إلى كشف الحقائق المطموسة واضعاً الأحداث التاريخية في موقعها الصحيح، مدخلاً الشك إلى بعض المسلّمات التي تعوّد الدارسون الأخذ بها كحقائق غير قابلة للنقاش.

الروح القومية تجديد التاريخ

يقول الشيخ علي الزين «عندما ذهبت إلى النجف، كنت أحمل روحاً عربية بالفطرة، أما الثقافة والوعي السياسي فلم يكن موجوداً، كنت مندفعاً ضد الاستعمار بعاطفة قومية، مع عدم فهمنا لها»، لذلك فقد نشط بعد عودته الى جبل عامل، مع العروبيين في لبنان وسوريا مناضلا ضدّ الاستعمار وضدّ اطماع الصهيونية في فلسطين، مناصرا الاحزاب القومية التي كانت تبث روح المقاومة في وجدان الشعوب العربية في ذلك الزمان.

نشط الشيخ علي الزين بعد عودته الى جبل عامل، مع العروبيين في لبنان وسوريا مناضلا ضدّ الاستعمار وضدّ اطماع الصهيونية في فلسطين

ومما كتبه الأديب الراحل السيد هاني فحص عن خاله الشيخ علي الزين: “من أوائل الخمسينيات انجذب إلى حزب البعث، لأن كل أصدقائه كانوا بعثيين، وبعد أن تركوا الحزب إلا اثنين أو ثلاثة من دون أن نسجل عليهم شيء سلبي، ظلوا أوادم ومعلمين حقيقيين. وكان متألماً، فالناس كانت متألمة من ضياع فلسطين، تريد أي طريق إليها. انسجم الشيخ علي إلى أن سوّلت له نفسه أن ينتمي إلى شعبة الحزب في النبطية، لكنه فرّ من الحلقة بعد ستة أشهر فقط. سألناه لماذا؟ فأجاب: لأن روما من شرفة الفاتيكان غير روما من ساحاتها وشوارعها وأحيائها الخلفية. وشرح: خارج الحلقة هناك نقاش ديمقراطي، أما داخلها فقد وجدت نفسي ملزماً بآراء وأفكار مسؤول الخلية سواء اقتنعت بها أم لم أقتنع. وكدت أختنق وأعيد النظر في كل شيء ولكني آثرت الخروج من الحلقة، لأحتفظ بقناعاتي أو بعضها أو الأساسي منها، أي ما ليس مرهوناً بأنظمة الأحزاب وبرامجها!

وجد الشيخ على أن التاريخ في تلك الحقبة بحاجة إلى الكثير من التمحيص والتنسيق، والبحث عن بعض الحلقات والنصوص، ثم إلى المزيد من الصراحة والدقة في ملاحظة مواقع التزييف والخلل، ضمن مصادره وروياته، أكثر من حاجته إلى الجمع والترديد .

من أجل هذا كله وقف المؤرخ الشيخ علي موقف الثائر على كل ما في التاريخ من أساطير ، فكان صريحاً واقعياً . لذلك أغضبت طريقته هذه معظم المؤرخين الذين كانوا يضعون التاريخ في خدمة الانتماء العائلي أو العصبية الطائفية.

ومن هذه المؤلفات: «مع التاريخ العاملي»، «للبحث عن تاريخنا»، «فصول من تاريخ الشيعة في لبنان» وغيره. وبعد حياة حافلة، أغنت دنيا العلم والأدب في جبل عامل.

توفي الشيخ علي الزين عام 1984، مخلِّفاً ذرِّية لها حضوراً لافتاً في ميادين الثقافة والأدب والصحافة، نذكر منهم حفيده الصحافي اللامع في جريدة «النهار» الأستاذ جهاد الزين نجل الدكتور حسن الزين، أما شعره الطريف فيستدعي “وقفة حميمة” عنده.

الشيخ علي الزين
السابق
تسديد رسوم «الميكانيك».. هذا ما أعلنته هيئة إدارة السير
التالي
خاص «جنوبية»: مكافحة الفساد تنطلق برعاية دولية.. فتح ملفات المجالس والهيئات والمشاعات!