خروجٌ صاخِب لعون اليوم من «القصر» مرتدياً «المرقّط» السياسي!

ميشال عون بعبدا

هل يكون خروجُ الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم من «بعبدا» (حيث المقر الرئاسي) فاتحةً لشغور طويلٍ مثل الذي «دكَّ» أبوابَه لنحو 30 شهراً (بين 2014 و 2016) ودَخَلَ «الجنرال» على وهْجه في 31 اكتوبر 2016 المقرَّ الذي كان تَرَكه مُكْرَهاً على متن ِدبابةٍ صباح 13 أكتوبر 1990 حين وَقَعَ القصرُ في الأسْرِ بعد عمليةٍ عسكرية شارك فيها الطيران الحربي السوري؟

سؤالٌ ضجّ في بيروت عشية «الأحد الكبير» الذي سيقيم معه التيار الوطني الحر «درعاً بشرياً» يواكبُ انتقالَ مؤسِّسه ظهر اليوم من بعبدا إلى مقرّ إقامته في الرابية، لتُطوى غداً نهائياً صفحةُ عهدٍ استمرّ 6 سنوات فُتحت معها «بوابات جهنّم» على بلدٍ لم يهْنأ إلا بضعة أشهر بالتسوية التي أوصلت عون، لتبدأ بعدها الانتكاساتُ المتسلسلة التي حوّلته رماداً مالياً… والآتي أعظم.

وإذا كان الخروج الأوّل في 1990 من بعبدا انطبعَ بمظاهر انكسارِ رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية آنذاك الذي رَفَعَ «الراية البيضاء» بإزاء سقوط «الخطوط الحمر» التي أتاحت لسورية «اقتلاع» الجنرال من «قلعة بعبدا» لتنطلق رحلةُ النفي الى باريس (من أغسطس 1991 حتى مايو 2005)، فإن التيار الحرّ يريد لـ «خروج 2022» أن يكون مدوّياً وباحتفاليةٍ هادرة لن تحجب واقعَ أنها تُقام «على ركامِ» فراغٍ رئاسي هو الثالث على التوالي في جمهورية الطائف (منذ 2007)، ولن تمحو انتكاسات كبرى مُني بها عون، بعضها بفعل دينامية الأزمة اللبنانية بشقّيْها ذات الصلة بالصراعات المحلية كما بالوقائع الإقليمية المعقّدة، وبعضها الآخَر نتيجة أخطاء أقرب إلى الخطايا التي أكْثر معها «فريق الرئيس» في «صنع الأعداء» بالداخل وتحويل العهد «وقوداً» في معركةِ «توريث» الصهر أي النائب جبران باسيل.

هل رشّح عون صهره باسيل للرئاسة: العقوبات الأميركية لا تمنعه من الترشح «ونمحوها» بمجرد انتخابه؟

ولم يكن عابراً أن رئيسَ الجمهورية الذي كان بكّر بعيد انتخابه في تدشين «معركة خلافته» و«تزكية» باسيل لها، يختتم ولايته التي تنتهي رسمياً منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء بما بدا مسار ترشيح رئيس «التيار الحر»، الذي لم يخُض حتى الساعة السباقَ الرئاسي كأحد «أحصنته» بل «صانع للرئيس»، وذلك في مؤشّر إلى أن عون الذي سيعود بعد خلْع البزّة الرئاسية لارتداء «المرقّط» في السياسة سيخوض مكاسرةً ضارية مع غالبية القوى السياسية، بهدفٍ أعلى هو إيصال صهره إلى القصر وأدنى هو انتخابُ الرئيس العتيد في كنفه ووفق صفقة تُبْقيه «حاكِماً عن بُعد».

وإذ قال عون في حديثٍ لـ «رويترز» أمس إن «العقوبات الأميركية لا تمنع جبران باسيل من الترشح للرئاسة» ونحن نمحوها«بمجرد انتخابه»، فإن الأنظار تتجه إلى الكلمة التي سيُلقيها اليوم مخاطباً «الشعب العظيم» الذي سيتقاطر الى محيط القصر الجمهوري في يوم «الوداع الكبير» الذي استعيدت معه بعض من صوَر مرحلة 1989 – 1990 مع «الأبواب المفتوحة» في القصر حيث زُرعت حدائقُه بخِيمٍ لمناصرين للتيار باتوا فيها ليلتهم في إطار إطلاق إشاراتِ «التحشيد» الشعبي الذي يُتوقَّع ألّا يغيبُ عنه مؤيّدون لـ «حزب الله»، والذي يُراد أن يكون بمثابة «رصاصة» انطلاقِ «حربٍ سياسية» جرى «تلقيم» أسلحتها التي تتركّز على جبهة تأليف الحكومة الجديدة التي بدا أن إمكانات استيلادها انتهتْ، إلا بحال معجزةٍ مستبعَدة، وتُسدل الستارة عليها نهائياً حين يقفز لبنان غداً… في الفراغ.

إقرأ ايضاً: نصرالله «يُقر» بخسارة مناطق بحرية..و«ينفخ» عون «الصلب»!

ومع العدّ العكسي لمغادرة بعبدا، حرص عون على اتخاذ وضعية «الإصبع على الزناد» في الملف الحكومي، موحياً بأن توقيعَ مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (المستقيلة حُكْماً منذ مايو الماضي بعد الانتخابات النيابية) بات قاب قوسين وسيحصل غداً ما لم يكن تم تأليف حكومة بشروط فريقه وذلك في محاولةٍ لوضْع العصي في دواليب وراثة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى، بالتوازي مع سعي لـ «حرق» الحوار الذي يعدّ له رئيس البرلمان نبيه بري الذي وَضعه رئيس الجمهورية وباسيل في «خندق واحد» مع ميقاتي عبر اتهامهما بالتخطيط «للاستيلاء» على موقع الرئاسة وصلاحياتها عن سابق تَصوُّر وتصميمٍ على… الفراغيْن.

وإذ تم التعاطي مع «شحْذ» مرسوم قبول الاستقالة والمناخات المشتعلة تجاه ميقاتي وبري على أنها تعبيرٌ عن تشكيلٍ بات شبه مستحيل للحكومة بحسب تلميح عون نفسه في حديث تلفزيوني، فإن مفاعيل هذه الخطوة التي يُخشى أن «تُغرَزَ» في جسم اتفاق الطائف بقيت تُقاس في السياسة أكثر منها في دستورياً، وسط إجماع خبراء وحقوقيين على أن طابعها سيكون بحال حصلت «إعلانياً» لاستقالةِ الحكومة وليس إنشائياً أي يرتّب تداعيات، باعتبار أن هذا المرسوم لا يوقف بأي حالٍ تصريفَ الأعمال للحكومة الحالية، وهو ما يحصل فقط عند صدور مرسوم التشكيلة الحكومية الجديدة مُتَلازماً وفق العُرف مع مرسوميْ قبول استقالة الحكومة وتسمية رئيس الوزراء.

إطلالة مفاجئة للحريري مع أردوغان… هل انتهى تعليق العمل السياسي؟

ومن هنا فإن البُعد السياسي للجوء عون إلى هذا «السلاح الثقيل» الدستوري يبقى الأهمّ كونه يؤشّر إلى أن الجنرال سيقود «جبهة اعتراضٍ» من الرابية يؤسس أرضيتَها الشعبية اليوم ارتكازاً على شدّ عَصَب طائفي، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن «ورقة مرسوم قبول الاستقالة» صارت شبه «منتهية الصلاحية» بعدما أفرغها ميقاتي نفسه من مضمونها عبر مناخاتٍ تفيد أن انتقالَ صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومته المستقيلة لا تُكْسِبُها صفةً خارج تصريف الأعمال، وأن التلويحَ بحضّ وزراء على الاعتكاف عن ممارسة مهماتهم تحت هذا السقف في محاولةٍ لمنْع مجلس الوزراء من الالتئام في جلساتٍ تشكل الوعاءَ لانتقال صلاحيات الرئاسة الأولى إليه «مجتمعاً» لا يقدّم ولا يؤخّر لأن ميقاتي لن يدعو إلى جلسات خارج الضرورات القصوى وسيمضي في الاجتماعات الوزارية التي يعقدها «على الملفّ».

وقد نُقل عن أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس «أن توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة هو لزوم ما لا يلزم ويُعتبر كأنه لم يكن ولا يغيّر من الواقع شيئاً، وندعو لمراجعة ما قاله المرجع الدستوري إدمون رزق اليوم بوصفه هذا الأمر بالخيانة العظمى»، معتبرة «أن الرئيس ميقاتي أكد مراراً وتكراراً أنه لن يكون تصادمياً ولا استفزازياً ولا يسعه إلا أن يقوم بما أوكله إليه الدستور».

وسبق ذلك إعلان ميقاتي نفسه «أننا مقبلون على مرحلة جديدة عنوانها الأبرز أننا لن نتحدى أحداً ولن نقف بوجه أي أمر يخدم لبنان وأهله»، وقال: «فلتتوقف المناكفات والتجاذبات رحمة بالناس وبقطاعات الإنتاج. ونحن ننتظر في الفترة المقبلة موسماً شتوياً واعداً، وقد ابلغني أحد السفراء العرب بالأمس أن هناك حجوزاً مكتملة لمدة خمسة عشر يوماً للسفر الى لبنان خلال عيدي الميلاد ورأس السنة، بمعدل أربع أو خمس طائرات في اليوم. فلنتعال عن كل التجاذبات، ولتتكاتف الأيادي بعيداً عن الحسابات والفئويات والعصبيات، ولنتعاون لمعالجة الأوضاع الصعبة وإعادة التعافي إلى لبنان».

وعَكَس هدوء ميقاتي، الذي يتوجّه غداً إلى الجزائر لترؤس وفد لبنان الى القمة العربية، أن ملف الحكومة بات وراء الجميع وأن العيون لم تعُد ترصد إلا نهاية عهدٍ لم يعُد له من حلفاء سوى «حزب الله» الذي اعُتبر «تسليفه» باسيل، الذي التقى السيد حسن نصر الله قبل 4 أيام، ورقة مقاطعة وزيريْه أي اجتماع لحكومة تصريف الأعمال بـ «قبعة رئاسية» بمثابة «شيك بلا رصيد» وموقفٍ سياسي لا أكثر في ظلّ سحْب ميقاتي فتائل الصِدام الدستوري وإدارته مرحلة ما بعد الشغور بما يُراعي عدم الإفراط بالاستفادة من غطاء مسيحي توفّره أحزاب وازنة مثل «القوات اللبنانية» وآخرين يعتبرون أن وراثة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة دستوريّ.

وإذ تتقاطع هذه العناصر لتجعل مرسوم قبول الاستقالة بمثابة «قنبلة صوتية» قد تجرّ البرلمان، بصفته المرجعية لتفسير الدستور، للإفتاء بلا دستورية خطوة عون وتالياً محض ميقاتي وحكومته «ثقة ثمينة» غير مباشرة، فإن الرئيس بري الذي يحكم علاقتَه بعون «ودٌّ مفقود» لم يجد سبيلاً ولو إلى هدنة على طريقة «الإخوة الأعداء» لم يتوانَ عن «ردّ الصاع صاعين» لرئيس الجمهورية وباسيل على خلفية اعتبار الأول أنه «حتى إن انتهت ولايتي الرئاسية لا يحقّ لبري أن يحلّ مكان رئيس الجمهورية، والحوار حول الموضوع الرئاسي سيفشل»، وإعلان الثاني أمس مصوّباً ضمناً على «القوات»: «باع اليوضاسيون صلاحيات الرئيس باتفاق الطائف، وامتنعوا لليوم عن تنفيذ أحسن ما فيه. وهم يتحضرون بعد 31 اكتوبر لبيع ما تبقى من صلاحيات لنجيب ميقاتي ونبيه بري (…) ومستعدون للمقاومة لمنعهم من سلبها… نحنا بلّغنا وحذّرنا».

وفي بيان عنيف من هيئة الرئاسة في حركة «أمل» انطلق من أنه «كي لا يُفَسر الصمت تسليماً بتخرصات أولئك المسكونين بالكوابيس والهواجس»، جاء أن «من المؤسف التجني الذي يلحق بالرئيس بري من جهات يعرفها القاصي والداني، والتي تتذرع حينا بأن رئيس المجلس لا يحق له الدعوة الى الحوار وأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية، متناسياً حوار عام 2006 بحضوره بشخصه وكانت المطالبة آنذاك بوجوب مشاركته في الحكومة، وحيناً آخر بالتذرع بأن الرئيس بري ليس مع تأليف الحكومة وهو الذي سعى ولا يزال بإخلاص وبقوة من أجل إنجازها، لكن الحقيقة بائنة كما الشمس بأن من يتهم ويصوب السهام نحوه هو الذي عطل تأليف الحكومة ويريد تسمية أغلب وزرائها دون ان يمنحها الثقة، فمن هو اليوضاسي؟ وذاكرة اللبنانيين لا تزال تنضح بمقولة(كرمال عيون الصهر عمرها ما تتشكل الحكومة)».

وإذ تحدث عن «محاولة إخفاء دور الرئيس بري في الوصول الى التفاهم حول الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وهو الذي أسس له وبناه وأكمله قبل العهد الحالي وإبانه وحتى خواتيمه»، ختم: «من نكد الدهر ان تصبح الدعوة الى الحوار جريمة والنعق في أبواق الشرذمة والتفرقة والفراغ فضيلة. يا عيب الشوم».

في موازاة ذلك، وفي ظل التعاطي مع 1 نوفمبر على أنه سيكون مرحلة جديدة في لبنان تشتدّ فيها «الأعاصير» السياسية – الدستورية وربما المالية وأكثر، استوقفت الأوساط السياسية أول إطلالة للرئيس السابق للحكومة سعد الحريري خارج إعلان تعليق العمل السياسي الذي أعلنه في يناير الماضي وذلك بزيارته أنقرة حيث أعلنت الرئاسة التركية على موقعها الرسمي، أن الرئيس رجب طيب أردوغان «استقبل الجمعة في المجمع الرئاسي بأنقرة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري».

السابق
أوسمة من شتى الأنواع..«business» نهاية العهد!
التالي
عون يُرشّح صهره و«الهمروجة البرتقالية» تنتهي اليوم..ونصرالله يحمي الترسيم بـ«أشفار العيون»!