«الإنتِظام العربيّ العامّ» وعلاقة الدين بالدولة والمجتمع.. نقاش «زاخر» في «منتدى جنوبية» حول كتاب وجيه قانصو

بين التساؤلات والإجابات حول موضوع "الانتظام العربي العام"، مرجع يختصره كتاب للباحث للدكتور وجيه قانصو، الذي رشكّل "مادة دسمة" للنقاش، خلال ندوة ل"منتدى جنوبية"، أضاء فيها المشاركون على اشكاليات حالت دون وجود الدولة المدنية، ورسّخت مفاهيم دينية طبعت هوية مجتمعات انحرف مسارها عن الولاء للوطن، وباتت ضحية لممارسات حكّام طوّعوا الدين بما يتناسب مع مصالحهم، وفرضوا دساتيرهم التي قيّدت الأفراد وحالت دون انتظامهم في اطار وطني سليم. غاص المتحدثون في الندوة بين سطور وأفكار أضاء فيها الكاتب، على ما اعتبروه مضموناً غنياً ينهل منه كل طامح الى معرفة أجوبة على تساؤلات أفضت الى النتيجة التي هي عليه الدول العربية وشعوبها، وقدموا شهاداتهم بالكتاب "الموسوعي"، كما مؤلفه الذين صنّفوه بأنه "مرجعاً" في التحليل وعرض الوقائع ونتائجها بالأدلة والبراهين، فعَبَروا بالتحليل على صفحات الكتاب المؤلف من 511 صفحة بين مقدمة وتسعة فصول وخاتمة، تناولت المسار التاريخي لمعضلة العلاقة الدين والدولة والمجتمع في المجال العربي العام، وحقيقتها وكيفية انتظامها، وزخرت بتفاصيل مدعّمة بالبحث حول رحلة المجتمعات العربية نحو بناء الدولة منذ ما قبل ظهور الإسلام، وصولاً الى العصر الحديث والراهن، وما رافقها من موجات تغيير وتحولات بين الماضي والحاضر لعبت دوراً في علاقة الدولة والدين بالفرد والمجتمع، مروراً بمحطات مفصلية وتداعيات أثمرت عن نتائج كشف عنها مؤلف الكتاب الصادر عن "دار الفارابي" والذي قدّم فيه عصارة عمل تميّز بالحرفية والاتقان. أدار الندوة التي نظمها موقع "جنوبية" ومجلة "شؤون جنوبية" في مقرّ الموقع والمجلّة في رأس النبع، رئيس تحرير موقع "جنوبية" الزميل علي الأمين، وتحدث فيها الكاتب والأكاديمي الدكتور عبد الحسين شعبان، والخبير في السياسات العامة زياد الصائغ والمحلل والكاتب السياسي الزميل منير الربيع وأستاذ التربية على المواطنية الدكتور علي خليفة، وتمّ بثّها مباشرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لـ"موقع جنوبية" ومنصّاته، وذلك في حضور الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، ، الدكتور جورج سعد، والزملاء قاسم قصير، أحمد عياش وحسن فحص ومهتمين.

كتاب لباحث متميّز يحتاج الى “درس”

اختار رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين التعريف بالباحث على طريقته، فاختصر بكلمات “مكثفة” مسيرة شخصية تميزت على المستوى الفكري برأي كثيرين  بقدرته على “الحفر والتأسيس والبحث العميق والجاد”.

إقرأ أيضاً: «الانتظام العربي العام».. المسار التاريخي في كتاب لوجيه قانصو

وإذ لفت الى أن الندوة حول الكتاب تزامنت “عن غير قصد” مع ذكرى ثورة 17 تشرين، فتلاقى بمضمونه مع تلك المناسبة”، شدد على أن ‘الكتاب يحتاج إلى درس وليس الى قراءة فقط، لالتقاط كل المعاني الموجودة فيه، ولعل النقطة الجوهرية التي يحاول الكتاب الإجابة عنها تتمحور حول سؤال واحد: لماذا فشل الربيع العربي”؟

الأمين: تميز برأي الكثيرين بقدرته على الحفر والتأسيس والبحث العميق والجاد

وأشار الى أن” هناك العديد من الأفكار بين المؤامرة والتحالفات التي قمعت الشعوب من التعبير عن نفسها، وعوامل أخرى عميقة تضمنها الكتاب، الذي اقتبس منه فقرة عن الانتظام و المبادئ والعلاقات والممارسات السائدة بين السلطة والمجتمع في العالم العربي”.

“مفكر شجاع” يحفر بمعول جيولوجي وبقلم مهندس 

استخدم قانصو، وفق الأكاديمي والمفكر والكاتب من الجيل الثاني للمجددين العراقيين والعرب الدكتور عبد الحسين شعبان “منهجية مهمة” في البحث، وهي مراحل ما قبل وما بعد التأسيس وعلاقة الفرد بالدولة، وطرح شعار كبير يحتاج الى تعميقه بالحوار نحو اجتماع مدني عربي عابر للعشائرية والدينية والطوائفية الذي يؤسس الى  بناء دولة حديثة. 

نجح المفكر الشجاع، كما وصفه شعبان، “بأن يحفر بمعول جيولوجي وبقلم مهندس ليقدم أفكاره على شكل وجبة لذيذة يضيف عليها محسّنات لتخرج كما يريد”. ولفت الى “الترابط بين الدين والدولة والمجتمع، إذ لا مجتمع من دون بحث في قضايا الدين والدولة، ولادولة من دون الحديث عن المجتمع سواء كمنظومة أو كأفراد، ولا حديث في قضايا المجتمع دون الحديث عن قضايا الدين”، مشيراً الى “أن قضايا الدولة محور الصراع الدائر في مختلف المجتمعات، فنحن في مرحلة ما قبل الدولة ولكن لدينا بعض مظاهر الدولة الحديثة وربما غير منسجمة مع واقع التطور الذي نعيشه، وتختلف التعريفات حول الدولة فهناك من يقول أنها أداة قمع أو تنظيم ومن يجمع بينهما”.

وتحدث عن “الصراع القائم بين الدولة المدنية والدينية”، واعتبر “أن خيار دولة القانون القائم على عنصرين اساسيين هما الشرعية والمشروعية هو الخيار الأنسب”.

شعبان: مفكر شجاع يحفر بمعول جيولوجي وبقلم مهندس ليقدم أفكاره على شكل وجبة لذيذة

وقال:”نحن مجتمعات ما قبل الدولة، والدكتور قانصو حاول أن يؤشر الى العلاقات الحميمية، التي تربط الناس فيما بينهم، والصراع الدائر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، ولكن طالما هناك حكم قانون وبحث عن مظاهر الشرعية سواء بالانتخاب أو غيره، هذا يعني أننا أمام معايير مضافة علينا الاحتكام اليها”.

ولفت الى أنه” طرح قانصو تساؤلات حول المجتمع المدني، هل نحن فيه أم في مقدمة الحديث عنه وما هو،  وبماذا يختلف عن المجتمع السياسي، والوسائل والفروق؟ والأكيد أن هناك حاجة الى الكثير من التعمق من أجل استقلالية المجتمع المدني عن المجتمع السياسي والديني،” معتبراً” أننا ما زلنا في مقدمات بناء الدولة وهي هشة بسبب صدمة الاستعمار وهشاشة تركيبة تأسيسها، كما أن الخطوات أثمرت عن تأسيسها بحكم عامل خارجي بطريقة مشوهة بحكم خارجي، وحملت بذرة الحداثة لكنها تعرقلت لم تنمو بما فيه الكفاية، بفعل صدمتي الاستعمار وقيام دولة اسرائيل، وصولاً الى الصدمة الثالثة وهي التغيير في العالم العربي، التي قادت الى الانكسارات التي أدت الى مزيد من الاحباط”.

وتوقف “عند نقطة جوهرية طرحها قانصو وهي موضوع الأزمة والعقل، فاعتبر أن الاعتراف بالأزمة يؤدي الى معرفة الحلول في ذلك الوضع الاستثنائي، فالحلول التقليدية ليست كافية للمعالجة كالانقلابات العسكرية  والثورات والاندفاعة تحت عناوين الربيع العربي كافية وثورة 17 تشرين، ووصلنا الى طريق مسدود، والسؤال كيف نستخدم العقل في معالجة مظاهر الأزمة سواء بما يتعلق بالحريات وأنسنة الشعارات وبالدين، إذ لا دين اذا كان يخالف احكام العقل، فالجهل يقود الى كوارث حقيقية”.

“صعوبة بنيوية” في تفكيك مقاربات “مُلهِم فِكْر متنوّر” 

في الذكرى الثَّالثة لإنطِلاق مسارٍ تغييريّ في لبنان اللَّادولة نحو محاولة التأسيسِ لخيارِ دَولة، اعترف المدير التّنفيذي لـ ملتقى التأثير المدني” الخبير في السّياسات العامّة زياد الصّائغ “بصُعوبَةٍ بنيويَّة في تفكيك مقاربات قانصو، الصَّديق ومُلهِمُ فِكْرٍ متنوِّر، خصوصًا في ما أوردَهُ في سياقاتِ كتابِه، يتمحور حول تعقيداتِ التَّداخُل بين الدِّين والسُّلطَة من ناحِية، وترجمة هذا التَّداخُل في المعطياتِ السِّياسيَّة والسوسيولوجيَّة والقِيميَّة والدُّستوريَّة-القانونيَّة من ناحيَةٍ أُخرى. وإنْ كانت هذه التَّعقيداتُ مفاهيميَّة، وقد استفاض فيها قانصو، لكنَّها أَورثتنا فرديًا وجماعيًا إنهياراتٍ وأزماتٍ إبتَعَدت عن استيلاد حُلُول، إذ حين يُمسِك الإسكاتولوجيّ الميتافيزيقيّ بمفاصِل السِّياسة، تُمْسي إدارَةُ الشأن العامّ بمؤتزِري الحُكم فيها على كثيرٍ من الخشبيّة غير القابِلة للتّطوير، لكنْ أيضًا على كثيرٍ من التأليه غير الخاضِع للمُساءَلَة والمحاسبة مع ضربٍ إغتياليّ للحوكمة الرَّشيدة، وفي هذا مكمَنُ “اللّاإنتِظام” في مواجهة “الإنتِظام”، وثمَّة سؤالٌ يؤرقُنِي بعد أن غُصْتُ في مضامين هذا المؤلِّف الثَّمين ومفادُهُ أن هَل هو الإنتِظامُ المرجوّ تؤمِّنُه فقط فِكرَةُ الدَّولة مفهومًا وإنقاذًا، أم يحتاجُ هذا الإنتِظامُ عروبَةً حضاريَّة ينتُجُ عنها جسرٌ ثقافيّ-إقتصاديّ يُمهِّدُ لِقيامِ انتظامٍ إقليميّ عربيّ على قاعِدَة القِيَم المشتركة والمصالِح المشتركة”.

الصائغ: صُعوبة بنيويَّة في تفكيك مقاربات قانصو خصوصاً في ما أورده في سياقات كتابه

  وقال:”في أيِّ حال، وفي حيِّز قِراءَةٍ مكثَّفَة مقتضبة للإشكاليَّات الدَّولتيَّة، والدّينيَّة، والمجتَمعيَّة التي طرحها قانصو، أجِدُني معنِيًّا بمُساءَلتِه حَولَ قضايا ثلاثة. أوَّلُها قائِمٌ في معنى الدَّولَة وتشكُّلاتِها في العالم العربيّ. وثانيها في انقِضاضِ المسألةِ الدِّينيَّة على مُربَّع الشأن العامّ وبالعكس. وثالِثُها انعِدامُ التَّلاقي بين الانتلجنسيا والفِعل السِّياسيّ على ما يُنَاقِضُ هذا الانعِدام في الغرب من تأثيرٍ عميق لهذه الانتلجنسيا على بناء السِّياسات”.

وحول معنى الدَّولة وتشكُّلاتُها في العالم العربي، قال:”لستُ في معرِض الاضطِلاع في هذا السِّياق بمُقاربة تأريخيَّة، لكنْ ثمَّة ما يجِبُ فَهمُه ممَّا يُعنى ب “تشكُّل المجال السياسي” (الفَصل الرَّابع)، والذي ذهب فيه د. قانصو بعيدًا في اعتِبار أنَّ الخلل البنيويّ الأساس في تشكُّل هذا المجال تمحور، ورُبَّما ما زال في “ممارَسَةٍ للسُّلطَة من دون تفكّر في حقيقتها حيثُ اقتصر التَّفكير على كيفيَّة استعمالِها لتحقيق أغراضٍ لَيسَت لها”. وبالتَّالي يتبدَّى هذا الخَلَلُ البنيويّ مُتَراكِمًا في العالم العربيّ، إذ ثمَّة ما يُقصِي عَنهُ سِمَة الخيرِ العامّ بالمعنى الديونتولوجيّ، وإدارة الشأن العامّ بحوكمة سليمة بالمعنى السِّياسيّ. من هُنا فإنَّ المسار الذي انطَلَق في “الرَّبيع العربيّ”، على المعطوبيَّات التي شابَتهُ، أو الاختِراقات التي شوَّهَتهُ، أفسَح في المجال وما زال، لإعادَة النَّظَر في معنى الدّولة والحاجة إليها من بوَّابَة انتظامٍ تحت سيادَة القانون بالاقتِناع لا بالزَّجر، إذ مهَّد هذا الأخير، والحديثُ عن “الزَّجر” إلى بُنى توتاليتاريَّة أيديولوجيَّة كارثيَّة.

وعن إنقِضَاضُ المسألةِ الدِّينيَّة على مربَّع الشأن العامّ وعكسُه، قال:” لستُ في معرِض الاضطِلاع في هذا السِّياق بمقاربةٍ لاهوتيَّة أو فقهيَّة، لكنْ ثمَّة ما يجِبُ فَهمهُ ممَّا يُعنى ب “تَمفصل الدَّولة والدّين والمجتمع” (الفصل الخامس)، والذي فنَّد فيه د. قانصو الخلل البنيويّ النَّاتِج عن ذاك الأَوَّلِ الأساس إذ أقرَّ بجُرأة أنَّه “مع تمايُز السُّلطة عن الدّين  صار الدّين شرطًا خارجيًا للدَّولة بمعنى حاجة الدَّولة إلى الدّين لتعميم مقبوليَّتها بين النَّاس وصياغة أيديولوجيَّة هيمنتها وبالتالي تتبدَّى هذه المعادلة تحتاجُ تنقِيَةً في الذَّاكرة، والسُلوك، بما يُسَاعِدُ في إعادَة تحديد دور “الدَّولة” من ناحِية، ودور “الدّين” من ناحِيَةٍ أُخرى، على أنَّ قيمَة كُلٍّ منهما على خدمة سلام المجتمع وكرامة الإنسان. من هُنا فأنَّ مخاضاتِ العالم العربيّ مستمرَّة على إيقاع الالتِباس ما بين هذين الدَّورين، والقِوى المجتمعيَّة الحيَّة الإصلاحيَّة الدَّولتيَّة والدِّينيَّة مسؤولَة عن التنكُّب لإنهاء هذا الالتِباس”.

وحول إنعِدامُ التَّلاقي بين الإنتلجنسيا والفِعل السِّياسيّ، قال:”ثمَّة ما يَجِبُ فَهمُه ممَّا يُعنَى ب “الثَّورات العربيَّة: جِدَّة أم تأصيل” (الفصل التَّاسع)، والذي غاص فيه د. قانصو في الإضاءَة على مسارات التَّغيير المرجوّ، خصوصًا في العلاقة بين “النُّخبَةِ والثَّورة” إذ كتب بدقَّة:” يُسجَّلُ للحراك العربيّ العامّ استِجابة مجتمعيَّة عامَّة وتأييد شعبيّ عارم له، وهو أمرٌ غير مسبوق في التَّاريخ العربي. أي حالة شعبيَّة تريد تغيير الواقِع السِّياسي القائم. لكنَّ هذه التَّحرُكات كانت تتميَّز بغياب النُّخْبَة القائدة لها، والتي تَضَعُ لها برنامجها، وتصوغ خطابها، وترسُم معالم مستقبلها. في تقديري أنَّ مَقْتَلَة التَّغيير المرجوّ كامنٌ إمَّا في تزلُّم النُّخب، أو إنكِفائِها خوفًا، إلى هجرتِها، خُلوصًا إلى يأسِها. في لُبنَان مثالٌ عميق على نقيضَين. قِلَّةٌ في النُّخبَة تواجِه. وأكثريَّة أُفضِّلُ تلافي تصنيفها. إستِعادَةُ النُّخَب إلى الفِعل السِّياسيّ أساس”.

وختم:”في ما سبَق إضاءَات مكثَّفَة على تحدّيات لإشكاليَّات، والحقيقَة أنْ لم يعُد من تَرَفٍ لانتِظار تحقيق انتِظامٍ عامّ عربيّ، لكنْ أيضًا عالميّ، وهذا رهنُ قيامُ كُتلَةٍ تاريخيَّة تنحازُ للحريَّات، والتعدُّديَّة، وحقوق الإنسان، والسَّلام، تحت سَقف مواطنَةٍ مُؤَنْسَنَة في زمن الانهيارات الكُبْرى. لا مكان في السِّياقات الحضاريّة لتوتاليتاريَّات، وثيوقراطيَّات، وأحلاف أقليَّات. العروبة الحضاريَّة مؤسِّسٌ في ايّ انتِظام نريدُهُ مستدامًا، يتلاقى مع العَوْلَمة”.

“بحور” من الأفكار المنتظمة بسياق أكاديمي منهجي 

خضعت فكرة الإنتظام العربي العام لعشرات المؤلفات ولاهتمامات الكثير من الباحثين، وفق الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع، الا أن قانصو جمعها بسياق مفتوح على آفاق متعددة مستمد من تاريخ قديم وزاخر في كتابه الذي يُقرأ أكثر من مرّة، بنهم، ويصلح لأن يكون مرجعاً لأي مهتم أو باحث عن صيرورة الدولة ومكنونات المجتمع”.

وأوضح أنه “يتيح الكتاب غوصاً عميقاً في بحور من الأفكار المنتظمة بسياق أكاديمي منهجي، بأبعاده التاريخية، الفكرية، السياسية والإجتماعية بخلاف اللاانتظام العربي. وما بين سطور الكتاب إضاءات وومضات تدفع بالقارئ إلى الذهاب بعيداً نحو دراسة ضرورة لعلاقة علم النفس بعلم السياسة أو بتركيبات الدول والأنظمة، وكم كنت أتمنى لو أن الفرصة تسنح لمثل هذه المغامرة”.

الربيع: يصلح لأن يكون مرجعاً لأي مهتم أو باحث عن صيرورة الدولة ومكنونات المجتمع 

وقال:”يمكن للمرء أن يجد في الكتاب كل ما يريد، ومن الصعب اختزاله بفصل أو أكثر. يصعب القفز فوق الصفحات، أو بين الفصول”.

أضاف:”واستلهاماً من الكتاب، يتضح أن معنى الدولة ملتبس في الذهنية العربية. فهل هي ملك وسلطان ام عبارة عن مؤسسات منبثقة من إرادة عامة. وفي جوهر الإلتباس هذا، نقع على الإلتباس بين السياسي والديني، فهل مصدر السلطة دنيوي أي من البشر، ام من فوق أي مستلهم من إرادة الله. وعلى هذا الإلتباس التاريخي، كان من الصعب الوصول إلى تصور للدولة العربية، واستقرارها على معنى متصالح مع العصر، ومع الإيمان. 

واعتبر أن “كل التجارب التي خاضها العرب في تاريخهم الوسيط والحديث، لم تنجح، وبينها ثورات الربيع العربي، لمجموعة أسباب، البعد الإجتماعي والثقافي والسياسي الكبير بين الأرياف والمدينة، والبعد الأكبر على الصعيد الطبقي بين مقتدرين ومسحوقين، في مقابل نجاح السلطات بفرض العنف كميدان وحيد للصراع يقوم على عناصر تأبيده إما طائفياً ومذهبياً وإما بالتخيير بين العسكر والإسلاميين، وإما بين الإستقرار والفوضى، وفي هذا المجال تبدو السلطات متفوقة جداً ومتقدمة وسباقة على قوى المجتمع. وفي الأساس فإن الثورات العربية في أساسها هي نتاج طبقة وسطى ومثقفين وطلاب، وهذه المكونات كانت ضعيفة الصلة بالمجموع العام للسكان ومنقسمة على ذاتها بين موالاة للسلطة وموالين للثورة. ولذلك فقدت سريعاً زمام السيطرة على مسار الثورة لتصبح صداماً بين السلطة وبين غالبية غير مسيسة أخذت الثورات إلى منحى ثأري أو عدمي ومتطرف”.

وأشار الى” أن الربيع العربي شكّل بارقة أمل أو إشارة لمتغيرات حقيقية وفاعلة، أسهمت قوى كثيرة في تدميرها وإفشالها. وفشل هذه التجربة أدى إلى تأخر سياسي وتراجع إجتماعي أسس لكل هذه الانحدارات التي نراها. وذلك نتاج لتراكمات الصراع بين الأنظمة الإيديولوجية، في مواجهة العولمة. والتي كان لا بد لها أن تصطدم بمفهوم الدول القومية والوطنية.في الدول العربية لا وجود للديمقراطية ولا الليبرالية. ويمكن وصف هذه المنطقة بأنها في مرحلة ما قبل الحداثة، بخلاف الغرب الذي عايش الديمقراطية إلى حدّ استنفادها، فيما لا تزال حاجة ضرورية وماسة في مجتمعاتنا العربية”.

وختم:”أزمتنا الأساسية، تتوزع على مستويات متعددة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. ومن الصعب قياس واقع هذه البلدان مع الغرب. فالحرية التي تعتبر مسألة بديهية لدى الغرب، لا تزال حلماً لشعوب هذه المجتمعات. ولا بد من وجود كتلة عربية متنوعة، تضع هدف الحرية والديمقراطية، بشكل أساسي أمامها، لتطوير الأنظمة السياسية، كي تكون قادرة على اللحاق بما يجري في العالم المعاصر”.

“كتاب موسوعي” حول قضايا ملهمة وشائكة

في كتاب موسوعي جديد بعد التحولات السياسية والاجتماعية، يتصّدى قانصو بحسب دكتور علوم التربية من جامعة جنيف وأستاذ التربية على المواطنية في الجامعة اللبنانية الناشط السياسي علي خليفة الى مواضيع على قدر ما هي اشكالية، على قدر ما هي مهمة، في الدين والدولة والمجتمع. 

ولفت الى أن “الكتاب مجموعة مسارات متعدّدة ومتشابكة في آن، فإذا ما أخذنا  المسار المتعلق بالفكر الديني، والمؤّلف لم يترك فيه مبحثاً الا وخاض فيه، باسطاً المصطلحات المفتاحية محدّداً معانيها وعلاقاتها الملتبسة، وصولاً إلى ما يسمّيه انتظام المجتمع على قاعدة دينية، ما يعني غياب  تشكل النظام السياسي وغياب نظرية الدولة”.

خليفة: الكتاب مجموعة مسارات متعدّدة ومتشابكة لم يترك المؤلف مبحثاً إلا وخاض فيه

وقال:” إزاء هذه القراءة، السؤال هل الإسلام في سياقه التاريخي إقتصر على طموح الحكم وتثبيت دعائمه أو تبرير إنتقال السلطة؟ فطغت هذه المقاربة الوظيفية للدين على تشكل المجال السياسي”، مشيراً الى “أن التجارب التي يتطرق إليها الكتاب ذاهبة من هذا الإتجاه، ولولا محطّات نهضة وأعلامٌ من خارج مظلة الفقيه والسلطان، لإقتصر الفكر العربي من كل فلسفة الدين على إحكام قيد السلطة. من هنا يستوقفني دعوة المؤّلف إلى تحرير النص الديني من المؤسسة  الفقهية، فرضياتها ومسبقاتها التي أحالت الإسلام كتلة تشريعات جزئية متأثرة  فلا يعود الدين جهاز سلطة يردف المؤلف”.

واستشهد بكتابات للعلامة السيد محمد حسن الأمين ونقده لألوهية السلطة التي يتلاقى معها المؤلف،  وتحدث عن ورشة اجتهادية تأويلية قام بها قانصو لتحرير النص الديني لتمهيد الطريق للعلاقة القائمة على الاستقلالية بين الدين ومؤسساته والمجتمع”. 

وتطرق الى” غياب الدولة من الفكر العربي، ووعيها كجهاز ناظم للمجتمع  وتحديد وظائفها وأدوارها  من خارج ممارسات السلطة”، وقال:” إني أقرأ  غياب الدولة  في ضوء غياب التلازم للمشروع السياسي  للإسلام كدين وتغوّل بعض القراءات والمقاربات التي سعت إلى إحكام قبصتها وتسويغ شرعيتها  الباطل من خلال توسّل الدين كوسيلة للإستيلاء على الحكم، الأمر الذي أدّى إلى تفريغ جهاز الدولة وغيابه”.

واعتبر أن”المجتمعات العربية لم تختبر الدولة الا كسلطة احتلال ولم تشعر باهمية ان تكون جزءاً من انتظماها”، وتحدث عن” دعوة وجيه قانصو لتكثيف التضامنات المدنية داخل المجتمع ازاء تشوه أدوار الدولة “.

وقال:”عندي توجس وقلق أن المؤسسة الدينية كما افرغت الدولة في أدوارها فهي ايضاً ممتدة إلى مؤسسات المجتمع المدني، حتى برامج خدمة المجتمع أصبحت تعبئة عقائدية ومكان للسطوة الدينية”.

وختم:”ثلاثية الدين والدولة والمجتمع كانت ماثلة في التجربة السياسية، وواجهنا الثنائي الشيعي ليس لأنه غطى على الفساد في الجنوب، بل لأنه تسلّط على الدين والمجتمع والدولة، ففرض على الدين مصادرة حريات الأفراد وقسم المجتمع وفرغ الدولة من ادوارها، وامتهن ممارسة الشيعية السياسية لتحويل الوعي الديني الى ولاية، لذلك المواجهة كانت ليست فقط بالسياسة، وكانت العلمانية الشاملة بوجه الشيعية السياسية كاحدى تحولات السياسية الطائفية من اجل استعادة ادوار الدولة كافة”.

سؤال وهاجس للكاتب.. و”منهج” لتصويب النظرة

انطلق الكتاب وفق مؤلفه قانصو بسؤال وهاجس:”لماذا فشل الربيع العربي ولماذا المجتمع العربي عاجز؟”، مشيراً الى أن “التحدي كان بتحديد منهج لتصويب النظرة وعرض واقع السياسة والسلطة وقواعد اللعبة الخفية في السياسة، لذلك كان لا بد من البحث في اللحظات التأسيسية”.

ولفت الى أنه” ارتكز على قراءة التجربة النبوية“، قائلاً:”كان لا بد من البحث في الذهنية العميقة للتفكير، والسياسة كيف خدمت الدين كي يترسخ وكيف أضحى الدين جزءاً من المنظومة السياسية”.

قانصو: التحدي كان بتصويب النظرة وعرض واقع السياسة والسلطة وقواعد اللعبة

وتطرق “الى الفصل بين المسألة السياسية والدينية”، وأوضح “أن الدولة الاسلامية هي جزء من التفاعلات اللاحقة”، وأوضح أن “السياسة كانت في كنف الدين بمعنى أن ظهور السياسة كنشاط لم يكن قد بدأ بعد، فالسياسة في ظل النبوة بقيت ملحقة بالوحي والأمر، ولكن الفكرة السياسية بدأت تأخذ مجالاً مستقلاً منفصلاً عن الدين بعد أن تشكلت عناصرها من قوى وروابط وغيرها بدأت تنشأ بذاتها”. وقال:”عندما بدأت السياسة تحت غطاء الدين، حصل الإنزياح بين الإثنين، وهو كان عملياً وليس نظرياً، وأصبح الدين يتكيّف بأنه خارج السلطة، ولم يعد الدين مرجعية للسلطة التي بدأت تُنشئ قواعد مشروعيتها الذاتية، أي أن السلطة التاريخية في الاسلام لم تقم على النص على الرغم من محاولاتها أن تحي بذلك”.

 وأشار الى “أن الدين، عندما سُلخت مرجعيته عن السلطة، حاول أن ينخرط في قلب المجتمع ليشكل مرجعية له، وخرجت السلطة من الدين ولم تعد مرغمة بالتقيد بركائزه واحكامه، وخرجت السلطة من المجتمع بمعنى انها لم تعد شأناً مجتمعياً، وباتت العلاقة بين السلطة والمجتمع تقوم على الحماية مقابل الولاء”.

وأوضح “أن مفهوم السلطة تحول الى مفهوم غيبي لا يمكن أن يُفهم، وعندما تغيب السلطة عن المجتمع، ويحل مكانها الدين، تصبح العلاقة بين الناس وطبيعة المجتمع قاعدة دينية”.

واعتبر أنه “عندما خرجت السياسة من الدين يعني أنها تحررت من المرجعية الأخلاقية، واختزل الدين اساس الهوية المجتمعية فباتت هوية دينية، فالمجتمع العربي بقيت هويته دينية وليست مدنية، وهي المرتكز لأي انتماء، وهذا ما أدى الى التعامل مع السلطة كأمر واقع حتى لو كان الحاكم فاسقاً لأن البديل هو الفوضى والفتنة، وبالتالي العلاقة بين المجتمع والسلطة لم تكن علاقة عقد، بل كان الحاكم سلطته ذاتية واستثنائية”.

ولفت الى أن” الحرية التي كانت شعاراً واقرب الى الطوباوية، واقبلنا في عصرنا على واقع جديد من دون عدة معرفية مع غلبة الهوية الدينية على كل الهويات، ترافق مع غياب نظرية للعدالة، وترسيخ الدين لوجوده كأساس الهوية المجتمعية الذي أعاق تشكيل هويته على قاعدة مدنية، بقي الواقع على ما هو عليه دون تغيير، وذهب العقل الديني الى التكليف مع تضييع الكليات الأساسية للدين، إذ لا يوجد تنظير فقهي للسلطة والمجتمع”، مشدداً على “ضرورة انتقال المجتمع الى الطور المدني، إذ لا سلطة لأحد على أحد ويكون الانسان سيد نفسه”.

وفي الختام كان نقاش مع الحضور بينهم الباحث العراقي الدكتور شيرزاد نجار، حول مضمون الكتاب والإشكالية التي ربطت علاقة الدين بالدولة والمجتمع، والنتائج التي لا تزال البلاد العربية تعيش فيها جراء المفاهيم التي رسختها تلك العلاقة واستخدام الدين للاستغلال.

سيرة ذاتية

 (*) وجيه قانصو

•    مواليد الريحان جنوب لبنان

•    دكتوراه في الفلسفة، من جامعة الروح القدس – الكسليك، لبنان.

•    دكتوراه في هندسة الروبوت (Roboties) والتحكم الذكي، من جامعة واين ستايت (Wayne State)  في لاية ميشيغن في الولايات المتحدة الأميركية.

•    أستاذ في ملاك الجامعة اللبنانية.

•    محاضر (متعاقد) في الجامعة اليسوعية.

•    من مؤلفاته:

–    التعددية الدينية في فلسفة جون هيك.

–    أئمة أهل البيت والسياسة.

–    النص الديني في الإسلام.

–    جدل الحرية والعدالة في الفكر الإسلامي المبكر.

–    الشيعة الإمامية: بين النص والتاريخ. 

 (*)عبد الحسين شعبان

أكاديمي ومفكر وكاتب من الجيل الثاني للمجددين العراقيين والعرب.

عمل في الحقل الحقوقي والمهني، الأكاديمي والثقافي، وشغل مواقع متعددة.

له مساهمات فكرية وثقافية متميزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة.

انشغل بالفكر الديمقراطي والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والتنمية ومن خلالها كتب عن الإسلام المعاصر والمسيحية المعاصرة، بما فيها قضايا التسامح واللاعنف.

نال عدّة جوائز وأوسمة لمساهماته المتميزة، منها جائزة أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي (القاهرة 2003).

ولد في مدينة النجف (العراق) عام 1945، تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد (1967 – 1968)، وأوصل دراسته العليا في براغ، حيث نال درجتي الماجستير (1973) والدكتوراه (1977) من أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية، أستاذ في جامعة بغداد، وجامعة صلاح الدين – أربيل، وجامعة أونور – بيروت، صدر له أكثر من سبعين كتاباً في موضوعات مختلفة، منها القانون، والسياسة الدولية، والصراع العربي – الإسرائيلي، والأديان، فضلاً عن الأدب والنقد وقضايا فكرية متنوعة. 

 (*) زياد الصائغ 

 باحث لبناني وخبير في قضايا اللاجئين الفلسطينيين ومفاوضات السّلام في الشرق الأوسط، والنّازحين اللاجئين من سوريا وسياسات العمل والحماية الاجتماعيَّة، عضو اللجنة التنفيذيّة للجنة التنسيق اللبنانيّة – الأميركيّة (LACC  ) منسّق مبادرة  لبنان الأفضل(كانون الأول  2016_ كانون الأ ل 2020) مستشار السياسات واستراتيجيات التواصل في وازرة الدولة لشؤون النازحين (شباط  2017- كانون الثاني 2019) ، وزميل باحث في السياسات في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية الجامعة الأميركية بيروت ( كانون الأول 2019 – كانون الأول 2020 )، عضو في الفريق المرجعي للسلام والأمن الإنساني فيACT Alliance جنيف (تشرين الثاني 2019 – كانون الأوّل) عضو خبير لجنة التواص ل السّياسي لقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لجنة الحوار اّللبناني-الفلسطيني في رئاسة الحكومة) تشرين الأوّل 2016 – آذار2022 ، ومستشار للسياسات مع مؤسسة أديان (2017 – 2019)،  مستشار السياسات والتواصل في مجلس كنائس الشرق الأوسط (أيلول 2018 – كانون الأول 2020)  – عضو اللجنة الاست ارتيجية في المركز الماروني للتوثيق والأبحاث ( أيلول 2018  – أيلول 2021). مستشار في رسم السياسات واستراتيجيات التواصل في رئاسة الحكومة اللبنانية لرئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني) 2006 -2009، ومستشار رسم السياسات ورئيس فريق عمل وزير العمل(كانون الثاني2010  – حزيارن2011 )، ومستشار وطنيّ للسياسات لمنظَّمة العمل الدولية في المكتب الإقليمي للدّول العربية للمنظمة في بيروت (أيلول2011 – حزي ارن 2013) عَمِل سابقُا مستشارا لإستراتيجيّات التواصل في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ولنقابة المعلمين في لبنان، وللمؤسسة الصحيّة للطائفة الدرزية، وللقاء مسيحيّي المشرق، ولمركز الدِّراسات والأبحاث المشرقية. له دراسات متخصّصة في قضية اللاَّجئين الفلسطينيين والسوريين، ومسائل العمل والحماية الاجتماعية والحوار المسيحي الإسلامي والفكر العربي والمواطنة،  وينشُر– دوريا مقالات متخصّصة في جريدة النهار وموقع  BeirutInsight  وموقع ICIBeyrouth، وأحد كتاب “وثيقة نختار الحياة”: المسيحيّون في الشرق الأوسط نحو خيا ارت لاهوتيّة ومجتمعيّة وسياسيّة متجدّدة”.  

(*) علي خليفة

دكتور في علوم التربية من جامعة جنيف

أستاذ التربية على المواطنية في الجامعة اللبنانية. صدرت له مقالات علمية من أبحاث ودراسات منشورة في دوريات محكّمة، وكتبٌ منها: أبناء الطوائف، ووطن بلا مواطنين، والمطران والشيطان: قراءات ومحطات في تجربة غريغوار حداد

وهو ناشط سياسي ومرشح سابق في الانتخابات النيابية عن دائرة الجنوب الثانية

السابق
«الوطني الحر» يُهدد باقتحام السراي وتجهيز قوة عسكرية.. ما الحقيقة؟
التالي
المؤرّخ عصام خليفة يدعو الشعب اللبناني لرفض «جريمة» اتفاق الترسيم: لا يوجد حقل اسمه قانا