مرقص لـ «جنوبية» : الترسيم «إتفاق» تمتنع الدولة عن تمريره عبر الآلية الدستورية

الخبير الدستوري بول مرقص
في ظل تخبّط لبناني داخلي يحول دون تشكيل حكومة منذ أشهر وشغور رئاسي متوقّع بعد تطيير الجلسة الثانية، بالتوازي مع نزاع إسرائيلي داخلي على خلفية الانتخابات، يترقّب الداخل كما الخارج مصير التوقيع الرسمي على ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان واسرائيل، الذي قد يكون في مهب "التأجيل"، بعد الموافقة على الصيغة النهائية التي أرسلها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى الطرفين قبل أيام، وسط تساؤلات عن قانونية ودستورية الإتفاق المعلن وتسميته بين الدولتين.

هل الإتفاق المعلن تنبطق عليه شروط الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، وما هي آلية توقيعه وضمانات استمراره؟،  وفق ما أوضحه رئيس مؤسسة ” JUSTICIA الحقوقية” المحامي الدكتور بول مرقص لـ «جنوبية» فإنه “ثمة مبدأ في القانون الدولي يُعرف بـ pacta Sunt Servanda ، يُلزم كل دولة إحترام الإتفاقات الدولية تحت طائلة إلحاق العار بها عندما لا تحترم توقيعها، ويمكن التدرج بذلك الى حين مقاطعتها من سائر الدول وعدم الإعتداد بما تقدمه من التزامات وضمانات مستقبلية، إلا أن اسرائيل خرقت هذا المبدأ مراراً وتكراراً حتى أنها هي مارقة على القانون الدولي لأنها لم توقع مثلاً إتفاق مونتي غوبيه لعام 1982 المعروف بأنه قانون الأمم المتحدة للبحار، والموقع من قبل لبنان في تسعينات القرن الماضي فيما أحجمت إسرائيل عن ذلك، وهو كان يجب أن يكون محل الإهتداء به لأنه أصبح من القواعد الملزمة في القانون الدولي بصرف النظر عن مدى إلتزامه من كل دولة”.

لبنان يحاول أن يعطيه مدى إفرادياً وليس ثنائياً باعتبار أنه بالنسبة الى المسعى اللبناني يعتبر محضراً يوقعه على حدة ويرسله الى الأمم المتحدة

واعتبر أنه “بالنسبة الى الإتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل، فإن لبنان يحاول أن يعطيه مدى إفرادياً وليس ثنائياً، باعتبار أنه بالنسبة الى المسعى اللبناني يعتبر محضراً يوقعه على حدة ويرسله الى الأمم المتحدة، وكذلك ستفعل إسرائيل التي ستوقعه في شكل مستقل عن لبنان وتودعه الامم المتحدة بدورها بعناية الوسيط الأميركي”، مشيراً الى أن” ذلك لا يجعل من هذه المحاضر أنها التزام من جانب واحد كما يريده لبنان، لأنه بالرجوع الى قانون المعاهدات، وتحديداً إتفاقية فيينا لعام 1966 النافذة عام 1969 فإنه، وفق مادته الثانية (يقصد بالمعاهدة الإتفاق المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان او أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة)، يعتبر ذلك توصيفاً على أنه إتفاق يجب أن يبرم على الصعيد الداخلي وفقاً للأصول”.

وقال:”إن الحكومة الإسرائيلية هي حكومة موقتة وحكومة لبنان هي حكومة تصريف أعمال، فمن غير الجائز أن يمر هذا الإتفاق بها، هذا في المبدأ لأنه يجب ان تكون هناك حكومة أصيلة فاعلة في التوقيع، وأيضاً يجب أن يمر هذا الإتفاق عبر مجلس النواب بعد التفاوض مع رئيس الجمهورية طبقا للمادة 52 في الدستور التي تكمل وتضيف أنه إذا لم يكن الإتفاق معقودا سنة فسنة وكانت مترتبة عليه مفاعيل مالية وتجارية فإنه يجب أن يمر عبر كل من الحكومة ومجلس النواب”.

إن ما يجري هو إتفاق بدليل ان عبارة إتفاق وردت أكثر من مرة في مضمون العرض الأميركي الموافَق عليه لبنانياً وإسرائيلياً

 

أضاف:” في رأيي، وبخلاف ما هو شائع، فإن ما يجري هو إتفاق، بدليل ان عبارة إتفاق وردت أكثر من مرة في مضمون العرض الأميركي الموافَق عليه لبنانياً وإسرائيلياً، كما ورد أن حكومة كل من البلدين هي من تلتزم”.

وأردف:” إذاً هو إتفاق ويجب أن يمر عبر الآلية الدستورية في لبنان عملا بالمادة 52 في الدستور، الأمر الذي تمتنع عنه الدولة اللبنانية، علماً أنه يجب ألا يكون هناك عقدة من وراء اعتباره إتفاقاً، خصوصاً أنه لا يوقع مع إسرائيل بالتزامن وعلى مخطوطة واحدة، وهو الأمر الجيد، لكن ذلك لا ينفي عنه صفة الإتفاق”، مذكراً في السياق” أنه سبق للبنان ان وقّع إتفاق الهدنة عام 1949 بإشراف الأمم المتحدة في رأس الناقورة، ووقعه عن الجانب اللبناني المقدم توفيق سالم والمقدم جوزف حرب، وعن الجانب الإسرائيلي المقدم موردخاي ماكليف وينوسوا بيلمان وشبطاي روزين، في حضور الوسيط الدولي رالف بانش”.

وشدد على “أن اتفاقات أقل شأناً من اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ولا تعني حقوق لبنان وثرواته ومستقبله الإقتصادي وأمنه الإقتصادي وعلاقاته مع الدول المجاورة تعرض على الحكومة ومجلس النواب، فكيف بالحري هذا الإتفاق؟”.

وردت ضمانات رعاية أميركية في متن الإتفاق فضلاً عن أن الأصول تقضي بألا يتم نقض أي إتفاق موقّع

ما الضمانات القانونية لاستمراره؟، وفق مرقص فإنه “وردت ضمانات رعاية أميركية في متن الإتفاق، فضلاً عن أن الأصول تقضي بألا يتم نقض أي إتفاق موقّع خصوصاً أنه ورد في هذا الإتفاق أنه لا يمكن لأي دولة ان تقوم بالرجوع عنه على هذا النحو الإعتباطي، وثمة أحكام وقواعد في القانون الدولي لكيفية الرجوع عنه”، لافتاً الى “أن المبدأ وفقاً لإتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يتناول – في الجزء الثالث – إحترام المعاهدات وتنفيذها وتفسيرها، إذ اورد في الفصل الأول، المادة 26، عن احترام المعاهدات: العقد شريعة المتعاقدين، وكل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية”.

وأشار الى “أن ثمة نزاع حالي في إسرائيل لأن حكومة لابيد هي حكومة تصريف أعمال وليست مفوضة بالتوقيع على الإتفاق لحين تشكيل حكومة في الإنتخابات المقبلة، ولكن في حال تم التوقيع على الإتفاق بين الطرفين قبل الإنتخابات يبقى الإتفاق ملزماً ما لم تطلب الحكومة الجديدة أن تقوم بإبطاله أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهذا يتنافى مع مبدأ عدم الإعتراف بدولة إسرائيل، بينما ورد في الإتفاق أن الولايات المتحدة هي المرجع”.

وختم بالقول:”إن اتفاق الترسيم كما هو منصوص عليه والعبارات المستعملة في مضمونه لا يمكن أن يكون بين دولة تعاني من احتلال او خرق دائم للسيادة تقوم به دولة أخرى، وبمعنى آخر ان صياغة الإتفاق لم تأت متفقة مع حالة لبنان الذي لطالما كان يعاني إحتلالاً من إسرائيل وخرقاً دائماً لسيادته”.

إقرأ أيضاً : الترسيم.. أقل من سلام وأكثر من تطبيع؟!

السابق
احمد بيضون يحذر من تعْويمُ العصاباتِ الحاكمةِ بعائداتِ الغازِ: سيرهنونَهُ قَبْلَ أن يظهَر!
التالي
الطريق إلى رئاسة الجمهورية(4): شارل حلو .. «الراهب في غير مكانه»!