النّظام الإسلامي الإيراني يواجه خطراً وجودياً

مسيرة ايرانية

يراقب العالم بدهشة كبيرة كيف تتطور الأوضاع دراماتيكياً على الساحة الإيرانية، حيث الحركة النسائية الغاضبة، نتيجة وفاة شابّة في ظروف غامضة بعد توقيفها من شرطة الأخلاق، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى ثورة تجتاح المدن مطالبة بإسقاط نظام الحكومة الإسلامية. 

لا شك في أن وفاة الشابة كانت الشرارة التي أطلقت العنان لـ”قلوب مليانة” تعاني من الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومن الفساد المستشري في الدولة ومن السياسة القمعية للنظام. هناك من يعتقد أن حاجز الخوف قد انكسر، وأن من نزل إلى الطرق هم الطبقة المتوسطة والشباب – ذكوراً وإناثاً – إنما تتقدمهم المرأة بما يمثله ذلك من رفض لعقيدة الحكومة الإسلامية بهويتها الشيعية – الفارسية.

اقرأ أيضاً: الحجاب الإيراني وقد أصبح رمز مواجهة الذكورية الدينية

 هذا في إيران، أما في العراق فهناك حراك شيعي – عربي ضد محاولة المجموعات التابعة للولي الفقيه الإيرانية فرض عقيدتها وهيمنتها على العراقيين، وتحديداً النجف. فالحراك الذي بدأه السيد مقتدى الصدر يأخذ صداه ويتوسع في العراق، وبات واضحاً أنه يستهدف مجموعات الحشد الشعبي التابعة للحرس الثوري الإيراني الذي رفضت أحزابه القبول بهزيمتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتصر على الإمساك بالسلطة التنفيذية. ولم تفلح محاولات إيران في صرف الانتباه عما يجري داخلها عبر إطلاق صواريخ بالستية ضد مناطق في شمال العراق، بحجة استهداف مواقع لمجموعات كردية معارضة لها. فهذا الأمر ربما زاد من حجم نقمة العراقيين على إيران ومحاولتها الهيمنة على قرارهم السياسي وسيادتهم.

أما في سوريا، فالمواقع التابعة للميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” تتعرض لغارات إسرائيلية متزايدة، أدت إلى تدمير مجموعة من مخازن الأسلحة ومصانعها. هذا في وقت تقوم روسيا، حليف إيران الاستراتيجي في سوريا، بخفض عدد قواتها لحاجتها لها على جبهات القتال في أوكرانيا، حيث مُنيت القوات الروسية هناك بخسائر كبيرة أخيراً وتواجه صعوبة في الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها وضمّتها إليها. 

ضعف القوات الروسية في سوريا سيؤثر حتماً في وضع الميليشيات التابعة لإيران فيها التي لا يبدو أنها قادرة على تسلم الأسلحة جواً كالسابق، نتيجة الضربات الإسرائيلية على مطاري دمشق وحلب. كما أن الأسلحة التي شُحنت في الأشهر الأخيرة إلى ميناء طرطوس دُمرت بعد ساعات من وصولها. فالقوات التابعة لإيران مكشوفة استخبارياً كشفاً فاضحاً في سوريا، بدليل تمكن إسرائيل من إلحاق خسائر كبيرة فيها خلال هذه السنة، من دون أن تجرؤ هذه الميليشيات على الرد أو حماية نفسها بنجاح. كما أن جهود روسيا لم تفلح بإقناع أي جهة عربية أو دولية بكسر الحظر الأميركي والاستثمار في إعادة إعمار سوريا، ما يبقي الأوضاع الاقتصادية فيها صعبة جداً وضاغطة على النظام وحلفائه. 

أما لبنان، فالأوضاع الاقتصادية فيه بلغت مستوى قياسياً من السوء، حيث لا يزال التضخم المفرط يتصاعد مع ارتفاع سعر الدولار وانعدام القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من اللبنانيين من جميع الطوائف. وكونه القوة المهيمنة على القرار السياسي والعسكري في البلد، يتحمل “حزب الله” وزر ما تشهده الساحة اللبنانية، رغم أن حلفاءه وبعض الأحزاب السياسية التي شاركت في السلطة تتحمل جزءاً من المسؤولية. وهذا أحد أسباب تعديل سياسته، بحيث لم يعد يسمي خياره للرئاسة كما فعل مع العماد ميشال عون في الانتخابات الرئاسية الماضية، ويتحدث عن رئيس توافقي وغير استفزازي. 

فالحمل بات ثقيلاً، والخروج من الأزمة الاقتصادية بإشراف صندوق النقد الدولي سيكون ضمن إجراءات مؤلمة، وبالتالي، فهو لا يريد التفرد بالقرار، كما يفعل الآن في ملف ترسيم الحدود، حيث يريد أن تظهر الأمور وكأن القرار بيد رئيسي الجمهورية والحكومة، فيما الجميع في لبنان يدرك بأن مفاوضات الترسيم ما كانت لتحصل دون رضى حزب الله. فالاتفاق مع اسرائيل (اذا ما حصل) يعفيه من تهديده بمهاجمة إسرائيل.  فالاتفاق مع إسرائيل يعفيه من تهديده بمهاجمة منصة كاريش، ما سيدخله في حرب مع إسرائيل يحاول تفاديها لإدراكه نتائجها المدمرة عليه وعلى قاعدته الشعبية. كما أنه يفتح الباب للبدء بعملية البحث والتنقيب عن النفط والغاز، ما سيدخل أموالاً للبنان سيستفيد منها الحزب بحكم موقعه السياسي والعسكري في البلد.  

أما في اليمن، فالميليشيات الحوثية الحليفة لإيران رفضت تمديد الهدنة، وتحاول الآن التصعيد عبر تهديد منشآت النفط وشركاته في المنطقة والملاحة عبر باب المندب. 

سياسة الابتزاز هذه هي دليل ضعف هذه الميليشيات وعجزها عن إحداث أي تغيير على جبهات القتال، ولفشلها في الحصول على اعتراف دولي فيها كممثل شرعي للسلطة في اليمن. وإذا ما أقدمت على استهداف الملاحة البحرية أو منشآت نفطية لقوى غربية، فقد تجد هذه الميليشيات نفسها بمواجهة عسكرية مع هذه القوى. وقد بات جلياً لواشنطن والأمم المتحدة أن الميليشيات الحوثية هي من يعطل الحل السلمي بإصرارها على شروط تعجيزية، وبالتالي فإن موقف قوات التحالف العربي والحكومة الشرعية اليمينة بات أقوى على الساحة الدولية.  

إذا ما تم جمع المشهد في المناطق التي فيها الميليشيات التابعة لإيران، بالإضافة إلى الانتفاضة الكبيرة التي تشهدها الساحة الإيرانية، فإن النتيجة المنطقية تدل على أن طهران تواجه صعوبات كبيرة وستتفاقم في الأسابيع والأشهر المقبلة. فوقوفها إلى جانب روسيا في الحرب ضد أوكرانيا ومدها بالطائرات المسيّرة الهجومية أثّر سلباً في علاقاتها بأوروبا التي توقفت عن الضغط على واشنطن للوصول إلى اتفاق نووي جديد مع طهران. فمحادثات فيينا وصلت إلى طريق مسدود بعد رفض أميركا الموافقة على مطالب إيران. واليوم تعاود واشنطن الحديث عن الخيار العسكري، في وقت تراقب إسرائيل بقلق تقدم برنامج إيران النووي. فإمكان تعرض المنشآت النووية الإيرانية لهجوم سيزداد مع فشل الوصول إلى اتفاق جديد. 

يشكل الوضع الداخلي مصدر التهديد الأكبر للنظام الإيراني اليوم. فالانتكاسات على الجبهات الخارجية ستؤثر في خططه في الهيمنة على المنطقة، ولكنها لن تؤدي إلى سقوطه. إلا أن تصاعد الثورة الداخلية سيزيد من الشرخ الداخلي، ما سيشكل خطراً وجودياً على النظام الإيراني الذي يعتمد الآن سياسة التصعيد المتدرج والتي ستصل إلى الاستخدام المفرط للعنف، وهي خطوة قد تكون نتائجها هذه المرة سلبية جداً على النظام وتفاقم الوضع. وقد يلجأ النظام إلى تصعيد الوضع إقليمياً لصرف الأنظار عن وضعه الداخلي، وقد يفعل ذلك إما عبر دفع الحوثي لشن هجمات على سفن في باب المندب أو البحر الأحمر، أو عبر استئناف زوارق الحرس الثوري هجماتها على سفن في منطقة الخليج العربي. فهناك خيارات تصعيدية عديدة قد تلجأ إليها إيران في هذه المرحلة، ما يوجب على دول المنطقة اليقظة والحذر، والتعامل بحكمة معها لمنع طهران من تحقيق مرادها. فسقوط النظام الإيراني أمر وارد رغم الصعوبات الكبيرة أمام الشعب بتحقيق ذلك، وإذا ما تم فسيحدث صدمة إيجابية تغير المشهد برمّته في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتؤدي إلى ظهور شرق أوسط جديد. فهل تنجح ثورة المرأة الإيرانية بتحقيق ما عجزت عنه الانتفاضات السابقة ضد النظام؟     

السابق
كم بلغ عدد الإصابات بـ «الكوليرا» في لبنان؟
التالي
«حالة مرضية».. هذا ما كشفته هيئة الطب الشرعي الإيرانية عن وفاة أميني