محور طهران – موسكو: تنامي «الاصطفاف الاستراتيجي» الإيراني-الروسي

ايران وروسيا

اتت علاقات إيران مع روسيا هذه الأيام موضِعَ دراسةٍ، وإعادة تقييمٍ في إيران، كما في روسيا، وحتى في أمريكا، وإسرائيل. وتنتشر بشكل متزايد مخاوف إقليمية ودولية، بشأن احتمالية تنامي التعاون الإيراني -الروسي إلى مستويات استراتيجية جديدة. ويُعدُّ موقف القوى الإقليمية في الشرق الأوسط من الصراع في أوكرانيا، عاملاً مؤثراً في هذا الاتجاه. 

تسعى هذه الورقة إلى تقييم مدى التقاء المصالح الروسية والإيرانية في الأشهر الأخيرة، واستشراف فرص وتحدّيات مسار العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا.

لقاء القمّة الإيراني – الروسي – التركي

أثارت القمة الأخيرة بين إبراهيم رئيسي، وفلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، في يوليو 2022، التكهّنات حول سبب، وتوقيت هذا الاجتماع الثلاثي. ورمزيّة هذا الحدث مُهمّة بشكل خاص؛ إذْ أشعَرَ وجود رؤساء روسيا وتركيا في طهران، القادة الإيرانيين بالاحترام على المستوى الدولي. لكنْ ثمّة أهميّة لذلك الحدث تتجاوز الناحية الرمزيّة، وتتعلّق بخطط الدول الثلاث لمواجهة التحدّيات الإقليمية والعالمية.

اقرأ أيضاً: مخاوف من تداعيات حرب غزة والتوظيف الإيراني

وتواجه العلاقات الروسية – الإسرائيلية ضغوطاً في الوقت الحالي. وتراقب إيران الفرص التي يمكن أن تخلقها هذه الظروف. وعلى الرغم من أن التكهُّنات تركّزت على توقيت القمّة الذي اختاره الرئيس بوتين على وجه الخصوص لزيارة طهران، والذي تزامن تقريباً مع زيارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل، ثم السعودية. لكنّ الموضوع الرئيس لقمة طهران الثلاثية، كان على الأرجح يتعلق بمُستقبل سوريا. ويزعم الإيرانيون أن قمة طهران تمخّضت عن تفاهمات جديدة بين إيران وروسيا وتركيا. وسيُثبت الوقت ما إذا كان هذا صحيحاً أم لا؟ وفي أعقاب القمة، سلّطت وسائل الإعلام المُقرّبة من الحرس الثوري الإيراني الضوء على عددٍ من الحقائق الجديدة التي تزعم أنها ستنتج عن القمة، كجزء من اتفاق ضمني جديد بين إيران، وروسيا، وتركيا، وذلك على النحو الآتي:

  1. سيكون ثمّة مُعارضة مُسلّحة أقوى للوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا؛ الأمر الذي يُشير إلى تنامي التنسيق العسكري الروسي – الإيراني – التركي في سوريا.
  2. سيُصبح مسار آستانا الذي تقوم من خلاله إيران وروسيا وتركيا بتنسيق سياساتها إزاء سوريا، أهمّ مسارات العملية السياسية المتعلقة بالملف السوري. وستكون آستانا أكثر أهمية من مفاوضات “اللجنة الدستورية” التي تُعقد في جنيف منذ عام 2019، لوضع دستور جديد لسوريا.
  3. سيواصل الإيرانيون الضغط على تركيا، والقوات العسكرية لنظام الأسد للعمل معاً بشكل أوثق ضد الأكراد السوريين.
  4. يزعم الإيرانيون أن الروس سيُمارسون المزيد من الضغوط على الإسرائيليين في سوريا، وأن موسكو لن تغضّ البصر منذ الآن فصاعداً عن الهجمات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا.

لحظة أكبر لالتقاء المصالح الإيرانية – الروسية

يُعدُّ كلا البلدين (روسيا وإيران) منبوذين في النظام العالمي الحالي، وبالتالي فإن لديهما دائماً سبباً وجيهاً لتوحيد صفوفهما، خاصّة في مسارح معيّنة يُمكنهما تنسيق العمل فيها بحيث يربح الجانبان.  وكان التدخّل الإيراني – الروسي المُشترك في الحرب السورية لإنقاذ نظام بشار الأسد، مثالاً بارزاً على هذا التفاهم الإيراني – الروسي في الساحات الخارجية.

على المستوى الرسمي، ثمّة وجهات نظر مُتقاربة أيضاً بين البلدين، فيما يتعلّق بعددٍ من التحدّيات الأخرى، مثل: مُكافحة الإرهاب، ومقاومة النزعات الانفصالية، ومُحاربة طرق نقل المخدّرات، وترسيخ الاستقرار في أفغانستان، وسوريا، والعراق، والقوقاز، وآسيا الوسطى، ومُجابهة الهيمنة الأمريكية بشكل عام، وتعزيز منهجية تعدّدية الأطراف في السياسة الدولية. وقد أوحى قرار موسكو في عام 2021 بقبول عضوية إيران في “مُنظّمة شنغهاي” بأنه لا يوجد سقف مُحدّد للتعاون الروسي – الإيراني، وأن ثمّة طرق أخرى لتعزيزه.

ويُمكن توقّع أن يتغلّب التقاء المصالح الإيرانية – الروسية الحالي على التناقضات القائمة بين الجانبين، أو تلك المتوقَّعة في المُستقبل القريب، وهذا ما أظهره الاستقبال الدافئ الذي حظي به الرئيس بوتين في طهران على الرغم من احتدام المنافسة بين إيران وروسيا حول صادرات الطاقة إلى آسيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ويبدو أن الانعكاسات الجيوسياسية للغزو الروسي لأوكرانيا، لم تقتصر على محاولة الغرب عزل روسيا فحسب، بل إن موسكو أصبحت مُصمّمة على تعزيز العلاقات مع دول منبوذة عالمياً -مثل إيران، وكوريا الشمالية – للتغلّب على العقوبات الغربية، وغيرها من الضغوطات. وعلى المدى القصير، فإن المجال الذي يُمكن أن يحدث فيه تقارب بين إيران وروسيا، هو مسألة إسرائيل. فمنذ عام 1991، أوضحت موسكو لـطهران أن علاقات روسيا الوثيقة مع إسرائيل غير قابلة للتفاوض في الوقت الذي كانت فيه إيران وروسيا تتطلّعان لتوثيق علاقتهما الثنائية. ومع ذلك، فإن التوتّرات الروسية – الإسرائيلية بعد غزو موسكو لأوكرانيا، هي عامل لا تُرحّب به طهران فحسب، بل ترى فيه الكثير من الإمكانات، والفرص.

المخاوف الأمريكية والإسرائيلية بشأن التعاون الإيراني – الروسي

في أبريل الماضي، زعم قائد “فيلق القدس”؛ إسماعيل قاآني،أن إيران اختبرت نظام الدفاع الجوي في إسرائيل، عن طريق إرسال طائرتين من دون طيّار إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وادّعى قاآني أن هذا الحادث وقع قبل أسابيع قليلة، لكنّ الإسرائيليين لم يذكروه على الإطلاق لأنهم كانوا مُحرجين. ولم يذكر قاآني نوع المُسّيرات التي أرسلتها إيران إلى إسرائيل، ولم يردّ الإسرائيليون على تلك المزاعم. وثمة واقعان ليس فيهما شك؛ الأول، أنه يُمكن لإيران بسهولة إطلاق طائرات بدون طيار ذات حجم صغير باتجاه إسرائيل من لبنان، أو من سوريا، أو حتى من العراق. ومع ذلك، فإن المُسيّرات الإيرانية المسلّحة، وهي الأكبر حجماً، ستكون اختباراً حقيقياً لإسرائيل. لكن من غير المُرجّح أن تكون المُسيّرات التي أرسلتها إيران إلى داخل الأراضي الإسرائيلية مُسلّحة. علاوةً على أن التبجّح والمُبالغة من الأمور الشائعة بين قادة الحرس الثوري، لكنّ الأمر الثاني المثُير للاهتمام، هو توقيت مزاعم الجنرال قاآني؛ فقد أدلى بالبيان في ذروة التوترات في العلاقات الروسية – الإسرائيلية، حيث كانت تدور أسئلة فيما إذا كانت موسكو على وشك منح إيران المزيد من الحرية العملياتية في سوريا، من أجل إظهار غضبها من السياسات الإسرائيلية إزاء أوكرانيا.

ولا شك أن الحرب في أوكرانيا كانت اختباراً كبيراً للعلاقات الإسرائيلية – الروسية؛ فقد أخفقت إسرائيل فعلياً في تحقيق هدفها الاستراتيجي المُتمثّل في البقاء على الحياد أثناء المواجهة الروسية – الأمريكية بشأن أوكرانيا. وكان الإسرائيليون يعتقدون أنه يُمكنهم القيام بذلك، لأنها كانت تلك هي السياسة بالضبط التي اتبعوها وبنجاح، عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. إلّا أنّ الأمر كان مختلفاً هذه المرّة، إذ كان الغرب، وبخاصة الأمريكيين، أكثر إلحاحاً في المطالبة بأن تنحاز إسرائيل إلى حليفها الاستراتيجي. ولم يكن لدى الإسرائيليين الكثير من الخيارات، حيث اضطروا للابتعاد قليلاً عن روسيا؛ الأمر الذي يعتقد الإيرانيون أنه قد يخلق بيئة عملياتية جديدة في سوريا، وربما في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. وهذا هو السبب في أن النقاط الأربع المذكورة حول قمة أردوغان ورئيسي وبوتين لا ينبغي تجاهلها ببساطة.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية، ومع انطلاقة ثورات “الربيع العربي”، واستثمار طهران في نشر جيشها على الساحة السورية، كانت العلاقات الروسية – الإسرائيلية مُجزأةً، لكنها ظلّت تسير على نحو سلس. ولم تقتصر علاقات روسيا وإسرائيل على التجارة التي بلغت قيمتها حوالي 2 مليار دولار سنوياً، بل كان ثمة تعاون مُشترك في مجالات الدفاع؛ حيث تم إنتاج طائرات إنذار مُبكّر بشكل مُشترك، ونقلت الصواريخ الروسية الأقمار الصناعية الإسرائيلية إلى الفضاء.

وظلّت العلاقات على المستوى الشعبي قوية؛ حيث يعيش مليون يهودي روسي في إسرائيل، وتُعدُّ الحركة السياحية من روسيا إلى إسرائيل نشطة. إن مثل تلك الحقائق تعني أن أجندة إيران العملياتية كان ينبغي أن تأخذ بالاعتبار الحساسيات الروسية عندما يتعلّق الأمر بالإجراءات الإيرانية ضد إسرائيل في سوريا وخارجها. ولتحقيق التوازن في علاقتها مع الجانبين، كان ينبغي على موسكو أيضاً أن تتوخّى الحذر. وعلى سبيل المثال، لم يُعلن الروس “حزب الله” أو “حماس” مُنظّمات إرهابية؛ الأمر الذي أسعد أصدقائهم الإيرانيين.

ومنذ عام 2015، لم تقم موسكو فقط بترسيخ وجودها العسكري في سوريا عبر إنشاء قواعد في مطار حميميم بالقرب من اللاذقية، وتوسيع قاعدتها البحرية التي حصلت عليها في طرطوس، لكنها أيضاً نشرت أنظمة مُضادة للطائرات من طراز “أس-400″، و”أس-300″، لحماية قواتها العسكرية هناك. وخلال تلك السنوات، لم تُستخدَم تلك الأنظمة ضد الغارات الجوية الإسرائيلية التي كانت تستهدف مواقع في سوريا، والتي كانت غالبيتها مُرتبطة بإيران و”حزب الله”؛ الأمر الذي كان يُثير غضب إيران. ولم يُغيّر الروس سياستهم تلك بعدُ. لكنّ الإسرائيليين يعرفون أن قدرتهم على صدّ القوات المؤيدة للإيرانية في سوريا ستضعف بشكل كبير إذا قام الروس بتوجيه أنظمتهم الجوية ضد الطائرات الإسرائيلية. وفي غضون ذلك، تواصل موسكو تذكير الإسرائيليين بأن لديها أدواتٌ تستطيع أن تستخدمها لتقويض مخططاتهم.

وعلى سبيل المثال، هددت موسكو بإغلاق الوكالة اليهودية في روسيا؛ وهي مُنظّمة تُساعد اليهود على الهجرة إلى إسرائيل. وأجرى وزير الخارجية الروسي مُحادثة هاتفية مع إسماعيل هنية، أحد قادة حماس، والذي يُقال الآن إنه سيزور موسكو في المُستقبل القريب. وبشكل عام، وفي حين حاول القادة الإسرائيليون أن يظلوا محايدين في المواجهة الروسية -الغربية بشأن أوكرانيا، فإنهم يصارعون في الوقت الحالي لموازنة مصالحهم. وسيكون من الصعب على إسرائيل أن تُروّج لنفسها باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والحليف الأقرب للغرب، بينما تبقى صامتة إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذا بدوره يمكن أن يخلق شرخاً في العلاقات الروسية – الإسرائيلية. وتنظر إيران إلى هذا الأمر باعتباره نافذة فرص محتملة، لكنّ طهران غير مُتأكّدة ما إذا كان الانقسام الروسي – الإسرائيلي أمراً مفروغاً منه، أو مُجرّد خلل مؤقت في العلاقات بين البلدين. لكنّ الأمر المؤكّد هو أن المواجهة بين الغرب وروسيا ستستمر لفترة طويلة، وسيبحث الإيرانيون حتماً عن طرق لحثّ الروس على إظهار المزيد من التضامن مع إيران، وليس مع إسرائيل، في سوريا.

من الملف النووي إلى الاستراتيجية البحرية: التقاء المصالح الإيرانية – الروسية

بدأ الروس بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران بمُجرّد أن فرض الغرب العقوبات على موسكو. وذلك قبل أسابيع من زيارة بوتين إلى طهران في يوليو الماضي. ولعلّ من السابق لأوانه تقييم نتائج الجهود المبذولة بهذا الخصوص، لكنّ المؤكد أنها كانت جهوداً مُكثّفة، وغير معتادة؛ إذ زادت التجارة بين إيران وروسيا بشكل ملحوظ، بل إنها تضاعفت في الأشهر الثلاثة التي تلت غزت روسيا لأوكرانيا في فبراير. ومن المُتوقّع أن تبلغ 4 مليار دولار في عام 2022. وفي مايو 2022، زار نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، طهران. 

كان من المُعتاد وصف العلاقات الروسية – الإيرانية بأنها مليئة بالتعهّدات، والشعارات، وتفتقر إلى الجوهر. لكن المؤشّرات الاقتصادية تُبيّن أن هذا الواقع قد يتغيّر. وتعتمد هذه الدفعة الجديدة في العلاقات على الحقائق الجديدة التي تواجهها موسكو. وبالنسبة لعلي خامنئي، وقادة الحرس الثوري، مثّلت روسيا لبعض الوقت قوّة موازنة للولايات المتحدة. لكنّ موسكو رفضت على مرّ السنين أن تنحاز في الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط إلى جانب إيران بشكل صريح، كما رفضت أن تجعل من نفسها “حامية” لإيران. وعلى الرغم من أن موسكو لا تزال راغبة بموازنة خياراتها في لعبة القوى في الشرق الأوسط، إلاّ أنه من الصعب على الروس أن يتجاهلوا حقيقة أن إيران هي الدولة الرئيسة الوحيدة واسعة الحيلة في المنطقة التي ترغب بالانحياز إلى جانب موسكو ضد الغرب تقريباً دون قيد أو شرط. بينما يضطر الإسرائيليون في أحسن الأحوال إلى موازنة مصالحهم مع روسيا إزاء مصالحهم الاستراتيجية مع الغرب.

ويبدو أن روسيا تتجنّب عمداً أن تُصبح لاعباً مُهمّاً في مُحادثات فيينا. وقد قال روب مالي، المسؤول الأول في إدارة بايدن بخصوص إيران، ذلك بشكل علني. وبالنسبة لموسكو، فإن نتائج المُحادثات النووية في فيينا تُعدّ ثانوية لمصالحها الإجمالية، مع وجود إيران شريكاً يُمكن أن تعتمد عليه. وقد لوحظ هذا المستوى الجديد المُحتمل من “الراحة الاستراتيجية” بين طهران وموسكو في سوريا؛ فعندما حدث غزو أوكرانيا، كان ثمة الكثير من التكهّنات في واشنطن بأنه سيتعيّن على الجيش الروسي إعادة نشر قواته من سوريا من أجل عملياته في أوكرانيا. وكان يُخشى أن إيران هي المُستفيد المُحتمل الذي يُمكن أن يملأ الفراغ الذي ستتركه روسيا هناك، وتُعزّز وجودها العسكري في سوريا. وقد زادت تلك التكهّنات عندما زار بشار الأسد طهران في مايو. أما في الواقع، فلا يوجد أدلة قوية تُشير إلى أن حرب أوكرانيا أحدثت فرقاً كبيراً في كيفية استمرار إيران وروسيا بالتعايش في سوريا.

ويتمثّل التحدّي الأكثر إلحاحاً لكلّ من موسكو وطهران، في مواجهة “النظام الدولي الليبرالي الأمريكي”، وهذا ليس اتجاهاً جديداً؛ فقد استمرت الجهود الروسية – الإيرانية في المُنتديات الدولية (مثل الأمم المتحدة) ضد الغرب لسنوات. وبالتأكيد، إنها علاقة ستكون دائماً مثار اهتمام بالنسبة للولايات المتحدة. كما أن التجارة، ونقل الأسلحة من روسيا إلى إيران، وتعاون موسكو وطهران في ساحات مثل أفغانستان، وسوريا، ولبنان، وما إلى ذلك، ستكون ذات أهمية كبيرة بالنسبة لواشنطن. وكان ذلك واضحاً جداً مع إعلان الولايات المتحدة في يوليو عن إدانتها عن نقل إيران لطائرات من دون طيار إلى روسيا. وستُراقب واشنطن الوضع، ومن المُحتمل أن ترى المزيد من التعاون الإيراني – الروسي في هذا المجال والتعاون في المجالات الأمنية والعسكرية. وعلى سبيل المثال، لا يوجد الآن حديث عن الصواريخ الروسية التي تنقل الأقمار الصناعية الإيرانية إلى الفضاء. ولكن أشارت أحدث عقيدة بحرية روسية مؤلّفة من 55 صفحة إلى إيران على أنها من بين الدول الرئيسة التي تنظر إليها موسكو بوصفها شريكاً في عملياتها في المحيط الهندي. 

وخلاصة القول؛ يبدو أن العلاقات الروسية – الإيرانية بدأت تختبر حقبة جديدة، ومستوىً أعلى من التعاون، وهي حقبة مدفوعة إلى حد كبير بالعقوبات الغربية على روسيا، كما باختيارات القوى الإقليمية حيال مسألة الانحياز إلى جانب موسكو أو إلى جانب الغرب في الحرب الأوكرانية. ولعل حالة إسرائيل هي المثال الأكثر دلالةً بهذا الخصوص. 

الاستنتاجات

عندما زار إبراهيم رئيسي موسكو في يناير 2021، قام المُعسكر المُتشدّد في طهران بتضخيم نتائج ذلك الحدث؛ لكن لم يكن ثمّة دليل في ذلك الوقت على حدوث أي اختراق كبير في علاقات الدولتين بسبب تلك الرحلة. ويبدو أن الزخم في العلاقات ازداد بشكل حقيقي بعد أن غزت موسكو أوكرانيا، وبدأ الغرب بفرض العقوبات على روسيا؛ فموسكو تحتاج إلى بدائل اقتصادية للتجارة، والتعاون، وإيران تقبل ذلك بسهولة كبيرة بسبب عزلتها. ويُمكن أن يكون لهذا الدفع باتجاه التعاون الوثيق بين البلدين آثارٌ على دول المنطقة، وليس فقط على الإسرائيليين. وعلى سبيل المثال، ربما تكون روسيا الآن أكثر انفتاحاً على دور أكبر لإيران في إعادة إعمار سوريا، وقد يحدث ذلك على حساب الشركات الإقليمية، وبالتأكيد الشركات الغربية.

وفي مجال التعاون الأمني والعسكري، كان العداء لأمريكا دائماً المُحرّك الرئيس في تشكيل العلاقات الإيرانية – الروسية. وفي هذا المشهد العالمي لـ “الديمقراطيات” في مواجهة “الاستبداد”، فإن طهران وموسكو تقفان في جبهة واحدة. وهذه الحقيقة تفيدنا في التكهّن حول المدى الذي يُمكن أن يتوسّع فيه هذا “الاصطفاف الاستراتيجي” بين إيران وروسيا حتى في ظل الظروف المثالية؛ حيث تُمثّل الولايات المتحدة، والغرب عموماً، عدوّاً مُشتركاً للبلدين. وفيما يتعلّق بتفضيلات السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، فإن لدى القيادة الإيرانية رؤية استراتيجية لولادة “حضارة إسلامية”. ومن الصعب أن تتوافق هذه النظرة العالمية لإيران، مع تطلعات فلاديمير بوتين المُستقبلية حول طبيعة النظام الدولي. مع ذلك، من الواضح أن علاقة طهران وموسكو تتطور سريعاً على المدى القريب، مدفوعةً بحاجة البلدين إلى تأمين توافقات مُربحة، تُلبّي الاحتياجات العمليّة؛ الاقتصادية، والأمنية، لكلّ منهما في المشهد الدولي.

السابق
المنتخب الوطني لكرة السلة «يُضيئ» وطناً يغرق في العتمة!
التالي
فيينا بين الرد والرد على الرد