الثورة السورية.. في ضرورة الإعتراف بالهزيمة!

الثورة السورية

أعتقد ان أهم إنجازين تمكنت الثورة السورية من تحقيقهما، في أول سنة على الاقل، هما:

تحول جزء من الشعب السوري لفاعل ايجابي، يحاول التحكم في مصيره ومستقبله، يبادر ويأخذ قرارات، يتحرك ويفعل، بعد عقود من السلبية والانتظار، والخضوع لفاعلين خارجيين يتحكمون به وبمصيره.

تجلى هذا الإنجاز بشكل رمزي في شعار “الشعب يريد”، وبشكل فعلي في المظاهرات والتنسيق والتخطيط والقيام بكافة أشكال النشاط الثوري الأخرى.

الإنجاز الثاني هو اجتماع عدد كبير من السوريين، على الرغم من اختلافاتهم الطبقية والثقافية والمناطقية والطائفية، وتواصلهم والتنسيق والتعارف فيما بينهم، ومحاولتهم ايجاد أشكال تنظيمية تجمعهم كالتنسيقيات والأحزاب والكتائب العسكرية والمجالس المحلية والمنظمات و.. وذلك لأول مرة منذ عقود أيضاً.

بعد أكثر من 11 سنة من بداية الثورة، تتجلى الهزيمة بشكل أساسي، برأيي، في فشلنا في الحفاظ على هذين المكتسبين، بل في تراجعنا عنهم لوضع أسوء مما كان قبل الثورة.

فمنذ الفعل الوحيد الحقيقي (الإيجابي) في عام 2011، وهو الثورة على النظام، ‏كل ما قمنا به فيما بعد هو مجرد ردود أفعال : النظام “يفعل” ويستعمل العنف، نختلف على “رد الفعل” بعنف مضاد أم باستمرار السلمية؛ النظام “يفعل” ويحرض طائفياً، نختلف على “رد الفعل” بطائفية مضادة أم بخطاب علماني، وهكذا …

بعد أن أعلنّا أننا سنغير العالم، أصبحنا نلوم العالم الذي لم نستطع تغيره

سلسلة من ردود الأفعال على أفعال النظام أولاً ومن ثم على أفعال بقية الفاعلين من ايرانيين وروس وأوربيين وأمريكان وخليجيين وأتراك وإسرائيلين. وبعد أن كان هدفنا أن نكون أحرارا، فاعلين ومسؤولين عن أفعالنا ونتائجها، أصبحنا عاجزين نحمّل غيرنا مسؤولية فشلنا : النظام وحلفائه الذين يحاربون ثورتنا (يا للعجب!)، حلفائنا المتوقعين الذين لم يحققوا رغباتنا، العالم الذي تآمر علينا، مجتمعنا الذي اكتشفنا فجأة أنه جاهل ذكوري عنيف متطرف …
وبعد أن أعلنّا أننا سنغير العالم، أصبحنا نلوم العالم الذي لم نستطع تغيره.

سارعنا إلى الإنغلاق على أنفسنا، وبدل توسيع الاجماع السوري الذي بدأ يتشكل، انتقلنا إلى الإنعزال عن المؤيدين بدايةً، فالرماديين والصامتين والحيادين

أما انجازنا الثاني فقد كان فشلنا فيه أكبر وأسوأ، شهور فقط بعد بداية الثورة، سارعنا إلى الإنغلاق على أنفسنا، وبدل توسيع الاجماع السوري الذي بدأ يتشكل، انتقلنا إلى الإنعزال عن المؤيدين بدايةً، فالرماديين والصامتين والحيادين، ثم انقسمنا بين مؤيدي الجيش الحر والسلميين، العلمانيين والإسلاميين، العرب والكرد، المدنيين والريفيين، الفصائل المسلحة والجهاديين، جيش الإسلام وفيلق الرحمن، الخارج والداخل، المناطق المحررة ومناطق النظام، المهجرين إلى الشمال السوري والباقيين في بلداتهم بعد المصالحات، النازحين في دول الجوار واللاجئين في الدول الأوروبية و …..
عشرات الجماعات المغلقة التي يحاور أعضائها ذاتهم ويراكمون مظلوميتهم، وينقسمون إلى جماعات أصغر وأصغر، معزولة عن بعضها أكثر وأكثر الثورة التي طمحت لأن تكون جامعة لكل السوريين جعلتهم، بدلاً من ذلك، ينقسمون كما لم ينقسموا من قبل، ويجهلون بعضهم البعض، ويحملون بعضهم البعض مسؤولية خسائرهم ومظالمهم.

علينا أن نعترف بهزيمتنا، بفشلنا على تحقيق ما رفعنا من شعارات، وما التزمنا به من عهود.

لهذين السببين السابقين ولأسباب أخرى، ليس أقلها دمار بلدنا وبنيته التحتية، ومقتل واصابة مئات الآلاف من السوريين، واختفاء واعتقال مئات الالاف غيرهم، وتشرد ونزوح ولجوء الملايين، وإذلال غالبية السوريين (عدا القلة المستفيدة من جميع الجهات)… علينا أن نعترف بهزيمتنا، بفشلنا على تحقيق ما رفعنا من شعارات، وما التزمنا به من عهود.

تحمّل لمسؤوليتنا الفردية والجماعية عن هذه الهزيمة، هو نقطة البداية اللازمة لأي تفكير موضوعي في أسباب هذه الهزيمة وكيفية الخروج منها

اعترافنا بهذه الهزيمة ليس بهدف جلد الذات، أو الرغبة بانتحار جماعي (عن طريق نيزك أو غيره)، أو التخلي عن سوريتنا نهائيا للاندماج في بلاد اللجوء أو …. غيرها من الحلول الفردية التي يلجأ اليها بعضنا اعترافنا بهذه الهزيمة هو رفض لهذه الحلول ولغيرها، هو تحمّل لمسؤوليتنا الفردية والجماعية عن هذه الهزيمة، هو نقطة البداية اللازمة لأي تفكير موضوعي في أسباب هذه الهزيمة وكيفية الخروج منها والتعلم منها للمستقبل، وهو، وهو الأهم، ادراك أن نجاحاتنا الصغيرة التي نعتقد أننا نحققها، ما هي إلا نتيجة هذه الهزيمة، وأنها التعبير الأمثل عنها : “التمكين” و “التوعية” و”الحماية” و “تحقيق العدالة” و “الأبحاث” و”الورشات”و “الأفلام” و “حملات المناصرة”و غيرها من “قصص نجاح” مئات السوريين والسوريات، هي الوجه الآخر لهزيمة ملايين السوريين والسوريات المذلولين، المستباحين، المقهورين، في الداخل السوري وفي دول الجوار.

السابق
بعدسة «جنوبية»: في ذكرى الانفجار المدمّر.. الانهيارات تتجدد في مرفأ بيروت
التالي
«حزب الله» و«امل» يحتكران عاشوراء الحسين جنوباً!