حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: السيرة الاربعينية لحزب لم يتشكل بعد!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

استمعت بصبر وأناة للحوار الذي اجراه عمرو ناصيف، مع رئيس المجلس السياسي لحزب الله السيد ابراهيم امين السيد على قناة المنار، بمناسبة الاحتفالية التي يقيمها الحزب بمرور اربعين سنة على تأسيسه. اذ توزع الحوار على ثلاثة محاور رئيسة، الاول استعادة مرحلة التأسيس وما رافقها من احداث، والاسباب الموجبة لتأخير اعلان الوثيقة التأسيسية لثلاث سنوات بعد عام 1982، والثاني خصص لبحث ابعاد واهداف اطلاق الحزب للوثيقة السياسية الثانية، والتي حاول الربط فيها بين منطلقات التأسيس ومفهوم الهوية، والثالث خصص لبحث الحاجة الى وثيقة ثالثة تكون قادرة على مواكبة التطورات التي حصلت في لبنان. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تخرج إيران من «الشرنقة» الأميركية؟!

التوقف عند ما قاله السيد امين السيد فيما يتعلق بمرحلة التأسيس، يأتي من كونه الشخصية التي وقع عليها الخيار الايراني، لتولي قيادة التشكيل السياسي الذي سعت طهران لتشكيله على الساحة اللبنانية، وقد جاءت مفاتحته بهذا التوجه، نظرا لكونه كان مقيما في طهران، ويتولى مسؤولية المكتب التمثيلي لحركة امل هناك، وبعد فشل الحوارات التي اجراها المسؤولون الايرانيون المكلفين بمتابعة هذا المشروع، مع شخصيات لبنانية اخرى تم مفاتحتها بالامر. وبالتالي فقد انتقل السيد امين السيد من موقعه في ممثلا لحركة امل، الى موقع الناطق الرسمي للحزب الجديد المنوي تشكيله، والذي اتخذ اسم “حزب الله” بعد اعتماد الوثيقة التأسيسية لاحقا. 

انتقل السيد امين السيد من موقعه في ممثلا لحركة امل الى موقع الناطق الرسمي للحزب الجديد المنوي تشكيله والذي اتخذ اسم “حزب الله” بعد اعتماد الوثيقة التأسيسية لاحقا

واعتماد آلية “الناطق الرسمي” او الناطقية، في البداية، جاءت بقرار ايراني، نتيجة تجارب سابقة مع قوى المعارضة العراقية والفصائل الافغانية التي لجأت قياداتها الى ايران، هربا من نظام صدام حسين في الحالة العراقية، ومن الاحتلال السوفياتي في الحالة الافغانية. وان تعدد هذه الاحزاب والفصائل، وضرورة ايجاد تشكيل يجمعها ويؤطرها ويسهل عملية التواصل بينها وبين الجهات الايرانية المعنية بهذه الساحات، جعل من خيار “الناطقية” افضل الصيغ لجميع هذه الفصائل. فتولى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي مسؤولية الناطق باسم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، والذي ضم حزب الدعوة ومنظمة العمل الاسلامي وتيار السيد محمد باقر الحكيم الذي خرج من حزب الدعوة وكأحد مؤسسيه، لتحويل الذراع العسكرية للمجلس االاعلى التي عرفت باسم فيلق بدر لتكون تشكيلا خاصا به، بعد توليه رئاسة المجلس الاعلى، وهو الفيلق الذي تولى قيادته بالبداية ابو مهدي المهندس، ثم هادي العامري. اما في الحالة الافغانية فقد كان الهدف تشكيل مجلس يجمع كل الفصائل السنية والشيعية في قيادة موحدة. الا انها فشلت في منع الصراعات الداخلية والخلافات والانقسامات ومحاولات الاستئثار والتفرد، على حساب الهدف الاساس من التشكيل.

اعتماد آلية “الناطق الرسمي” او الناطقية في البداية جاءت بقرار ايراني نتيجة تجارب سابقة مع قوى المعارضة العراقية والفصائل الافغانية التي لجأت قياداتها الى ايران

يقول السيد امين السيد ان الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، تزامن مع انعقاد مؤتمر المستضعفين في العاصمة الايرانية طهران، وكان بمشاركة عدد من قيادات القوى الفلسطينية واللبنانية “الوطنية”، وان الامام الخميني كلف قائد قوات الحرس الجنرال محسن رضائي، بالتواصل مع الاطراف اللبنانية المشاركة في هذا المؤتمر، لبحث مسألة تشكيل جبهة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وآليات تقديم الدعم الايراني لهذا العمل. الا انه لم يكن قادرا على حسم السردية التي تقوم عليها احتفالية “الاربعينية”، بان تأسيس الحزب قد حصل في هذه الفترة، لكنه في المقابل، ذهب الى تأكيد بان اعلان وثيقة التأسيس بعد ثلاث سنوات، كان الهدف منه بناء الاطار السياسي الذي من المفترض به ان يضم تحت جناحه كل القوى التي انخرطت في العمل المقاومة تحت مسميات مختلفة. 

حديث امين السيد عن مبادرة الامام الخميني لتوجيه المسؤولين الايرانيين، بالعمل على تأسيس تشكيل حزب الله، لا ينسجم مع حقيقة ما يرويه المعنيون بما حدث في تلك المرحلة من المسؤولين الايرانيين، خاصة المقربين من الامام ومحل ثقته، ومن كلفهم متابعة الشأن اللبناني وتداعيات الاحتلال الاسرائيلي فيما بعد، وواكبوا عملية الاشراف على الفصائل الاولى للمقاومة ومن ثم المساعدة في البناء السياسي والتنظيمي للحزب. 

حديث امين السيد عن مبادرة الامام الخميني لتوجيه المسؤولين الايرانيين بالعمل على تأسيس تشكيل حزب الله لا ينسجم مع حقيقة ما يرويه المعنيون

يقول السيد علي اكبر محتشمي بور، الذي توفي قبل سنتين نتيجة اصابته بفيروس كورونا في مكان اقامته في النجف الاشرف، وكان من المقربين من الامام الخميني ومحل ثقته، انه وخلال توليه منصب سفير ايران في سوريا، حصل الاجتياح الاسرائيلي للبنان. ومع التقدم الاسرائيلي السريع باتجاه العاصمة بيروت وسقوط مناطق الجنوب واحتلالها، تلقى اتصالا من طهران يخبره بان وفدا رفيع المستوى سياسي وعسكري سيصل الى العاصمة السورية دمشق، ويرغب بعقد لقاء سريع من الرئيس السوري حافظ الاسد. وانه تواصل مع مكتب الرئيس الاسد لتحديد موعد سريع، فكانت الاستجابة سريعة وحدد الموعد في اليوم التالي. 

ويضيف محتشمي بور ان الوفد الايراني الذي وصل الى دمشق ضم في عضويته، وزير الخارجية علي اكبر ولايتي ووزير الدفاع الجنرال محمد سليمي وقائد قوات حرس الثورة الجنرال محسن رضائي والجنرال صياد شيرازي قائد القوات البرية في الجيش الايراني، واحمد متوسليان قائد لواء محمد رسول الله في الحرس وقائد عمليات تحرير خرمشهر، والجنرال غلام علي  رشيدي، ومحسن رفيق دوست عضو قيادة الحرس واصبح لاحقا وزيرا للحرس. 

ويكشف محتشمي بور ان الوفد الايراني الذي استقبل من قبل كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين السوريين، عقد لقاءا مطولا مع الرئيس الاسد استمر لمدة اربع ساعات، اكد فيها الاسد تقديره للاندفاعة الايرانية للمشاركة في عمليات القتال، الا انه اصر على عدم موافقته على الطلب الايراني بنقل قواتهم وفتح جبهة مع قوات الاحتلال، مؤكدا للوفد ان سوريا قادرة على التعامل مع هذه التطورات حسب تقديراتها الخاصة والضرورات الميدانية. 

الاسد ترك الباب مواربا في التعامل مع الايرانيين، فقد احال البحث في التفاصيل، الى اجتماعات تعقد مع الجهات العسكرية والسياسية تحت سقف الموقف الذي حدده. وان الاتفاق الذي حصل بين الطرفين يقضي بنقل القوات الايرانية، تحت اشراف وتنسيق مع القيادة السورية وضمن الاسلوب الذي تحدده. والذي على ما يبدو انه كان في سياق الاستفادة منها، لتحسين شروط الاسد في مواجهة الاسرائيليين وليس لفتح جبهة جديدة كما يريدها الايرانيون. 

الاسد أكد تقديره للاندفاعة الايرانية للمشاركة في عمليات القتال الا انه اصر على عدم موافقته على الطلب الايراني بنقل قواتهم وفتح جبهة مع قوات الاحتلال

ويقول محتشمي بور انه وفي صباح يوم الاثنين في الرابع عشر من حزيران، جاء رفيق دوست وابلغني ان الطائرة الثالثة، التي تحمل المجموعة الثانية من فرقة محمد رسول الله في الحرس التي من المفترض ان تصل الى دمشق هذه الليلة ستكون الاخيرة، ويكون عدد القوات الموجودة في سوريا قد وصل الى 2000 مقاتل، لان الامام اتخذ قرارا بوقف هذا العملية. 

ولعل الاهم في ما يرويه محتشمي بور، ان قرار الامام الخميني جاء بعد ان وصلته الاخبار، بما قام به الوفد العسكري السياسي الذي ذهب الى دمشق، وانهم قاموا بذلك من دون عمله او حتى التشاور والتفاهم معه، خاصة وانه المسؤول الاول عن مثل هذا القرار الاسراتيجي باعتبار القائد الاعلى للقوات المسلحة. 

يعني ان الامام لم يكن على علم بقرار نقل القوات الى سوريا، وانه اصدر اوامره بوقف العملية، مع الاستمرار بعمليات الدعم والمساعدة، على مختلف المستويات، السياسية والعسكرية والتسليحية والمادية، وتدريب المقاتلين والعمل على تنظيمهم في اطر فاعلة، وان الوضع غير مناسب لتقسيم الجهود بين الجبهة مع العراق وفتح جبهة مع اسرائيل، خاصة في ظل صعوبة ايصال الدعم اللوجستي والعسكري والسلاح لهذه القوات، التي من المفترض ان تمر عبر الاجواء العراقية او التركية. 

ويروي محتشمي انه ذهب الى طهران لملاقاة الامام ومعرفة الاسباب التي دفعته لوقف هذه العملية، وان الامام خلال استقباله له روى له قصة ما حصل بين احد “الشبيحة” الذي اعتدى على صاحب حانوت في سوق احدى المدن، وكان العراك على مرأى ومسمع احد الاشخاص، الذي تدخل لمناصرة صاحب الحانوت، واحتدم الصراع بين الشبيح وفاعل الخير، وانتحى صاحب الحانوت جانبا يشاهد، الى ان صاح بالشخصين قائلا “اذهبا وتعاركا في مكان اخر، واتركوني ابحث عن رزقي”. مضيفا هكذا ستكون حالنا اذا ما دخلنا في معركة مع الاسرائيلي هناك.

الرواية التي قدمها السيد ابراهيم امين السيد هي رواية يعارضها ما يقرره ويؤكده ثقة الامام والمسؤول المباشر عن مواكبتها السيد محتشمي بور سفير ايران في سوريا

خلاصة القول ان الرواية التي قدمها الناطق الرسمي باسم حزب الله ورئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم امين السيد، عن ان عملية نقل القوات الايرانية الى سوريا كانت بقرار مباشر من الامام، هي رواية يعارضها ما يقرره ويؤكده ثقة الامام والمسؤول المباشر عن مواكبتها السيد محتشمي بور سفير ايران في سوريا.

واذا ما ذهبنا الى مقولة تعارض الروايات، فمن المنطقي ان تكون رواية محتشمي بور هي الادق، وسواء فيما يتعلق بدور الامام في تلك اللحظة التاريخية او في دوره لاحقا، وان محاولة تفصيل رواية جديدة لا يعني ان تتحول الى حقيقة لا تقبل الشك والنقاش، وان لا تخضع لميزان الجرح والتعديل. خاصة وان الراوي – محتشمي بور هو اقرب للتفاصيل والمصدر، ولم يعترض على روايته من عاصروه او شاركوا في صناعة الحدث. 

لا شك ان تلك المرحلة فيها الكثير من التفاصيل، يحاول صاحب المناسبة، عدم استحضارها، خاصة ما يتعلق بخلفيات موقف الرئيس السوري من المشاركة الايرانية في الحرب مع اسرائيل، وايضا فيما يتعلق برؤية الامام الخميني حول آلية التعامل مع الساحة اللبنانية، قد لا يكون المجال هنا متاحا للحديث عنها، لذلك اقتصرت هذه الورقة عند جزئية فيها ايضا الكثير من الكلام.

السابق
ماذا يحدث لأجسامنا بعد الإصابة بفيروس كورونا «كوفيد19»؟
التالي
بعدسة «جنوبية»: بيروت تجدد ألوانها.. لوحات بعذوبة المكان والزمان!