الحكومة ماتت.. وفرصة اخيرة امام عون وميقاتي!

نجيب ميقاتي و ميشال عون

ما بين تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي عزمهما تشكيل حكومة، وبين معايير وشروط رئيس الجمهورية وتياره السياسي التي نُصبت كمعبر إلزامي لهذه الحكومة، و”اقتناعات” الرئيس المكلّف التي ترجمها بتشكيلة حكومة أفضل الممكن لهذه المرحلة الانتقاليّة، حقيقة ثابتة هي أنّ التعطيل سيّد هذه المرحلة، وانّ الحكومة التي يقولون إنّ حاجة البلد إليها أكثر من ملحّة لتتصدّى لتحدّيات الأزمة وتواكب الاستحقاقات الداهمة وتقدّم ولو الحدّ الأدنى من العلاجات، لن يكون لها وجود في الاشهر الفاصلة عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية آخر تشرين الاول المقبل.ورغم الحديث المتكرّر في أوساط الرّئيسين عن أنّ تأليف الحكومة ما زال ممكناً، وأنّ اللقاء المقبل بينهما ليس مقفلاً على إمكان بناء نافذة أمل تفضي إلى خرق ما في جدار التأليف، فإنّ هذه المقولة، وبحسب معطيات المطّلعين على تعقيدات هذا الملف، تجافي الواقع والوقائع

وفي هذا الإطار، عرض «مصدر مسؤول» لـ«الجمهورية» ما سمّاها رواية «التأليف العقيم» بقوله: «تشكيلة ميقاتي يرفضها عون، وملاحظات عون يرفضها ميقاتي، ولكل منهما أسبابه الجوهرية، ولا اتصالات توفيقيّة بين الرّفْضَين، بل بالعكس توتير سياسي وإعلامي، وهنا تنتهي المسألة. ولذلك لا أحد يتعب نفسه بزراعة آمال كاذبة او وهميّة، فالمسألة لا تحتاج لا إلى تبصير ولا إلى تنجيم، ولا إلى إبحار في التحليلات والتفسيرات، بل تحتاج إلى فانوس سحري يحكّه الحريصون، ليخرج منه مارد أمره مطاع ويفرض تشكيل الحكومة، وهذا الفانوس غير موجود، ولذلك فإنّ الصورة واضحة وقرارهم واضح ومحسوم من البداية، لا يريدون حكومة».

ويجزم المصدر المسؤول نفسه، «أنّ الحكومة ماتت وشبعت موت، وأنا مسؤول عن كلامي»، ويتابع عرضه ما سمّاها «ممهّدات الوفاة» ويقول: «إحتضار الحكومة بدأت تظهر عوارضه في ما إحاط تكليف الرئيس نجيب ميقاتي من مواقف، وصار موت الحكومة يدنو أكثر فأكثر مع الوقائع التي تسارع توتّرها على خطّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، من اللحظة التي قدّم فيها ميقاتي تشكيلته الحكومية إلى عون، وما تلا ذلك من تسريبات وإحياء لشروط ومعايير قُدّمت كـ«ملاحظات»، انّما هي في جوهرها مفصّلة على مقاس طرف سياسي معيّن لم يسمّ ميقاتي في الاستشارات الملزمة، وصولاً إلى حرب البيانات ورفدها بتصريحات ومواقف وتسريبات تصبّ الزّيت على النار».

هذا الوضع، يضيف المصدر المسؤول، «أثار في الأجواء علامات استفهام حول هذا المنحى الهجومي، كما جعل الكثيرين يتحسّسون من مراميه، وخصوصاً انّه عكس إصراراً من قِبل طرف سياسي على أن تكون الحكومة بمعاييرنا، او لا تكون. وأكثر من ذلك، فإنّ هذا المنحى الهجومي، استحضر إلى الأذهان فترة تكليف الرئيس سعد الحريري، حيث انّ الوضع السائد اليوم على خط التأليف، وجه الشبه كبير جداً، إن لم يكن مطابقاً، مع الوضع الذي ساد في فترة تكليف الحريري، التي اصطدمت بالمنطق ذاته والمعايير ذاتها، وطافت بالبيانات والهجومات والاتهامات وبالتجريح السياسي والشخصي».

ولكن، هل المُراد دفع الرئيس المكلّف إلى الاعتذار على ما فعل الرئيس الحريري سابقاً؟ يجيب المصدر المسؤول: «قد يكون هذا الامر معششاً في أذهان البعض، تبعاً للمنطق الحاد الذي يواجهون فيه الرئيس المكلّف في الوقت الغلط، ولا أرى له أي مبرّر. ولكن على ما أنا متأكّد منه، أنّ الزمن اختلف، وما كانت تُسمّى «قوة للبعض» في وقت ما، لم تعد متوفرة بالقدر ذاته، على باب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، حتى لا نقول انّها انعدمت، وبالتالي لا أعتقد أنّ الرئيس المكلّف قبل بالتكليف أصلاً لكي يعتذر، ولا أعتقد أنّه «في زمن تراجع القوّة»، في وارد أن يقبل بأن تُنتزع منه ورقة التكليف، أو أن يُسجّل عليه الرضوخ لمشيئة فريق سياسي يريد إفشاله. فإن تألّفت الحكومة وفق التشكيلة التي قدّمها مع محاولة تدوير زوايا ملاحظات عون، خير، وإن لم تتألف، فخير أيضاً، حيث لن يضرّه ابداً الاستمرار في تصريف الأعمال حتى انتهاء ولاية عون وانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية».

ما ذهب إليه المصدر المسؤول في روايته، يتقاطع مع ما تبلّغه مراجعو مسؤول كبير على صلة مباشرة بملف التأليف، حيث نُقل عنه تأكيده على انّ اللقاء المقبل بين عون وميقاتي، يشكّل الفرصة الاخيرة والحاسمة لتوجّه البوصلة الحكومية، اما في اتجاه التأليف السريع واما في اتجاه ابقاء الوضع على ما هو عليه من تعطيل.

الاّ انّ المسؤول عينه صارح مراجعيه بقوله: «لم يطرأ حتى الآن ما يبدّل تشاؤمي حيال تأليف الحكومة، بل ازددت تشاؤماً جراء «الخربطة المتعمدة» التي تبدّت في المواقف والتسريبات الاستفزازية في اتجاه الرئيس المكلّف».

وعندما سُئل المسؤول الكبير عن تداعيات عدم تشكيل حكومة، سارع إلى القول: «الأزمة وتفاعلاتها تجيب عن ذلك، فلا شك انّ كل يوم يمضي في ظل هذا الوضع، يعني مزيداً من الشلل والاهتراء، والمواطن يدفع أثمان الأزمة، وثمن عدم وجود إرادة جدّية لكسر هذا التعطيل وتشكيل حكومة تقدّم ولو حداً متواضعاً من العلاجات لأزمة عتّمت حياة اللبنانيين بالكامل»

وحول ما نُسب إلى أحد المسؤولين المعنيين بملف التأليف من أنّ «لا مشكل في عدم تأليف حكومة، والبلد الذي انتظر سنوات لبدء العلاجات والاصلاحات، يستطيع ان يتكيّف مع تصريف الاعمال، وينتظر ثلاثة اشهر بلا حكومة». قال المسؤول الكبير: «إن صحّ هذا الكلام، فهو كلام غير مسؤول، البلد لا يستطيع ان ينتظر دقيقة واحدة. «طار البلد، وما عاد في دولة»، واللبنانيون كفروا، وحياتهم اصبحت خراباً وميؤوساً منها، وماذا يمكن للناس ان تتحمّل من مصائب ومصاعب بعد»؟

وفي انتظار انعقاد اللقاء الثالث بين الرئيسين عون وميقاتي مطلع الأسبوع المقبل، دخلت جبهة التأليف في هدنة، بعد التراشق السياسي والاعلامي وتبادل كرة التوتير، الذي سمّم أجواء التأليف، و«شوّش» العلاقة بين الشريكين، الّا انّ المهم في رأي المواكبين لملف التأليف، ان تثمر هذه الهدنة في لقاء الرئيسين المقبل تفاهماً على حكومة، وغير ذلك يعني انّ الهدنة مؤقتة، وسيبقى معها باب التصعيد مفتوحاً على مصراعيه.

وبحسب هؤلاء المواكبين، انّ الخيارات ضيّقة جداً أمام الرئيسين، لأنّ الوقت صار أضيق من أن يتسع لأي مناورات او مماحكات. مشيرة إلى انّ امام عون وميقاتي مجموعة خيارات:

الاول، إمّا السير بتشكيلة ميقاتي كما قدّمها إلى رئيس الجمهورية. وهو خيار رفضه عون.

ثانياً، وإما أخذ الرئيس المكلّف بالملاحظات والمعايير التي قدّمها الرئيس عون على التشكيلة، مع تطعيمها بستة وزراء سياسيين. الّا انّ لميقاتي ملاحظات عميقة على ملاحظات عون ومعاييره.

ثالثاً، وإما التفاهم على إعادة الحياة لحكومة تصريف الاعمال، وتقديمها بأسمائها جميعهم ضمن تشكيلة جديدة، وتصدر مراسيمها على هذا الأساس، وهو الامر الذي يضمن لهذه الحكومة ثقة مسبقة من قِبل مختلف اطرافها.

رابعاً، وإما التفاهم على «فشل حبي»، يتعذّر معه تشكيل حكومة جديدة، ويبقي الحال الحكومي على ما هو عليه من تصريف أعمال حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

السابق
معركة الرئاسة فُتحت على مصراعيها.. وفرنسا على الخطّ!
التالي
اعترضتهم القبة الحديدية.. هذا ما حصل في إسرائيل ليلًا!