شارع الحمراء يفتقد روحه.. وظلال الأحبة!

شارع الحمرا

الى أين أذهب في هذا الصباح؟
شارع الحمراء مكسور الخاطر ، ضيّق الأنوار.
“شيه اندريه” مُقفل.
“الويمبي” ، “المودكا” ، “كافيه باري” ..وبقية مقاهي (الجنّة) مُعطّلة.
“مسرح البيكاديللي” ميت من زمان..
لا مسارح ، لا دور سينما ، لا ملاهي، لا حانات تشدّك الى (أحضانها!) …
الرصيف غير موجود،حذفه الشذّاذ..
واجهات المحال بعيون معتمة.
اشارة المرور مثل قناديل زيت فارغة!

اقرا ايضا: احمد بيضون ينعى شوارع العاصمة المُفلِسة..الحمرا ومحالها ومصارفها يعلوها الغبار!


الصبايا الجميلات خارج المكان،
وأجمل امرأة عرفها شارع الحمراء قيل أنها انتحرت..؟!
فإلى أين أمضي في هذا الصباح،والى أين أذهب هذا المساء؟
ودخلتُ في شارع الحمراء، فلم ألحظ الأحمر الخمري في عيون المكان.لم ألحظ الشمس الوارفة على فلول المساء.لم أسمع خبط ظلالهم، أولئك الذين كانوا روح المقهى وسطور الحضور.
عبرتُ ومررت وحدّقت حتى تعبت ولم الحظ قامتي ولا ظلال الأحبة والاحباب. لا شتاء في عز البرد والغيوم، والشمس في غير مهمتها ووظيفتها .لا (الويمبي) ظهر ولا (المودكا) لوّح ولا (مقهى باريس) تكلم أو نطق.كل حانة ، كل متجر، كل مطعم في جمر الحضور بل رماد الظهور. لا سينما ولا مسرح ولا صالة امتدت في أرض الحمراء. كل ما ظهر وبان لناظري، امامي عيني وفي روحي، كل الذي ظهر وبان كان نقطة برد في فم يعضُّ على قمر مستحيل. ولم ألمح ظلاً ، في جهاتي الاربع ، لا عن يميني ولا وعن يساري، لا أمامي ولا ورائي، كل ما لمحته كانت ظنوني المبتورة. ظننت انني في صحراء بلا بادية، تلمست دخان الحنين ، وجريدة ملقاة على الرصيف ، وبائع ضجر وتبغ يعدّ الحياة بعينيه ولا ينتحر. كثرت النراجيل، ومئات من الشحادين ، جيش من شذاذ الزمن ملأوا أرض الروح .. تابعت سيري وعبوري ولم ألحظ نزيه خاطر ولا عصام محفوظ ولا عصام عبدالله ولا محمد عبدالله ولم ألحظ جوزف حرب يقطع الشارع عائدا الى بيته، لم ألحظ زياد الرحباني يمشي منتشيا الى حانته في (شيه اندريه)، لم ألحظ ماجد افيوني ولا ابراهيم مرعشلي ولا علي دياب ولا عصام رجي في (كافيه باريس)، كلهم غابوا،ماتوا واختفت مقاعدهم وظلالهم.
تابعت عبوري ولم ألحظ حانة الموصلي ولا الحانات المنتشرة في زوايا الشارع العريض، لم ألحظ سكان المقهى الدائمون، لا أكرم الأحمر ولا سيف الرحبي ولا صباح خراط زوين ولا ايمان ولا فادي أبو خليل أو خالد الهبر، أغلبهم في خبر غياب، وأكثرهم في خبر موت. ضحكة منى السعودي تبخرت، غضب صفوان حيدر تلاشى، زقزقة عبدالامير عبدالله خمدت، لم ألحظ يعقوب الشدراوي باحثا عن ومضة ولمعة حضور على الخشبة. زمن غسان تويني جريدة النهار في اول الشارع زمن مهدور مشلول لا حروف ولا كلمات ترسمه، جريدة السفير وطلالها بقفلٍ صلد صخري جارح، ولم ألحظ شاعرا من شعراء الجيل الاخير،كلهم تواروا أو اغتربوا ، لكني لحظت بول شاوول،تتبعته ورأيته بصمته المسؤول والمهموم يشعل سيجاره مرات ومرات ولا حرارة تدب ولا دخان منه سوى نظرة بنظرات غاضبة وحزينة. لم ألحظ عادل فاخوري لم تتحرك قصيدته الالكترونية، ولا أدونيس يمشي كمن يهرب من المعجبين، لم ألحظ انسي الحاج يتسلل بين المارة كخائف من سوط المعجبين،لكني رأيت شوقي بزيع يطارد الجميلات بخطواته الراقصة ونظراته الطيبة،لم ألحظ سوى غيوم على الدرب مرمية كورد معطوب.
في نهاية الشارع عند تقاطع السادات ثمة تعب ما يشبه الحائط أو السور الفاصل بين عذابين. فاستدرتُ وبدأت خطواتي من جديدي الى الحمراء وشارعها، علّني أعثر على ما أتمناه، سرت وسرت وعبرت ولم ألحظ نضال الاشقر بضجيجها الفاتن المعهود، لم ألحظ سمير الخليل ولا جوسلين صعب ولا سهام ناصر، لم ألحظ علوية صبح تعبر ولا ليلى بركات، ليلى تركت بيتها في اول شارع الحمراء بعدما فقدت امها وابيها، تشردت الى حيٍّ مجاور، لم ألحظ جوقة الشعراء حول محمد الماغوط في الويمبي..شعراء كثر لم يعبروا، رسامون لم يعبروا،أمين الباشا، وجيه نحلة،فؤاد جوهر، وليد غلمية وتوفيق الباشا..كلهم ماتوا،وآخرهم (توفى قبل أيام قليلة) حسّون شارع الحمراء الشاعر حسن عبدالله ، خسرهم شارع الحمراء.
أمشي أمشي ولا اعثر على المكان العظيم الذي غنت فيه فيروز وأطل منه الرحابنة ، لم أجد (البيكاديللي) لا عاصي ولا منصور ولم يظهر رصيف المسرح الحاشد،اختفى.
لم ألحظ بائع اليانصيب ولا ماسح الاحذية امام صندوقه النحاسي المهيب ، اختفت ابتسامة المكان والزمان، وحل حزن اللحظات الهاربة..وتذكرتُ “اللحظة الهاربة” لغادة السمان وضحكتها المدوزنة على رصيف “الهورس شو”،أين أنت الآن يا غادة؟
عبور في تقاطع الزمن، أدوخ وأرتمي على ضفة ذاكرة ، لا تمحوها حروب “داحس”، وأرى زيزفون المدينة يعاود الارتعاشة، وقوس قزح الحمراء وشارعها في خبر جنون..كوكتيل من الألم المكثّف والمتعة الضخمة، وظلال الأحبة صومعة الغياب..!

السابق
بالفيديو.. الشيخ طفيلي يقصف جبهة «حزب الله»: لبنان يتعرض لعملية دمار بقيادة ايران!
التالي
أحمد نبيل ضيف شرف بحبك لـ«تامر حسني»