احمد بيضون ينتقد التحولات الإجتماعية الريفية..قرانا فقدت التواضع وإحترام الحرية الشخصية!

مشاعات الجنوب

يسلط الباحث والمؤرخ الدكتور أحمد بيضون في منشور على صفحته في “الفايسبوك” الضوء على التحولات الاجتماعية التي اصابت الريف وقراه وخصوصاً لجهة التواضع وعدم التفريق بين الناس ومهنهم ووضعهم الاجتماعي والمادي وحترام الحريات الشخصيات، حيث تحولت القرى الى عالم اكثر إيلاماً وتجهماً واقل احتراماً للاخرين وحريتهم الشخصية.

وكتب بيضون يقول :”قبلّ قليلٍ استذكَرنا، زوجتي عزّة وأنا، عهداً كانت أريافُنا فيه أقلَّ نبذاً للبشَرِ… أقلَّ ميلاً إلى ازدراءِ هذه أو تلكَ من المهَن أو من الأحوالِ التي تُدْرِجُ من تُصيبُهم في أقَلًيّةٍ ما.

كان يسعُ الكُندرجيّ مهما يكن تواضعُ حالتِهِ المادّيّةِ أن يكونَ وجيهاً في عائلتِهِ أو في شَطٌرٍ منها

كان يسعُ الكُندرجيّ، مثّلاً، مهما يكن تواضعُ حالتِهِ المادّيّةِ، أن يكونَ وجيهاً في عائلتِهِ أو في شَطٌرٍ منها وكانَ يسَعُ “الزعيمَ” الممتّعَ بولاءِ جانبٍ من أهالي المنطقةِ، أن يكونَ أقربَ إلى الفقر.

ولم يكن ثمّةَ استغرابٌ لصداقةٍ تنشأُ في المدرسةِ، مثلاً، بينّ ابنِ الزبّالِ وابنِ الزعيم. وكانَ ذوو العاهاتِ ممتّعينّ بمحبّةِ الأصِحًاءِ واستعدادِهم للمساعدةِ على أنواعِها. وإذا حصَلَ أن تعرّضت عاهةٌ ما (التأتأةُ مَثَلاً) للسُخريةِ فإنّ هذه نفْسَها كانت تدخُلُ في بابِ الفُكاهةِ ولا تخلو من الموَدّة.

وكانت المثليّةُ أيضاً موضعَ تندًُرٍ ولكنّ التندّرّ لم يكن يفضي إلى استبعادِ المثليِّ من مهنةٍ ما ولا من التردُّدِ على جيرانِهِ وترَدِّدِهم عليه ومن مخالطةْ الأهالي عُموماً.

لم يكن ثمّةَ استغرابٌ لصداقةٍ تنشأُ في المدرسةِ مثلاً بينّ ابنِ الزبّالِ وابنِ الزعيم

صحيحٌ أنّ من كانَ يوصَمِ ب”الجِنونِ” كانّ يصبِحِ عرضَةً لقسوةِ الأطفالِ وأذاهُم، ولكنّ الراشدينَ كانوا يردًونّ عنهُ الأذى.

كانَ ثمّةَ شيءٌ من الحطّ يلحقُ بمكانةِ المرأةِ التي تصبحُ خادمةً لبيتٍ واحد. لم يكن الحَطُّ يحصُلُ بالضرورةِ من جانبِ أهلِ البيتِ المخدومِ ولكنّهُ كانَ يُداخِلُ النظرةَ العامّة. أيضاً: لم يكن الحطُّ يصيبُ امرأةً تخبزُ لبيوتٍ عدّة، مَثّلاً. وفي هذا إشارةٌ بليغةٌ إلى تمييزٍ في تقديرِ ما هو حرٌّ من الأعمالِ وما ينطوي على تبعيّةٍ شخصيّة: الخادمةُ تابعةٌ فيما الخَبًازةُ والكندرجيُّ والحرًاثُ أصحابُ مهنٍ حُرّة.

إقرأ ايضاً: يُفكك السيارات الى قطع غيار وخردة..«حرامي المرسيدس» في قبضة «المعلومات»!

هذا ولم يكن الإزراءُ يحصُلُ من جرّاءِ الالتحاقِ بخدمةٍ عامّةٍ، أي بالدولةِ أو ببعضِ ملحقاتِها، كأن يكونَ الشخصُ معَلِّماً في الرسميّْ أو شرطيّاً بلدْيًاً مَثّلاً. بل العكسُ أقربُِ إلى الصوابِ خصوصاً وأنً الوظيفةّ العامّةّ لم تكن تُخْرِجُ الموظّفَ من شبكةِ العلاقاتِ الأهليّةِ وهو ما كانَ يِسيءِ، من بعضِ الوجوهِ، إلى استقامةِ ممارستِها.

يطولُ بنا الحديثُ إن حاولنا مقارنةَ ما كانَ عليهِ أهلُ الأريافِ قبلَ خمسينَ سنةً بما انتهوا إليهِ اليومّ، بعدَ ما جرى لهم من هجرةٍ وحروبٍ ومليشياتٍ و”حداثاتٍ” أخرى. الأمرُ المؤكّدُ، على التعميم، أنّ شيئاً من فكاهةِ الماضي ومن الخفّةِ والمودّةِ في تدبُّرِ الفوارقِ بينّ الناسِ قد فِقْد وأنّ احترامَ الحرّيّةِ الشخصيّةِ قد تضاءَلَ من جهةٍ وتعزّزَ من جهةٍ بحيثُ باتت له خريطةٌ مختلفة… وأنً عالمَ بلداتِنا وقُرانا قد أصبّحّ أثقلَ وطأةً وأشَدَّ تجهًُماً”.

السابق
يُفكك السيارات الى قطع غيار وخردة..«حرامي المرسيدس» في قبضة «المعلومات»!
التالي
خاص «جنوبية»: «العز» للـ50 ألف..والـ100 «شنقت حالها»!