25 ايار 2000 _2022.. «نعمة» التحرير تتحول الى «نقمة»!

عيد التحرير
بعد 22 عاما على تحرير الشريط الحدودي في جنوب لبنان، وهو التعبير الذي كان يُطلق على ما تبقى من مدن وقرى محتلة من قبل جيش العدو الاسرائيلي ومليشيا جيش لبنان الجنوبي التابعة له، ظهر اليوم ان فرحة اللبنانيين الغامرة تحوّلت الى خيبة أمل كبيرة، وهم يراقبون اليوم بلدهم ينهار ويتحلل اقصاديا وسياسيا واجتماعيا. فكيف وصلت الامور الى هذا الدرك؟ ومن أساء استثمار نصر التحرير عام 2000 ليتحول تدريجاً الى هزيمة عامة للوطن؟

تزامنت مناسبة تحرير القسم الجنوبي المحتل وانسحاب القوات الإسرائيلية منه في 25 أيار عام 2000، مع وفاة الرئيس السوري التاريخي حافظ الاسد الذي وافته المنية في  10 حزيران 2000، ليخلفه نجله بشار الاسد، ويسدل بذلك الستارة عن المرحلة الاولى من مشروع الشراكة السياسية في لبنان بين سوريا وايران، والتي قضت بتحويل “المقاومة” من لبنانية وطنية عامة الى حزبية مذهبية خاصة باحتكار وادارة حزب الله، ولتصبح بعدها ورقة من اوراق التفاوض القوية مع الغرب لصالح النظامين، الاسلامي الشيعي في ايرن وحليفه البعثي العسكري في سوريا. 

اغتيال الحريري والانسحاب السوري 

ولما كانت الذريعة السورية المعلنة، ان وجود سوريا في لبنان هو مقابل الاحتلال الاسرائيلي لجنوبه، فقد بدأ تحرك دولي ومحلي ضاغط من أجل تنفيذ اتفاق الطائف الذي ينص على انسحاب سوريا إلى البقاع، وفي 30 نيسان 2001 تم انشاء تجمّع قرنة شهوان بدعم من البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وطالب حينها بخروج القوات السورية من لبنان بشكل كامل. 

وجاء الدعم العربي في 28 اذار عام 2002 مع  انعقاد مؤتمر القمة العربية في بيروت  واعلان الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز مبادرة بيروت للسلام بين الدول العربية واسرائيل، ليتبعه الدعم الدولي في  ايلول عام 2004 مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 المطالب بانسحاب جميع القوات المسلحة من لبنان. 

من أساء استثمار نصر التحرير عام 2000 ليتحول تدريجاً الى هزيمة عامة للوطن؟ 

الرد السوري جاء سريعا في  تشرين الثاني2004 عن طريق اجبار النواب اللبنانيين، على تمديد ولاية رئيس الجمهورية الموالي لدمشق اميل لحود لمدة ثلاث سنوات، وليضرب بعدها الحياة السياسة اللبنانية زلزالا مدمرا أعاد لبنان عقودا الى الوراء مع اغتيال رئيس وزرائه السابق رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005. 

لم يشك اللبنانيون لحظة بمسؤولية سوريا عن اغتيال الرئيس الحريري، ولكن المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها احد ان فريق الاغتيال الذي نفذ مباشرة عملية التفجير واستهدف موكب الحريري وقتله مع 18 شخصا، كان تابعا لحزب الله حسب تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي انشئت عام 2007، ليتعمق بعدها الانقسام في لبنان بين تحالف احزاب 8 اذار الموالي لحزب الله وسوريا، وتحالف 14 اذار المدعوم من المجتمع الدولي والذي يدعو الى تطبيق القرارات الدولية وتسليم حزب الله سلاحه، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وتعاظم الضغط المحلي والدولي على سوريا، فانسحب الجيش السوري من لبنان نهائيا في 25 نيسان 2005. 

عيد التحرير
عيد التحرير

 وجاءت تسمية مسؤولين عسكريين كبار من قبل المحكمة الدولية، وقياديين تابعين لحزب الله متهمين بعملية الاغتيال لتدحض الشك باليقين، ولتفقد المقاومة التي يحتكرها حزب الله شرعية الاجماع اللبناني عليها، بعد ان تحولت من حركة مسلحة ضد العدو الاسرائيلي الى تنظيم مسلح مسؤول عن قتل المعارضين للمحور السوري الايراني في لبنان، خصوصا مع تصاعد عمليات الاغتيال السياسي لتشمل عشرات السياسيين والاعلاميين الكبار المناوئين له منهم: الصحافيان سمير قصير وجبران تويني ورئيس حزب الكتائب النائب بيار الجميل وامين عام الحزب الشيوعي الاسبق جورج حاوي، والوزير محمد شطح الذي كان ابرز مستشار لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري، والأخير خلف والده، وحاول ان يقيم شراكة وطنية مع حزب الله وحلفائه رغم كل الصعاب، ولكنه فشل بسبب نزعة الهيمنة الاحادية التي تتحكم بالعمل السياسي لمعسكر الحزب وحلفائه. 

حرب 2006 تعزز هيمنة حزب الله 

 حاجة حزب الله الى تحويل الانظار نحو عدوّ خارجي، لفك الحصار الدولي عنه واعادة الشرعية لسلاحه جعله يتوجه بانظاره نحو الحدود الجنوبية، فتخطت مجموعة كوموندوس تابعة له الحدود وخطفت 3 جنود اسرائيليين دون سابق انذار، والهدف المعلن هو مبادلتهم بالاسير اللبناني سمير القنطار المحتجز في سجون اسرائيل منذ سبعينات القرن الفائت، وكان انضم الى احدى المنظمات الفلسطينية ونفذ عملية عسكرية في الجليل المحتل شمال اسرائيل. 

حاجة حزب الله الى تحويل الانظار نحو عدوّ خارجي، لفك الحصار الدولي عنه واعادة الشرعية لسلاحه جعله يتوجه بانظاره نحو الحدود الجنوبية

اندلعت في 12 يوليو (تموز) من عام 2006 حربا شرسة بين “حزب الله” اللبناني وإسرائيل استمرت 34 يوما، ودارت في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في الجنوب والعاصمة بيروت،واستهدف “حزب الله” القوات الإسرائيلية في شمال إسرائيل، ومناطق الجليل، وانتهت الحرب بعد دخول قرار مجلس الأمن الدولي 1701 حيز التطبيق القاضي بـ”وقف القتال” وتطبيق القرار 1559 وقد ذهب ضحية الحرب  نحو 1200 لبنانيا، اضافة الى دمار هائل في الممتلكات الخاصة والبنية التحتية. 

عيد التحرير
عيد التحرير

حزب الله الذي تجاهل وما زال تطبيق القرارات الدولية سعى بعد حرب تموز 2006   الى ترسيخ معادلة جيش شعب مقاومة، وفرض ادراجها في البيانات الوزارية اللاحقة، متملصا بذلك من المطالب الدولية الحثيثة التي تطالبه بتسليم سلاحه. 

7 أيار تعرّي “المقاومة” 

وفي 7 مايو (أيار) 2007، وإثر صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير، اندلعت مواجهات مسلحة بين عناصر من “حزب الله” من جهة وتحالف 14 آذار من جهة ثانية أبرزهم تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. وبدأت الاشتباكات في بيروت وامتدت الى جبل لبنان، لتوقع 100 قتيل من الطرفين في اسبوع. 

يتراجع الحزب مترقبا فيما يخشى معارضوه ان يعود لنغمة الضغوطات والتحديات فيزعزع ذلك  الاستقرار مجددا

في نهاية الشهر نفسه ، انتخب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية اثر اتفاق تم التوصل اليه بين اللبنانيين في الدوحة للحد من النزاعات، وذلك من اجل اعادة الشراكة الوطنية وانهاء المعارك في بيروت، فتشكلت حكومة وحدة وطنية وتجاهل اتفاق الدوحة سلاح حزب الله، ووجوب تطبيق القرارات الدولية فاستغل حزب الله ذلك من اجل تأبيد سلاحه، وتفريغ جلسات الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية التي كانت تجري بين اقطاب السلطة من مضمونها. 

عيد التحرير
عيد التحرير

حزب الله والحرب السورية 

بدأ “حزب الله” الموالي لإيران تدخله الفعلي والرسمي في الحرب الأهلية السورية عام 2013 ليشارك الى جانب نظام الأسد بالمعارك ضد المعارضة. 

وقد نشر تقرير دولي يتهم حزب الله بارتكاب جرائم حرب في سوريا، كما نددت العديد من الدول العربية والعالمية بمشاركة الحزب اللبناني في دعم بشار الأسد ونظامه القمعي. 

زاد تدخل الحزب في سوريا من حدة الانقسامات داخل المجتمع اللبناني نفسه أيضا

وقال مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقتها أن تدخل “حزب الله” في سوريا يعرقل “جنيف 2 “، وأعرب عن قلقه من انعكاسات الأزمة السورية على الأوضاع في لبنان. 

كما زاد تدخل الحزب في سوريا من حدة الانقسامات داخل المجتمع اللبناني نفسه أيضا، وطالب تحالف ١٤ اذار الذي كان يشكل الاكثرية الاكثرية النيابية والوزارية بوقف تدخله ولكن دون جدوى، فزاد هذا التخل من عمق الشرخ بين اللبنانيين حول سلاح حزب الله. 

ثورة تشرين تحجّم حزب الله 

بعدما دخل البلد في فترة فراغ رئاسي لمدة سنتين ونصف السنة، انتخب البرلمان في 31 أكتوبر 2016 رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون رئيساً للجمهورية، وذلك بضغط مكثف من حزب الله الذي اعلن بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري، تعليق جلسات البرلمان ومقاطعة مجلس الوزراء حتى انتخابه، وهو ما تم في تشرين عام 2016. 

الاستقواء بقوة السلاح واستثماره في السياسة، الذي عده حزب الله انتصارا  سرعان ما ارتد عليه سريعا وتمثلا فشلا ذريعا لعهد الرئيس عون

هذا الاستقواء بقوة السلاح واستثماره في السياسة، الذي عده حزب الله انتصارا  سرعان ما ارتد عليه سريعا وتمثلا فشلا ذريعا لعهد الرئيس عون، بعد ان قام الحزب ومحوره الخارجي باستهلاكه عن طريق الانحياز لمواقفه المؤيدة لمعسكر ايران في المنطقة العربية، ففقد لبنان الدعم الدولي والعربي، ثم بدأت الازمات الاقتصادية فتسببت بثورة 17 تشرين عام 2019، وسقطت حكومة سعد الحريري، وكان لوقوع انفجار 4 آب 2020 الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت ودمر ربع المدينة، وقتل 250 موطنا، اثره في تأجيج  المشاعر ضد حزب الله وسلاحه ومنطق تذرعه بالمقاومة ضد اسرائيل للحفاظ عليه، وذلك مع الكشف ان سبب هذا الانفجار المدمر هو مادة نيترات الامونيوم المخزنة للاغراض العسكرية في المرفأ، فوُجهت الاتهامات الشعبية والاعلامية لحزب الله، وسط تقارير محلية واجنبية قالت ان وجهة النيترات المخزنة، هي لدعم النظام السوري في حربه ضد فصائل المعارضة. 

عيد التحرير
عيد التحرير

واليوم اذ تحلّ ذكرى تحرير الجنوب في 25 ايار، بعد اسبوع على فرز صناديق الاقتراع في لبنان التي خُصصت للانتخابات النيابية، وهي اظهرت تراجع تمثيل حزب الله وحلفائه وفقدانهم الاكثرية النيابية، مع دخول 13 نائبا من كوادر ثورة 17 تشرين، توحدوا حول شعار حصر السلاح بيد الدولة. 

 يتراجع الحزب مترقبا، فيما يخشى معارضوه ان يعود لنغمة الضغوطات والتحديات العسكرية فيزعزع ذلك  الاستقرار مجددا، مع العلم ان تيارا عريضا من اللبنانيين يعوّل على هذه المناسبة الجامعة، التي زرعت الفرح والزهو بالنصر على العدوّ في 25 ايار عام 2000 ان تعود روحها الوطنية مجددا لتوحّد لبنان من جديد. 

السابق
البخاري مفاخراً بإنجاز في وقت قياسي
التالي
بعدسة «جنوبية»: استكمال ازالة البلوكات من محيط مجلس النواب