البخاري مفاخراً بإنجاز في وقت قياسي

وليد البخاري

أطلق الكلام الصريح والعالي النبرة للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري في مناسبة ذكرى اغتيال المفتي حسن خالد مفاجأة وسيلاً من التكهنات على خلفية أن الديبلوماسي السعودي الذي اعتاد التغريد بأبيات شعرية أو بعبارات مأثورة غالباً ما تتعدّد معانيها أو مقاصدها، وكذلك الصدى المقصود لدى اللبنانيين، تحدث بصراحة ومن دون قفازات ديبلوماسية عن الانتخابات النيابية ونتائجها.

قال البخاري: “نزفّ للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرفة وسقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية”. المقاربة بدت مفاجئة انطلاقاً من أن الديبلوماسية السعودية تظهر تحفظاً أكثر بكثير من بعثات ديبلوماسية عدّة لا تجاهر برأيها الصريح، أقلّه بالعلن، عن الواقع اللبناني وسياسييه، على رغم أنه لا يغيب عنهم ما يتصف به السياسيون اللبنانيون ولا ممارساتهم المعروفة.

اقرأ أيضاً: الثلاثة الكبار وآخرون يرسمون الفاصل بين شيعة لبنان وإيران

وهذه المقاربة يقول سياسيون إنها أكثر عدائية (ليس من كلمة عداء بل ترجمة للكلمة الغربية more aggressive) بما يعنيه ذلك من ترجمة لانخراط أكبر في التعبير عمّا تراه هذه الديبلوماسية صائباً أو لا في مقاربتها للوضع في لبنان، وعدم الاكتفاء بالتلقّي في ظلّ حملات من “حزب الله” وحلفائه على المملكة وسياستها بل إلى المبادرة كذلك.

وفي العبارة اللافتة جدّاً، لفت اعتبار السفير السعودي أنّ “نتائج الانتخابات مشرفة” وهو يترجم ارتياحه لها في الوقت الذي بادر البعض من السياسيين إلى انتقاد مسبق لجولات السفير أو زياراته لبعض المناطق أو بعض المرشحين، وقد رأوا في ذلك انخراطاً سعودياً معنوياً أو مالياً يمكن أن يخربط بعض المعادلات التي يضعونها أو يتوخونها. ولا تزال تعليقات رئيس التيار العوني جبران باسيل على هذا الصعيد في ظلّ التوقعات الاستباقية بالخسارة الكبيرة له ولتياره أكثر ما لفت في ظل مخاوفه من دعم سعودي لخصومه قد يرجح كفتهم في الانتخابات تماماً كما حصل في الواقع.

ولكنّه وحين أشار إلى زيارات السفير السعودي، فإنما أراد أن يشير أيضاً إلى قوة إقليمية داعمة لهؤلاء وتحاربه كما سبق أن قال، وقد وضع في سلة واحدة المملكة السعودية إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة في شنّ حرب عليه لإسقاطه، وذلك في إطار استدراكه وتبريره الأرقام المتراجعة له في بلدته بالذات كما الأرقام المتراجعة لتياره في لبنان ككلّ.

عدم تحقيق “حزب الله” انتصارات في العاصمة بيروت كما في طرابلس بالاضافة الى صيدا في ظل تكهنات بان تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي سيخدم الحزب، فيما يحمّل كثر المسؤولية ضمناً إلى المملكة وكذلك الأمر بالنسبة إلى انسحابها ديبلوماسياً من لبنان بعد كلام الوزير السابق جورج قرداحي، وعملانياً قبل ذلك بكثير، يراه السياسيون المعنيون مناسبة محقّة للاحتفال السعودي بنتائج الانتخابات والترحيب بها بحماسة. إذ إن الخسارة المحتملة كانت لتوضع أيضاً في خانة المملكة نتيجة وضع صعب أصبحت عليه الطائفة السنية بحكم اعتبارات متعددة أبرزها وجود مقاربات سعودية وخليجية جديدة ومختلفة عن السابق طاولت دولاً عدة وليس لبنان وحده. ولكن الأخير وفي ظلّ التوازنات الطائفية وطموح طهران لتوسيع نفوذها وتثبيته في عواصم عربية تقول إنها باتت تحت سيطرتها ومنها لبنان، فقد الكثير من توازنه بالابتعاد الخليجي عنه والمعطوف على فساد وسوء إدارة شكا المجتمع الدولي بأسره من ترسخه في الواقع اللبناني.

وقد شكك كثيرون في إمكان عودة سفير المملكة وسفراء خليجيون اخرون مع بداية شهر رمضان في استلحاق القدرة على تحقيق أو إنجاز أي مسعى يمكن أن يساهم في ضبضبة الوضع السنّي ولملمته لكي لا يقع كثمرة ناضجة في حضن “حزب الله” قبل موعد الانتخابات، فيما يمكنه المفاخرة بأن نشاطه الكثيف في بيروت وسواها قد أعطى ثماره في وقت قصير جدّاً. لا بل أن سقوط حلفاء الحزب دروزاً أو سنّة، وحتى من المسيحيين، إضافة إلى تراجع الحليف المسيحي الأساسي الذي بذلت جهود لتعويمه يشكل مناسبة أيضاً للاحتفاء بنتائج الانتخابات، فيما أن المقارنة بين خطابات مسؤولي الحزب قبل الانتخابات عن حرب تموز جديدة والنتائج التي أسفرت عن خروج غالبية حلفائه من الطوائف الأخرى والذين كانوا يشكلون صماماً دفاعياً متقدماً تظهر بوناً شاسعاً بين ما كان منتظراً وما حصل فعلاً.

الانخراط الإيجابي الذي اضطرّت إليه الديبلوماسية السعودية في الربع الأخير قبل الانتخابات يعول عليه السياسيون المعنيون من أجل البناء عليه للاستنتاج أن هناك رغبة في عدم ترك لبنان لقمة سائغة للنفوذ الإيراني في وقت يساهم التوازن الجديد في اكساب المملكة ورقة تفاوض معززة في الحوار الجاري مع إيران. والاستثمار الناجح في ما حصل يفترض عدم الوقوف عنده بل المضي في تدعيمه في المرحلة المقبلة لا سيما في امتلاك أوراق مؤثرة إن في موضوع رئاسة الحكومة المقبلة أو في رئاسة الجمهورية كذلك. وهذا لن يعني حكماً كما يؤكّد مطلعون عودة إلى المقاربة السعودية سابقاً، بل إنه عرض أثبت قدرتها على التأثير متى تدخلت.

وستكون المرحلة المقبلة رهناً بما يستطيعه التغييريون الذين دخلوا بقوة إلى مجلس النواب الجديد في الدفع إليه في ظلّ مرحلة كباش لن تكون سهلة على خلفية هذه الاقتناعات في المشهد السياسي الكبير ككلّ.

السابق
«ولعِت».. «حزب الله» يصف السفير السعودي بالـ«وقع»!
التالي
25 ايار 2000 _2022.. «نعمة» التحرير تتحول الى «نقمة»!