لهذه الأسباب يريد حزب الله أن تكون الحكومات توافقية…

بيئة "حزب الله"

بداية لا بد من التذكير او التعريف بان النظام اللبناني هو نظام ديموقراطي برلماني، وبناءً عليه فالاغلبية البرلمانية تحكم.. والاقلية البرلمانية تعارض.. وللدلالة نستشهد بالانتخابات الرئاسية عام 1970.. حين فاز الرئيس المرحوم سليمان فرنجية بفارق صوت واحد.. على الرئيس المرحوم الياس سركيس.. وكانت النتيجة حينها (50-49).. ولم يعترض اي من النواب على ان هذا المرشح او ذاك هو الاقوى في طائفته او ان النتيجة لا تمثل مزاج المسيحيين او المجلس النيابي..؟

واوضح ممارسة للممارسة البرلمانية الديموقراطية..هي في شكل الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس وزراء مكلف.. حيث يقوم بها رئيس الجمهورية، ويتم الالتزام بنتائجها.. والا لما كان من ضرورة للاستشارات.. حيث كان يكفي اجتماع رؤوساء الكتل النيابية والاتفاق على اسم الرئيس.. وابلاغ رئيس الجمهورية بذلك دون حاجة لهدر الوقت .. والتظاهر او الايحاء باجراء استشارات نيابية ملزمة..

اقرأ أيضاً: ديفيد هيل: «حزب الله الميليشيا» لم «يُهزم» بعد..ولبنان مُقبل على حالة من الشلل التام!

ثم إنه كيف يعقل ان يشارك فريق سياسي نيابي لم يوافق على تسمية الرئيس المكلف سواء بالامتناع او بتسمية شخصية اخرى.. في تشكيل وتركيبة الحكومة وتسمية الوزارء ووضع فيتو على هذا او ذاك.. وتعطيل التشكيل تحت ذريعة الميثاقية التوافقية..؟

ثم إن تشكيل حكومة توافقية تضم الاضداد والمتناقضات.. والقوى السياسية المتعارضة تجعل من البيان الوزاري .. مجرد قصاصة ورق لا قيمة لها.. لانها لا يمكن ان تتضمن خطة حقيقية ترسم مسار الحكومة ودورها… طوال فترة حكمها..

وقد شاهدنا هذه الحكومات التوافقية التي تم تشكيلها بعد اتفاق الدوحة عام 2008.. وما تعرضت له.. وكيف كان اداؤها..

لم تتشكل الا بعد اشهر من المد والجزر.. وتضييع الوقت وهدر المال العام وتعطيل الحياة السياسية..

حكومة سعد الحريري الاولى تم اسقاطها، باستخدام الثلث المعطل والوزير (الملك).. مما يعني ان اداة التعطيل تكمن داخل الحكومة، وان البيان الوزراي لم يكن له قيمة، ثم ان وجود التناقضات والمتناقضات داخل مجلس واحد يقود الى الفشل والانهيار..

حكومة الرئيس الميقاتي التي خلفت حكومة سعد الحريري، كانت توافقية بالشكل ولكنها حكومة حزب الله بالمضمون، ومع ذلك فشلت في حماية حياد لبنان وتطبيق سياسة النأي بالنفس.. واقتصر دورها على تغطية ممارسات حزب الله وتورطه في الحرب على العالم العربي..

حكومة الرئيس تمام سلام التوافقية كانت مجرد حكومة تصريف اعمال لا اكثر.. ولم تستطع انجاز شيء.. وكانت مهمتها تغطية الفراغ الرئاسي الذي استمر اكثر من سنتين ونصف. بذريعة انتخاب الرئيس القوي في طائفته.. فلماذا لم يكن انتخابه حينها توافقيا ايضاً….؟؟؟

حكومات سعد الحريري التي تم تشكيلها بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، كانت توافقية، وقادت لبنان الى ما وصلنا اليه بمشاركة كافة القوى السياسية المشاركة فيها بحكم التوافق وتتطبيق نظرية الحكومات التوافقية… ومع ذلك يتطاول حزب الله ونوابه وخاصة حسن فضل الله على جميع السياسيين متهماً اياهم بالفساد.. وحزبه وحلفاؤه وخاصة المقاوم الاول نبيه بري كما يقول حسن نصرالله وحزب الله.. متورطين في التعطيل والتشكيل.. وفي وضع وتنفيذ وتطبيق كافة السياسيات التي اوصلت لبنان الى الحضيض..؟؟

حكومة حسان دياب كانت جسماً اجوف، لا حياة فيه.. ولم تستطع تنفيذ او تحقيق اي تقدم سياسي او اقتصادي وعجلت بالانهيار عقب الانفجار التاريخي الذي اصاب لبنان ومدينة بيروت بالتحديد.. وتعطيل التحقيق وكشف المتورطين او الاشارة الى المنفذين…؟؟

حكومة ميقاتي الحالية التي حكمت ولا زالت عقب حكومة دياب.. هي توافقية كما يحب حزب الله.. فإلى اين وصلنا..؟؟؟

بعد هذا العرض لا بد من الوقوف عند الاسباب الحقيقية لرغبة حزب الله في تجاوز الدستور وفرض واقع دستوري جديد..:

  • تكريس دولة الطوائف، والمذاهب، والغلبة والسيطرة للاقوى.. وهو حزب الله المهيمن على الطائفة الشيعية..
  • الحكومة التوافقية.. تعطي حزب الله مساحة افضل للمناورة وتعزيز مطالبه وتحقيق النهش البطيء لمؤسسات الدولة..
  • الحكومات التوافقية، تعطل السلطة التنفيذية وتلغي دور رئيس الوزراء وكذلك مجلس الوزراء مجتمعاً.. حيث يصبح للوزراء مرجعية سياسية وتنفيذية خارج المجلس حتى خلال انعقاد الجلسات الوزراية.. وطالما كنا نسمع ان وزيراً او وزراء خرجوا من الجلسة الوزراية للاتصال بمرجعياتهم ومناقشتهم واطلاعهم على ما يجري داخل الجلسة قبل التصويت بنعم او لا..
  • تعزيز دور رئيس مجلس النواب على حساب رئيس مجلس الوزراء وهذا ياتي من خلفية مذهبية يعيشها حزب الله ومن يتحالف معه.. وتتمثل في اضعاف او الغاء كافة مواقع اهل السنة في السلطة او ابتلاعها.. ومنها رئاسة مجلس الوزراء..
  • الحصول على ثلثي مقاعد المجلس النيابي كان هدف حزب الله الحقيقي خلال الانتخابات التشريعية التي جرت وفشل في تحقيق غايته.. رغم التحريض الديني والمذهبي وفتاوى التصويت لمرشحيه ومرشحي الحلفاء.. والمطلوب كان ترسيخ وتأصيل كافة مفاهيم الميثاقية التوافقية بنوداً دستورية مكتوبة.. وليس مجرد عرف.. يتناقض مع النص..؟
  • الحكومة التوافقية، تعطي حزب الله فرصة تعطيل او اسقاط الحكومة تحت ذرائع غير دستورية، واهمها خروج وزراء طائفة من الجلسة.. ثم يحدثك عن اهمية الدولة المدنية مع شريكه نبيه بري….؟ رغم ان سلوكه ونهجه يتناقض مع هذا الطرح.. بل اكثر من ذلك انه ينم عن استخفاف بعقول اللبنانيين..؟
  • الحكومة التوافقية.. غير الميثاقية بالشكل والمضمون.. تعطي حزب الله ومن معه حرية التصرف، تحت ضغط ضرورة تجاوز ارتكاباته حرصاً على الاجماع.. لان خروجه يعتبر خروج طائفة من السلطة..؟
  • الحكومة التوافقية، تعطي حزب الله هامش للمناورة باعطاء نفسه حق التنصل من كافة القرارات والمراسم التي تصدر، معتبراً نفسه فريق معارض ضمن السلطة التنفيذية، وليس شريكاً كاملاً ومسؤولاً في كل ما يتخذ من قرارات..؟

الخلاصة..

بناءً على كل ما تقدم، فإن على القوى السياسية الحريصة على احترام الدستور ونصوصه، وتطبيق البنود الدستورية والقانونية، ان ترفض الانجرار او الخضوع الى شروط هذا الثنائي التي تهدف الى تدمير المؤسسات الدستورية، او على الاقل تعطيلها، والاصرار على تشكيل حكومات ديموقراطية حقيقية، حيث تحكم الاكثرية النيابية، وتعارض الاقلية.. سواء كانت هذه الاكثرية متحالفة مع حزب الله او معارضة له.. وليتحمل كل فريق سياسي نتيجة عمله.. وليحاسب في صندوق الاقتراع اذا فشل في اظهار قدرته على ادارة الشأن اللبناني وخدمة الوطن والشعب كما يجب.. او ان يحاسب ويحاكم امام المؤسسات الرقابية والقضائية اذا ما تورط في الفساد والهدر .. لان الواقع الحالي الذي نعيشه هو نتيجة غياب الشرعية الدستورية، وتعطيل المؤسسات.. وغياب الرقابة والمحاسبة.. حتى الاقتراع الانتخابي اعطاه رموز وقادة حزب الله بعداً دينياً بالفتاوى الشرعية.. وهذا امر غير مقبول.. لان البعد الديني يعطل المحاسبة ويحمي الفاسدين.. وهذا هو سلاح الثنائي الحاكم ومن يتحالف معه من مختلف القوى السياسية.. تحت عنوان الميثاقية التوافقية.. مما يعني ان محاكمة رموز فريق تعني محاسبة طائفته.. وهذا امر خطير.. واستدلال مرفوض.. لان الفاسد هو فاسد بشخصه ولا علاقة لطائفته بممارساته.. ولا يحمي الوطن ومستقبله من هذه الارهاصات والترهات الا تطبيق الدستور والالتزام ببنوده… 

السابق
الدولار الاسود «طاير».. ويقترب من عتبة ال 32 الفا!
التالي
الثابت والمتحول في برلمان 2022 الرئاسة