محظورات الإنتخابات تُطيح بضرورات تسريع أولويات التعافي!

ميقاتي ورشدي
دخلت الملفات الاقتصادية والمالية في لبنان هدنة قسرية هي أشبه بترحيلٍ حده الأدنى شهرين و«مبرَّر» سياسياً بمحظوراتِ حمْل تداعيات الضرورات في حمأة استقطاب الناخبين وأصواتهم «التفضيلية» في موسم الانتخابات النيابية الداهمة منتصف الشهر المقبل.

فقوى النفوذ التواقة إلى تجديد شرعيتها أو القوى الطامحة لدخول البرلمان تحرص معاً، ولو من دون اتفاق، على تمرير الاستحقاق من دون «تورُّط» مسبق بإقرار قوانين ومقاربات مؤلمة على المستويات كافة، ولا سيما إثارة عداء «قابل للتأجيل» مع جموع المودعين المقيمين في المصارف، والذين يتربصون من التوجهات المسربة لتحميلهم الوزر الوازن من الخسائر المالية التي تتعدى 72 مليار دولار.

وقد شكلت أيامُ العطلِ الرسمية التي توالت خلال الأسبوعين الحالي والسابق بمناسبة عيديْ الفصح لدى الطوائف المسيحية الغربية والشرقية، والمتمدِّدة الى حلول عطلة عيد الفطر المرتقبة مطلع الأسبوع المقبل، فرصةً سانِحةً لتبرير كبح الاستعجال الحكومي الضاغط على السلطة التشريعية لاقرار حزمة مشاريع قوانين – شروط تم التفاهم على عناوينها مع بعثة الصندوق بذريعة قصر المهلة الزمنية الفاصلة قبل الانتخابات، فيما منحتْ زعماء الكتل هامشاً للمناورة في «التنافس» على مصالح الاقتصاد والمجتمع.

ويشير مسؤولٌ معني في حديث مع «الراي» إلى أن الامتحانَ الأخير الذي أفضى إلى تطيير مشروع قانون تقييد الرساميل والتحويلات في القطاع المالي (الكابيتال كونترول) لمدة شهرين على الأقلّ، أصاب بالحَجَر عيْنه المشاريعَ اللاحقة به، من تعديلاتِ قانون السرية المصرفية إلى مشروع إعادة هيكلة الجهاز المصرفي.

 ميقاتي: الإصلاحات مطلب لبناني ملحّ قبل أن تكون مطلباً دولياً

وبذلك وقعت الحكومةُ في حفرةِ التزامها بالتسريع، وستنضمّ بهوية «تصريف الأعمال» التي تلي الانتخابات دستورياً، الى صفوف انتظارِ إعادة تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية وفق نتائج الانتخابات وسياقاتها اللاحقة. ويرى المسؤول أنه ريثما تنتقل الولاية الدستورية الى المجلس النيابي الجديد، فلا مشاريع القوانين – الشروط ستبصر النورفي الأيام الأخيرة من ولاية المجلس الحالي، ولا خطة التعافي التي جرى تغليفها تحت مسمى «مذكرة في شأن السياسات الاقتصادية والمالية» بحال أفضل، بعدما تاهت في سراديب التسلّل عبر وسيلة التسريب المقصود.

ثم أضحت «لقيطةً» بل بات يتم تبريرها بأنها غير نهائية وعبارة عن «أفكار واقتراحات» لم تَنَلْ حتى موافقة مجلس الوزراء. وإذا لم يحصل حَدَثٌ كبير يتوجّس الكثيرون من مفاجآته على مجرى الاستحقاق النيابي، يؤكد المسؤول المعني، أن السباق محموم فعلاً بين قوى متعددة، انما هي موزَّعة عملياً على معسكريْن أساسيين، هما «حزب الله» من جهة ومعارضيه في الجهة المقابلة.

وبين الطرفين بون شاسع وتوجهات متباينة الى مستوى التناقض في منطلقاتها ومقارباتها. وهو ما سبق ان ترك ندوبه الظاهرة ليس على حزمة القوانين وخطط التعافي والمعالجات الطارئة فحسب، بل على مجمل اداء المنظومة الحاكمة وتقلباتها «السوريالية»عقب انفجار الأزمات المالية والنقدية العاتية في خريف العام 2019.

والأكثر إثارة أن منسق خطة النهوض ورئيس الفريق الاقتصادي، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي كان يغرّد في وادٍ آخر ومنعزل تماماً عن مجريات تَداخُل السلطات واستحقاق الانتخابات النيابية، مختتماً جولة له في واشنطن شملت فريق صندوق النقد الدولي ومديره التنفيذي وأًقساما عدة في الصندوق منها القسم القانوني وقسم الشرق الاوسط، واجتماعات مع المدير التنفيذي للبنك الدولي ومع الاتحاد الاوروبي ومؤسسة التمويل الدولية.

فالشامي الذي خانه التعبير سابقاً من بيروت حين قام بإشهار إفلاس الدولة والبنك المركزي، صرّح من واشنطن أن «جميع مَن التقاهم شددوا على ضرورة أن يبرهن لبنان أنه جدي بإنجاز كل القوانين المطلوب إقرارها في مجلس النواب كي يصبح البرنامج نهائياً ويصل الى المجلس التنفيذي لادارة الصندوق.

والقوانين المطلوب من لبنان إقرارها هي: مشروع الموازنة وتعديل قانون السرية المصرفية وقانون إعادة هيكلة المصارف الذي تعمل عليه الحكومة ويجب ان ترسله قبل الانتخابات. وإنجاز هذه القوانين الثلاثة من شأنه إعطاء إشارة مهمة للدول المانحة للمباشرة ببرنامج دعم لبنان».

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: «ربيع نفطي ساخن»..المازوت يتجاوز الـ 800 الف ليرة في السوق السوداء والغاز الى 500 الف قريباً!

في ظل هذه المعمعة والترقبات غير المشجعة، كشف البنك الدولي، في احدث تقاريره عن لبنان، أنه في ظل المستوى العالي من حالة عدم اليقين، يرتقب أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً اضافياً بنسبة 6.5 في المئة في السنة الحالية، في حال لم تتغيّر سياسات الإستجابة للأزمة وفي حال عدم وجود حد أدنى من الإستقرار السياسي والأمني، لتضاف إلى نِسَبِ 7 في المئة و 21.4 في المئة و10 في المئة المحققة في الأعوام الثلاثة السابقة والتي أدت الى تقلّص حاد للناتج من نحو 54 مليار دولار في 2018 الى ما دون 20 مليار دولار حالياً.

وبحسب وكالة التصنيف الدولية «موديز» فإنّ اتفاقَ التمويل الخارجي مشروط بإعادة هيكلة شاملة للدين الخارجي للبنان، والذي يتضمّن ديوناً بالعملة الأجنبية تقارب نحو 38 مليار دولار، ما يفرض مشاركة كافية من الدائنين لتأمين إستدامة للدين. لكن «ونظراً لسجِلّ لبنان السابق الضعيف بتطبيق إصلاحات، فإن الإتّفاق المفترض مع صندوق النقد قبل الإنتخابات النيابية والرئاسية سيمثل إستجابة من المؤسسات المالية الدولية لحاجة لبنان الملحة لمساعدات خارجية لوقف التدهور الاقتصادي والاجتماعي».

وتوضح الوكالة، في أحدث تقاريرها أن المساعدات المالية الخارجيّة ستحفز لبنان على إنجاز تقدم لناحية اعتماد مبادرات إصلاحية مهمّة. لكنها تؤكد في المقابل أن أيّ تحسين في تصنيف لبنان يَعْتمد على ركائز أساسيّة لديناميات الدين العام، كالعودة إلى حالة النمو الاقتصادي، والحصول على التمويل، والقدرة على تسجيل فائضٍ أوّلي في الموازنة والمحافظة عليه، والتي من شأنها أن تحافظ على إستدامة الدين ويمكن أن تعيد للبلاد القدرةَ على الوصول إلى أسواق المال العالمية.

وخلال توقيع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان نجاة رشدي «إطار الأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة» في لبنان للفترة الممتدة 2022 و2025«كانت أولويةُ الإصلاحاتِ جليّةً، بوصفها»مَطْلَباً لبنانياً مُلِحّاً ونحن بحاجة إليها، قبل أن تكون مطلباً دولياً» كما قال الأول، و»أساس نجاح عملية تنفيذ إطار التعاون، وفي صميم الدعم الذي نتطلع إليه، ومن هنا دعوتي إلى ضرورة تبنّي الإصلاحات في أسرع وقت ممكن خدمة للشعب وتسريعا لعجلة التنمية في البلاد«كما أكدت الثانية. وانطلقت رشدي من «الحادث المأساوي الذي وقع يوم الأحد الماضي قبالة ساحل طرابلس الذي شهد غرق أفراد من بينهم أطفال، دفعهم اليأس إلى القيام برحلة خطيرة بحثا عن حياة كريمة» لتؤكد انه «في ظل هذه التطورات المحزنة، لا بد من التشديد على الدور الريادي والحيوي الذي يضطلع به الجيش اللبناني في سبيل صون الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي في البلاد. فالجيش اللبناني، بتماسكه الفريد، هو اليوم الضمانة للأمن والاستقرار في لبنان».

وقالت: «عنوان لقائنا اليوم هو العمل معاً على وضع لبنان من جديد على سكة التنمية. حان الوقت للبنان، الذي لطالما تغنى سابقا بتقدمه التنموي والثقافي والعلمي، أن يعود إلى مسار التنمية المستدامة. لبنان يمر اليوم بمنعطف حاسم يستوجب تضافر كل الجهود لوضع حد للعقبات والتحديات التي تقيد تقدمه نحو أهداف التنمية المستدامة ونحو تعافيه».

وأضافت: «صحيح أن لبنان لا يزال يتخبط في أزمات لم يسبق لها مثيل، وأن الاحتياجات الإنسانية لا تلبث تتزايد، ولكن لا يمكننا الاستمرار في إيجاد الحلول القصيرة الأمد لإنهاء هذه الاحتياجات الإنسانية، بل نحتاج إلى حلول مستدامة». وأشارت إلى «تنمية طارئة» كمرحلة انتقالية لتحقيق التنمية المستدامة، تساعد على وضع حد للاحتياجات الإنسانية، وقالت: «أتكلّم هنا عن تنمية طارئة تضع حداً للركود الاقتصادي الذي طال أمده، وتشكل حافزاً ممكنا لنمو البلاد وضمان ازدهاره، تنمية طارئة تستدعي سرعة فائقة في تنفيذها بقدر أهمية وسرعة المساعدة الإنسانية الطارئة التي لم نتوقف عن تأمينها».

وأعلنت «ان هذه التنمية تتطلب قبل كل شيء التزاما قويا وحازما من كافة الأطراف. تتطلب قيادة، وإرادة، والتزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ الإصلاحات وبتبني مختلف مكونات التنمية في سياساتها وقراراتها، بما فيه الخير للبنان وللشعب اللبناني. ولذلك، وحدتنا هي منطلق الإنجاز هنا، فلكل منا دور حيوي نؤديه في هذا المسار: من حكومة إلى هيئات أممية، فمنظّمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والبرلمان، والبلديات، والأوساط الأكاديمية، والمؤسسات المالية الدولية، ووسائل الإعلام، والجهات المانحة».

وأشارتْ إلى «أربع ركائز أساسية تمحورت حولها الأولويات التي تم تحديدها بصورة تشاركية، هي: (1) الإنسان أولا، و(2) البيئة، و(3) الازدهار، و(4) السلام. وهي تؤطر الأولويات الاستراتيجية الأربع التي ترتكز بإيجاز على: (1) تحسين حياة ورفاهية كل شعب لبنان، و(2) تحسين القطاعات الإنتاجية وتعزيز فرص سبل كسب الرزق بطريقة شاملة ومعززة، و(3) ضمان مجتمعات سلمية وشاملة؛ و(4) تعزيز التعافي البيئي والتخفيف من المخاطر البيئية».

 رشدي: لوضع حد للعقبات التي تقيّد تعافي

وأكدت «أن الإصلاحات تبقى مفتاح تحقيق هذه الأولويات، وأساس نجاح عملية تنفيذ إطار التعاون، وفي صميم الدعم الذي نتطلع إليه»، وقالت: «اليوم هو يوم مهم جدا نجدد فيه سنوات من التعاون المستمر بين منظومة الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، من خلال إطار تعاون جديد».

من جهته، أكد الرئيس ميقاتي «ان إطار العمل الاستراتيجي الجديد الذي سيمتد على مدى السنوات الثلاث المقبلة، يهدف إلى تعزيز الحوكمة مع معالجة قضايا التنمية المتعددة الأبعاد الملائمة للتحديات الجديدة التي تواجه لبنان في ضوء الأزمة غير المسبوقة التي يعانيها».

وقال:«نحن فخورون جدا بالشراكة الدائمة مع الأمم المتحدة التي تدعم لبنان على المستويات كافة سياسياً وخدماتياً، ونتطلع في إطار التعاون الجديد هذا للعمل على التنمية وتطوير المهارات البشرية لفترات طويلة. وفي هذا الأطار فاننا نتوجه بتحية شكر وتقدير الى اصدقاء لبنان من الدول المانحة على دعمهم التام لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».

وإذ شدد على «اننا بأقصى حاجة الى التنمية المستدامة انمائياً وبشرياً»، أمل «أن تكون الأمور ميسرة وننجز الاصلاحات المطلوبة بالتعاون الكامل مع مجلس النواب وكل الهيئات الحكومية والرسمية والخاصة، وهذه الاصلاحات تشكل مطلباً لبنانياً مُلِحاً ونحن بحاجة اليها، قبل أن تكون مطلباً دولياً».

السابق
نصرالله يدق «أبواب الحرب» الإنتخابية..والحكومة تعلن إفلاسها السياسي والإنتخابي!
التالي
إشتداد المناورات السياسية «على حافة» الانتخابات النيابية!