اشكاليات انتخابيّة: السلاح، المقاطعة، «كلّن يعني كلّن»

كلن يعني كلن لبنان ينتفض

هناك العديد من الإشكاليّات التي تُطرح في إطار الانتخابات النيابيّة المقبلة، خاصة في أوساط المجموعات المعارضة للسلطة. اخترت ثلاثاً منها سأتناولها على التوالي، وهي: الموقف من سلاح “حزب الله” ومقاطعة الانتخابات والتعامل مع شعار “كلّن يعني كلّن”.

 1- العداوة التكوينيّة بين الانتخابات والسلاحيجري نقاش في أوساط مجموعات المعارضة حول أهمية أو عدم أهمّية طرح موضوع سلاح “حزب الله” في البرامج الانتخابية. المسألة تبدو لي أعمق وأخطر من ذلك، ويجب مقاربتها بطريقة أشمل. 

فبحسب علم السياسة، تعبّر نتيجة الانتخابات النيابيّة أو الرئاسيّة عن “الإرادة الوطنيّة” بوساطة أصوات المواطنين الذين يؤدّون حقّهم الانتخابي بحريّة تامّة، وبعيدًا من كلّ أشكال الإكراه، لا سيّما استخدام السلاح. لم تتطوّر الانتخابات بمعناها هذا إلّا بعد أن جرى احتكار الدولة لحقّ استخدام السلاح. 

اقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: خلاف بين السفير والقنصل في دبي يتهدد إنتخابات الجالية اللبنانية!

تُطرح الإشكاليّة في لبنان بوجود قوى مسلّحة، في مقدّمها “حزب الله”، تُشارك في الانتخابات، ممّا يمسّ بحريّة الانتخاب، وتاليًا بعمليّة التعبير عن “الإرادة الوطنيّة”. المسألة تتعقّد أكثر إذا علمنا أنّه لا يحقّ للقوى العسكريّة الرسميّة المشاركة في الانتخابات، في حين يعطى هذا الحق لقوى عسكريّة غير شرعيّة. حتى في حال اعتبار سلاح “حزب الله” شرعياً بحكم تغطية الحكومات المتعاقبة له، يبقى التمييز بينه وبين القوى العسكريّة الرسميّة قائمًا. المفارقة المرعبة سياسياً – بحسب اعتقادي – هي أن “حزب الله” جعل حماية سلاحه قضيّة القضايا في سياق الحملات الانتخابيّة، متّهماً خصومه بأنّ هدفهم الأول تجريده من هذا السّلاح، ومعتبراً الانتخابات “حرب تموز سياسية”، أي أن السلاح، الذي يُفترض أن تحييدَه شرط أساسيّ من شروط صحّة الانتخابات، قد أصبح بقدرة قادر عنواناً لها. كأن المطلوب ليس حماية السلاح فحسب، بل إلغاء معنى الانتخابات بوساطات الانتخابات. 

2 – مقاطعة الانتخابات أم مقاطعة السلطة؟يدعو البعض إلى مقاطعة الانتخابات بحجة أن المشاركة فيها اعتراف بالسّلطة التي تنظّمها. يستمدّ هذا المنطق مشروعيّته من أن “ثورة 17 تشرين” ثارت على السلطة وهدفت إلى إسقاطها، فكيف تريدونها أن تعود وتقبل بالمشاركة في انتخابات تنظّمها هذه السلطة نفسها؟ منطق المقاطعة لا يستقيم إلّا إذا توافرت له ثلاثة شروط: أولاً، أن يكون ما حصل في 17 تشرين هو ثورة وليس انتفاضة؛ ثانيًا، أن تكون هذه الثورة لا تزال قائمة؛ ثالثًا، أن يتبع المقاطعة عدم اعتراف بالسلطة التي ستُنتخب بجميع الطرق المتاحة. الشروط الثلاثة مشكوك في توافرها.يبقى السؤال الأهمّ ما إذا كانت مقاطعة الانتخابات ستتحول إلى مقاطعة السلطة المنتخبة، وإلا أتاحت هذه المقاطعة المزيد من الدّعم للسلطة القائمة. 

3 – ضدهم “كلّن يعني كلّن”؟سبق لي وأشرت في نصوص سابقة إلى ثلاث مسائل متعلّقة بشعار “كلّن يعني كلّن”: الأولى أن هذا الشّعار كان وليد ظروف تاريخيّة، أُطلق للمرة الأولى إبّان تحرّك هيئة التنسيق النقابيّة التي اكتشفت في حراكها أن “كلّن” يقفون في وجهها، ثمّ جرى تبنّيه في حراك 2015، ومن بعده في انتفاضة 17 تشرين.

الثانية، أن هذا الشعار كان فعّالاً في بداية الانتفاضة، في وجه حكومة “الوحدة الوطنيّة”، التي كانت تضمّ في ذلك الحين “كلن يعني كلن”، ويرأسها سعد الحريري، وقد أدّى ذلك الى إسقاطها. لكن بعد سقوط الحكومة وتأليف حكومة جديدة من بعض أطراف “كلّن يعني كلّن”، وليس منهم جميعاً، راح الشعار يفقد دلالاته الملموسة وفاعليّته السياسية. 

الثالثة، أن شعار “كلّن يعني كلّن” يصلح لتحديد “مسبّبي” الأزمة منذ 1990، وربما قبلها، لكنّه عاجز عن تحديد المسؤوليّة السياسيّة عن معالجة هذه الأزمة اليوم؛ وهذا هو الأهم في انتخابات نيابية تتوخى إنتاج سلطة قادرة على إخراج البلاد من الانهيار الحاصل. 

إن خوض المعارضة السياسية للمعركة الانتخابيّة تحت هذا الشعار يضعف وضوح رؤيتها للمرحلة الحالية، وبالتالي فاعليتها السياسيّة، خاصةً في ظلّ واقع أن “كلّن يعني كلّن” يخوضون منافسات شرسة بعضهم ضد بعض. فمع الإقرار بوجود مصالح مشتركة بين “كلّن يعني كلّن” إلا أنه من العماء السياسيّ عدم رؤية الاختلاف في مشاريعهم، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية والثقافية. من المرجّح أن يؤدّي هذا “العماء” المترافق مع تنافس بين مجموعات المعارضة في معظم الدوائر وتناقص حظوظها في النجاح إلى دفع المواطنين المعارضين لـ”كلّن يعني كلّن”، إلى الانسحاب عملياً من الصراع السياسيّ، عبر الامتناع عن التصويت، بدل المساهمة في اختيار المشاريع الأقرب إلى اقتناعاتهم.

السابق
إستقالة قيادي جديد من تيار المستقبل!
التالي
جمعية المصارف ترفض خطة التعافي: كارثية ومخالفة للدستور!