حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روسيا بخير.. إيران بخير!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

الجدل بين القوى السياسية الايرانية، حول ابعاد وحدود العلاقة بين ايران وروسيا، لا يعود الى موقف النظام من الحرب التي شنتها موسكو ضد اوكرانيا، او حسب التعبير الذي يلتزم به الاعلام الرسمي، في توصيف هذه الحرب بـ “العملية العسكرية الخاصة”، بل يمكن اعتباره جدلا تاريخيا، بين قراءتين او رؤيتين حول العلاقات الاستراتيجية، التي من المفترض ان يقوم بها النظام مع المجتمع الدولي. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران «ترتخي» في العراق و«تهادن» في اليمن و«تشتد» في لبنان!

وكما هو الحال في لبنان، والانقسام القائم حول سياسات “التوجه شرقا”، والتمسك “بهوية” النظام اللبناني الاقتصادية والسياسية، القائمة على علاقته بالغرب، فالانقسام والجدل الايراني لا يختلف كثيرا في جوهره، بين معارض لسياسات النظام بالتوجه شرقا نحو روسيا والصين، في حين ان الفئة المدافعة عن التوجهات الاقتصادية الليبرالية، في الوسطين السياسي والاقتصادي للمجتمع الايراني ترفض هذا التوجه وتعارضه، وتدعو النظام لعدم الذهاب الى قطيعة مع الدول الغربية، سياسيا واقتصاديا، لان مصالح ايران مع هذا الجزء من العالم، في حين ان الانتقال الى الشرق سيؤدي الى نتائج سلبية، وستدفع ايران اثمانا هي بغنى عنها، خاصة في حال وجدت الدول الغربية والولايات المتحدة تحديدا، ان لا مصالح لها من وراء التفاهم مع ايران، وفتح الطريق امامها للعودة الى ممارسة دورها الطبيعي، داخل الاسرة الدولية في مختلف المستويات والمجالات. 

حدة هذا الجدل، وتحوله الى معركة علنية بين المؤيدين للتحالف مع روسيا والتوجه شرقا، وبين الدعاة الى التريث وعدم استعداء الغرب، واعتماد سياسة متوازنة بالحد الادنى، تساعد في المحافظة على المصالح الايرانية مع المعسكر الغربي، تفاقمت مع وصول المفاوضات النووية بين ايران والسداسية الدولية الى حائط مسدود، قد يطيح بكل الجهود التي بذلت من اجل اعادة الاتفاق النووي، وانهاء العقوبات الامريكية. وقد ساهم في تفجيرها الدور السلبي الذي لعبه المندوب الروسي في المفاوضات ميخائيل اوليانوف، والذي تحول الى ممثل لايران على طاولة التفاوض مع واشنطن من جهة، ومع الاتحاد الاوروبي من جهة اخرى. ثم جاء موقف وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي ربط التوقيع على الاتفاق الجديد، بحصول بلاده على ضمانات امريكية مكتوبة، تدرج في الاتفاق حول علاقات روسيا الاقتصادية مع ايران. 

الانقسام والجدل الايراني لا يختلف كثيرا في جوهره بين معارض لسياسات النظام بالتوجه شرقا نحو روسيا والصين في حين ان الفئة المدافعة عن التوجهات الاقتصادية الليبرالية ترفض هذا التوجه وتعارضه

وكان وزير الخارجية الايرانية الاسبق وكبير المفاوضين محمد جواد ظريف، قد فجر قنبلة عن حقيقة الموقف الروسي في مفاوضات عام 2015، في التسريب الصوتي الذي نشر قبل نحو سنة، والذي تحدث فيه عن مساع بذلها نظيره لافروف، لعرقلة التوقيع او التوصل الى اتفاق، معتبرا ذلك محاولة روسية لابقاء ايران رهينة الحاجة الى روسيا في مخاطبة المجتمع الدولي. وقد ادى هذا الكلام لفتح جبهة القوى المتشددة ضده، واتهامه بالتفريط بالمصالح الايرانية، والسعي لاعادة الهيمنة الغربية على القرار السياسي والاقتصادي لايران، وهي اتهامات وصلت حد تخوينه، خاصة عندما كشف ان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالدخول الى سوريا، جاء للتشويش على الاتفاق، واللقاء الذي جمعه مع قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني، جاء بناء على طلبه وليبلغه قرار التدخل، على العكس من الرواية الرسمية، التي روج لها النظام والمؤسسة العسكرية في حرس الثورة، عن الدور الحاسم الذي لعبه سليماني في اقناع القيادة الروسية بهذه الخطوة. 

حتمية الانتصار الروسي في اوكرانيا وتحقيق الاهداف التكتيكية والاستراتيجية يرى فيه النظام في طهران نتيجة لا مفر منها في هذه الحرب المصيرية التي دخلت فيها موسكو وتورطت بها

وعلى الرغم من ادراك قوى النظام، ان الدخول الروسي الى اوكرانيا، قد يؤدي في حال فشله او عجزه، عن تحقيق انجاز حقيقي وواقعي، الى انهيار روسيا وتقسيمها على غرار ما حصل مع الاتحاد السوفياتي. فانها ترى بان هذه الحرب لها ابعاد متعددة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، تلعب دورا مؤثرا لصعوبتها ومصيريتها في رسم مستقبل روسيا، خاصة وانها تمثل في بعدها الاساس، حربا واضحة المعالم، وغير مباشرة مع الولايات المتحدة، وفرض هيمنتها احادية القطبية على العالم، لذلك فان الدخول الى اوكرانيا وهذه الحرب، تعتبر دفاعا روسيا عن امنها القومي ومصالح الاستراتيجية. خصوصا وان الهزيمة في هذه المعركة، ستجعل امريكا والدول الاوروبية معها، اكثر تعنتا وعنجهية في فرض سياساتهم على الاخرين. 

حتمية الانتصار الروسي في اوكرانيا، وتحقيق الاهداف التكتيكية والاستراتيجية، يرى فيه النظام في طهران، نتيجة لا مفر منها في هذه الحرب المصيرية، التي دخلت فيها موسكو وتورطت بها. لان الانتصار سيكسر المسار الذي تعتمده واشنطن، بالتحول الى القطب المتحكم الذي لا منازع له، خاصة في ظل الضعف الذي ظهر على الاتحاد الاوروبي، في التعامل مع تداعيات هذه الحرب والتطورات، والذي اعاد لواشنطن ما سبق ان فقدته من هيمنة على القارة الاوروبية في المرحلة السابقة، ونتائج التباين في المواقف الذي اسس له الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب. 

والرهان الايراني على الانتصار الروسي، يعني امكانية ان تحجز طهران مقعدا لها، في المعادلات المستقبلية ما بعد الحرب الى جانب روسيا والصين، على الاقل في معادلات منطقة غرب اسيا واقليم الشرق الاوسط. خاصة وان القراءة الايرانية لنتائج اي هزيمة، يتسق مع المتغيرات التي شهدتها باكستان وعملية عزل رئيس الوزراء عمران خان من منصبه، وما تحاوله وتسعى له واشنطن لمحاصرة الصين واضعافها، يقع في سياق الاهداف الامريكية للسيطرة على منطقة غرب آسيا ،التي تعني النظام في طهران بالقدر نفسه الذي تعني روسيا والصين ومستقبل النشاطات الاقتصادية. ما يسمح بالتالي لعودة الجماعات المتطرفة، الى تفعيل انشطتها المخربة واستهداف الاستقرار في هذه الدول، ومنطقة اسيا الوسطى. بالاضافة الى امكانية عودة هذه الجماعات لاعمالها التخريبية في الشرق الاوسط، وتحديدا على الساحتين السورية والعراقية، ما يعني عودة الوضع في سوريا الى دائرة الخطر والتهديد، وعجز النظام فيها على التصدي لهذه الجماعات، لانشغال روسيا ومعها ايران في معالجة تدعيات مثل هذه الهزيمة. 

الرهان الايراني على الانتصار الروسي يعني امكانية ان تحجز طهران مقعدا لها في المعادلات المستقبلية ما بعد الحرب الى جانب روسيا والصين

من هنا، فان الانتصار في اوكرانيا، لن تقف نتائجه على تعزيز الموقف الروسي في المواجهة مع امريكا والغرب، بل سينعكس ايجابيا ايضا على الموقف الصيني في الصراع الدائر حول مصير تايوان، بالاضافة الى النتائج الايجابية الاخرى على المستوى العالمي، وانتهاء الاحادية القطبية والسيطرة الغربية، بالاضافة الى التأثيرات الكبيرة والمتعددة لهذا الانتصار على معادلات الشرق الاوسط وازماته، خاصة على صعيد الصراع الايراني الاسرائيلي، وما يكمن ان تعانيه تل ابيب من ازمة نتيجة تراجع النفوذ الامريكي، ما يجبرها للبحث عن تسويات وتنازلات توفر لها الحماية. 

ان تطالب قوى النظام في ايران، بموقف واضح بدعم روسيا في حربها على اوكرانيا، مع تأكيدها في الوقت نفسه على رفض مبدأ الحرب، قد لا يكون حبا في روسيا، على الرغم من انها تعتبر دولة حليفة وجارة، كما الصين، بل من منطلق الخوف من ان تفتح الهزيمة الروسية الطريق امام استهداف الاخرين وانهاء دورهم، ومن بينهم ايران. 

السابق
بعد توقيفه دوليا.. مصادر قضائية لـ«جنوبية»: لبنان لن يسلّم كارلوس غصن لفرنسا
التالي
«حمى الإنتخابات» تُطيح بالإتفاق مع «الصندوق»..والحكومة تَبتز اللبنانيين بالعتمة والرغيف!