من مهنة المتاعب إلى اللعب مع «الثعالب»..إعلاميات قررن اقتحام «أم السلطات»!

الانتخابات النيابية وزارة الداخلية

يشهد السباقُ الإنتخابي في لبنان، في ملاقاة صناديق اقتراع 15 مايو المقبل، «هجمةً إعلاميةً» غير مسبوقة من المرشحين الذين يتنافسون على احتلال مقاعد برلمان 2022 – 2026.

718 مرشحاً «تمتْرسوا» في 103 لوائح مقفلة، أطلقوا العنان لحملاتهم الانتخابية مع العدّ التنازلي للاستحقاق الذي يتعاطى معه الداخل والخارج على أنه «مصيري» بالنسبة إلى مستقبل لبنان.

ظواهر عدة، شكلت نتائج مبكّرة للانتخابات التي لم تجر بعد، نظراً لـ«استثنائية» المرحلة التي يعيشها لبنان بسبب بلوغه حافة الارتطام الكبير نتيجة أزماته الشاملة (أزمته المالية، إنفجار مرفأ بيروت، استرهان قراره للخارج).

من هذه الظواهر في المشهد العام كان دخول ما يُعرف بـ «المجتمع المدني» أو قوى التغيير المعركة الانتخابية لأول مرة عبر لوائح في غالبية المناطق وفي تجربةٍ جديدةٍ رغم ما يعتريها من ملابسات.

أما الظاهرة الأكثر إثارة للاهتمام فهي «اقتحام» الإعلاميين لاستحقاق 15 مايو، لا سيما الإعلاميات.. 26 إعلامياً، بينهم إعلاميات معروفات اخترن الانتقال من السلطة الرابعة إلى الأولى أو ربما «أم السلطات» علّ صوتهنّ يكون أكثر تأثيراً.

هل كل مَن نجحت في عالم الإعلام قادرة على النجاح في متاهات السياسة اللبنانية، أم أن ترشح بعضهن جاء فولكلورياً أكثر منه واقعياً؟

عديدة هي الأسماء الإعلامية التي ظهرت على اللوائح الانتخابية، بعضها لسيدات حفرن لهن مكانة رفيعة في الإعلام السياسي وكانت لهنّ مسيرة طويلة في العمل في الشأن العام، فيما بعضهن الآخر بَدون وكأنهن أُسقطن على بعض اللوائح ولم يكنّ سوى تكملة عدد فيها رغم خلفيتهن الإعلامية.

ولكن مما لا شك فيه أن عامليْن أساسييْن ساهما في هذه الظاهرة: الأول ما أفرزته انتفاضة 17 أكتوبر 2019 من وعي سياسي مُعارِض عند الجميع والدور الرائد الذي لعبتْه النساء فيها، والثاني هو التجربة الناجحة للنائبة بولا يعقوبيان التي انتقلت من الإعلام المرئي وتقديم البرامج السياسية إلى البرلمان وكانت نائبة ناجحة وثائرة استطاعت أن تفرض حضورها بقوة.

من بين 26 صحافياً.. جمهرةٌ من الإعلاميات يشاركن في السباق الانتخابي

وتشرح الدكتورة ميرنا زخريّا، الباحثة في علم الاجتماع السياسي هذه الظاهرة وتعيدها إلى ثلاثة أسباب أساسية:

أولاً، أن الإعلامي عادةً يتمتّع بمهارة التواصل والتفاوض والمجابهة والبحث، وهذه مهارات تسعف المرشح في إطلالاته ولجهة التأثير بالرأي العام، ناهيك عن أن القطاع الإعلامي والإعلاني هو في غالبيته مؤنث أكثر منه مذكّر.

ثانياً، بعض الأحزاب ترشح إعلاميات تلبيةً لمطلب المساواة الجندرية ولـ «تزيين» اللوائح فتنفي عنها صفة الاستئثار الذكوري، وأيضاً بسبب شهرتهن وجرأتهن وإعجاب الجمهور بهنّ ما ينعكس أصواتاً إضافيةً على اللوائح، وذلك من دون مصاريف إعلانية للتعريف عنهن.

ثالثاً، من الضروري التمييز بين إعلامية تَمتهن الإعلام السياسي عن غيرها، فهذه بطبيعة عملها تُتابع الملفات وتدرسها وتناقشها ما يمنحها صورة مُقْنِعة هي بأمسّ الحاجة إليها، ذلك أن عامِليْ الصدقية والمعرفة هما محرّكان لميول أو نفور الناخب”.

غادة عيد، ريما نجيم، ليال بو موسى، منى سكر لبكي، ماغي عون، جويل فضول وكارلا بطرس وجوه إعلامية عرفها اللبنانيون عبر الشاشة الصغيرة أو من وراء المذياع وأحبوها. وفي تقليبٍ لصفحات تاريخهن المهني يظهر أن بينهن مَن كانت لهن صولات وجولات في العمل الإجتماعي ومحاربة الفساد وإن كنّ غير منغمسات بالسياسة في شكل واضح فيما أخريات آتيات من الظل.

غادة عيد

وتقول غادة عيد إنها مناضلة منذ أكثر من ثلاثين عاماً وكانت أول مَن بدأ الحديث عن الفساد و«أبطاله» في لبنان عبر برنامج تلفزيوني ما سبّب لها عداوات كثيرة وعرّضها للتهديد والمخاطر أحياناً.

قبل انتفاضة اكتوبر 2019 في لبنان، كانت عيد أطلقت برنامج «بدّا ثورة» وكان شعاره القبضة المرفوعة التي صارت فيما بعد شعار الثورة. وترشحت للانتخابات النيابية الماضية في 2018 مع حزب سبعة وحققت نتيجة كبيرة بلا أي إمكانات مادية وخسرت نتيجة ما قالت إنه مخالفات جوهرية شابت العملية الانتخابية وشكلت محور مراجعة طعن تقدّمت بها حينها أمام المجلس الدستوري الذي ردّ الطعن.

عيد، المرشّحة عن المقعد الماروني في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف -عاليه) تقول إنها نزلت إلى ساحات الثورة تحت شعار «كلن يعني كلن» وهمُّها كان وما زال بناء الدولة وهذا أيضاً عنوانٌ لبرنامج تلفزيوني أطلت من خلاله أخيراً لتساهم في إيجاد الحلول. وقد اختارت التحالف مع مَن تعتبرهم «مجموعات نظيفة» تشبهها وتعبّر عن جمهور الثورة النقي ضمن لوائح «توحّدنا للتغيير» بعيداً عن أي من قوى السلطة أو المعارضة المستجدة.

ليال بو موسى

ليال بو موسى صحافية استقصائية عرفها الجمهور على شاشة تلفزيون «الجديد» كمُراسَلة إخبارية عملت بثبات واحتراف مع فريق عمل إخباري على كشف خفايا جريمة تفجير مرفأ بيروت (4 اغسطس 2020) والكثير من قضايا الفساد بجرأةٍ ضمن برنامج «تحت طائلة المسؤولية».

ليال اليوم مرشحة عن المقعد الماروني في البترون (في دائرة الشمال الثالثة) ضمن ائتلاف «شمالنا» المُعارِض وهي مبدئياً تواجه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ومرشحي أحزاب «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«المردة».

بو موسى تدرك الصعوبات جيداً لكنها مصممة على المواجهة، وتقول: «ترشحتُ لأنني سئمتُ الوعودَ والشعاراتِ التي لم يَتَحَقَّقْ منها شيء. وأردتُ أن أقول من خلال الشعار الذي اخترتُه لحملتي (بكفّي شعارات) إنه يكفينا كذباً ووعوداً فارغة. لن أتوجه إلى الناخبين بمبدأ إلغائيّ وأقول كما يفعل سائر المرشحين: أنا الخلاص وأنا القوي، لأنني أؤمن بأن الكذب واستغلال قلق الناس وإبقائهم في حال خوف، من الآخَر لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة سوى حض الناس على التصويت من أجل أطراف السلطة وأحزابها ليبقوا في السلطة. وبالنسبة إليّ وإلى الإئتلاف الذي أنا فيه نحن لا نملك وقاحة أحزاب السلطة ولا كذبهم وافتقادهم للمنطق. نحن نؤمن بالأسلوب الأخلاقي وبرؤيةٍ سياسية واقتصادية واضحة، وائتلافنا يهدف إلى كسر الحدود بين المناطق لأننا نؤمن بأن علينا في النهاية أن نجلس مع بعضنا البعض لإيجاد حلول».

ريما نجيم

ريما نجيم، الإذاعية التي يتابع برنامجَها الصباحي على إذاعة صوت الغد عشرات آلاف المستمعين، كان لها تأثير واضح على مستمعيها بصلواتها الصباحية التي تطال الإنسان من كل الأديان وإصرارها على تمكين المرأة ودفعها لتجنب الخوف والضعف وصولاً إلى مناصرتها لكل القضايا الوطنية والإنسانية المحقة.

ريما، التي تترشّح الى الانتخابات النيابيّة عن المقعد الكاثوليكي في المتن، كانت حاضرة بقوة في ساحات الثورة ومن ثم في العمل الإنساني إثر تفجير المرفأ وكان لها مع جمعية «Lebanon of Tomorrow» اليد الطولى في تقديم المساعدة إلى المنكوبين في بيروت والأشرفية. وهي وإن لم يكن لها سابقاً أي نشاط سياسي، إلا أنها عُرفت بأفكارها المؤيدة لـ «ثورة الأرز» عام 2005 وكانت ضمن خط «14 مارس» السيادي، لكن يبدو أنها اليوم إبتعدت عن غالبية رموزه الذين كانوا في السلطة وترشحت في منطقة المتن على لائحة «على متن التغيير» التي هي في الواقع لائحة حزب الكتائب المُعارِض مع مجموعة من القوى خارج إطار الأحزاب وقد وجدت فيها تجسيداً لطروحاتها المُعارِضة لمنظومة الفساد.

منى سكر لبكي

على اللائحة ذاتها تبرز أيضاً الإعلامية منى سكر لبكي التي كانت لفترة مراسلة إخبارية لقناة «MTV» اللبنانية، ثم اختفت من دائرة الضوء لتعمل في مجالات مختلفة منها التحضير لمهرجانات الأرز الدولية التي كانت تحت رعاية السيدة سيتريدا جعجع.

المهارة في التواصل.. الجندرية والإلمام المعرفي وراء ظاهرة الإعلاميات المرشَّحات

لا تخفي لبكي آراءها السياسية الواضحة وربما تكون من بين المرشحات القلائل التي تتحدث في السياسة وتبدو حاسمة في رأيها حول سلاح «حزب الله» والهيمنة الإيرانية على لبنان ومعارضتها العلنية للعهد الذي أخفق في محاربة الفساد.

وتقول منى: «شاركت بالثورة لأقول لا للفساد ونحن اليوم نريد أن نقول للشعب اللبناني لا تنتخب من أوصلك إلى الهاوية والمطلوب التغيير والسياسة هي لخدمة لبنان أولاً وأخيراً ووضع مصالح الناس قبل المصالح الشخصيّة».

كارلا بطرس

كارلا بطرس مرشحة في دائرة بيروت الأولى على لائحة «التيار الوطني الحر» هي التي عرفت بتأييدها له منذ سنوات طوال وهي ممثلة تلفزيونية شاركت في بعض الإطلالات الإعلامية، لكن لم يعرف لها سابقاً نشاطات سياسية أو في الشأن العام أو حتى آراء سياسية على مواقع التواصل، إلا أن كارلا صاحبة شخصية مكافحة استطاعت النهوض بشجاعة بعد حادثة وفاة زوجها في حادث سيارة مريع.

فاجأ ترشيحها المحبين قبل المنافسين، ولم يعلن لها حتى اليوم أي موقف سياسي علني بعد، فهل تتبنى آراء «التيار الوطني الحر» وتكون من مرشحي السلطة أم تفاجئ الناس بوقفة مختلفة؟

جويل فضول

كذلك الأمر بالنسبة للإعلامية جويل فضول التي غابت عن الشاشات منذ فترة لتطل كمرشحة على لائحة حزب «القوات اللبنانية» في منطقة عالية.

جويل التي دأبت في الماضي على تقديم برنامج صباحي منوع إجتماعي ترفيهي، ليست منخرطة علناً في الشأن السياسي أو الاجتماعي ولم يسجّل لها أي حضور سياسي أو يسمع لها أي حوار في هذا الشأن.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: بلديات «الثنائي» تنتهك القوانين جنوباً..الإعتداء على مشاع ومخفر الزرارية!

ببيان مقتضب أعلنت أثناء مهرجان تقديم اللائحة التي تنتسب إليها أن «الوطن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتاريخ 15 مايو مدخل الحل، وإذا كان بلدنا تعباناً لا نستطيع التخلي عنه يجب أن يكون صوتنا مسموعاً لاستعادة الدولة والوطن».

ماغي عون

في الختام لا ينكر اثنان نجاح الإعلامية ماغي عون على مر السنوات في العمل الإعلامي المرئي والمكتوب وتألقها كمحاورة مثقفة ذكية، وكان لها برامج رائدة حملت طابعاً إنسانياً ما دفع بها للانخراط في الشأن الإنساني وتأسيس جمعية تعمل على مساعدة من هم بحاجة.

ماغي عون صاحبة الخلفية الأكاديمية والثقافية والإعلامية الغنية، سبق لها أن ترشحت في الدورة الانتخابية الماضية، وها هي تترشح من جديد اليوم في البقاع الغربي ضمن لائحة قوى التغيير.

عون، التي لا تتحدث كثيراً في السياسة، تحمل قضايا إنسانية متعددة وتقف إلى جانب الناس. فهل يمكن أن يؤدي التزامها هذا إلى الوصول إلى الندوة البرلمانية في بلد يتنفس سياسة؟

مع العدّ التنازلي لاستحقاق انتخابي «هادِر» لا يُشْبِه غيره، هل يمكن للصوت الإعلامي النسائي الهادئ أن يكون له حضور بين قروش السياسة؟ هل تتكرر تجربة بولا يعقوبيان ويشهد لبنان حضوراً فاعلاً لإعلامياته تحت قبة البرلمان ليكنّ باكورة التغيير؟

السابق
تَهَيُّب سياسي لتحريك «وكر الدبابير» المالي قبل الإنتخابات!
التالي
باسيل يقاتل في الإنتخابات بـ«عضلات حزب الله»!