محمد شومان: العلامة الأمين شخصية متعددة الأبعاد

محمد زينو شومان

كتب الشاعر محمد زينو شومان في الذكرى الأولى على وفاة العلامة السيد محمد حسن الأمين التالي:

ليس من السهل، بهذه العجالة، تناول سيرة شخصية متعددة الأبعاد والجوانب، كالعلامة السيد محمد حسن الأمين، الذي كان له حضوره الفقهي والأدبي والسياسي والفكري ليس في لبنان وحده فحسب، بل عربياً وعالمياً.

اقرا ايضا: حافظ التراث وداعية التجديد

لقد عرفت السيد محمد حسن الأمين منذ مطلع التسعينات من القرن الفائت. كان اللقاء الأول في منزل العلامة السيد هاني فحص، الذي كانت تربطني به أيضاً علاقة ودية أساسها ما يتميز به من نهج عقلاني وموضوعي، وانفتاح على الآخر والمختلف، وحبه للأدب والشعر والإبداع خصوصاً، وما لديه من مخزون ثقافي وتراثي عربي وإسلامي؛ وإطلاعه على الفكر الغربي الحديث بكل تياراته الفلسفية والأدبية والثقافية على العموم.

وسرعان ما توطدت الصلة بيني وبين العلامة محمد حسن الأمين من خلال ترددي الدائم إلى مجلسه في صيدا، الذي كان ملتقى أو صالوناً أدبياً مفتوحاً على مصراعيه لمرتاديه من مشارب واتجاهات وانتماءات شتى قاسمها المشترك شخصية السيد الكارزمية، التي تجمع بين ميول واهتمامات متنوعة. ولعل أبرزها شغفه بالشعر والأدب وتتبعه – عدا مجاله الفقهي بحكم كونه قاضياً شرعياً في صيدا – لشؤون عامة وأخرى سياسية وفكرية وربما ذات منحى إيديولوجي.

لقد كان لتحرك السيد ونشاطه الدؤوب الأثر الكبير في إثارة المجتمع الصيداوي إلى حد أقضّت هذه التحركات مضجع المحتل الإسرائيلي فضاق بها ذرعاً ولم يجد حلاً إلا باعتقاله ثم إبعاده إلى بيروت

ولا ننس ما كان للسيد محمد حسن الأمين من منزلة مميزة في الوسط السياسي والفكري والديني الصيداوي وهذه الحظوة التي كان يتمتع بها لدى النخبة الصيداوية من قوى وفعاليات سياسية وقادة حزبيين وعلماء دين وأساتذة جامعيين. فضلاً عن المهتمين بالشؤون الفكرية والثقافية، وعن مرتادي مجلسه المفتوح من صيدا ومحيطها الجغرافي امتداداً إلى أقصى الجنوب. إنما هي – وأقصد الحظوة – حصيلة الدور البارز والفعال الذي كان يضطلع به السيد، من خلال علاقاته الوطيدة مع هذه النخب والقوى والشخصيات الوطنية والسياسية، ومن خلال جعل بقية بيته منبراً للحوار والجدل وتلاقح الأفكار على اختلافها.

لا ننس ما كان للسيد محمد حسن الأمين من منزلة مميزة في الوسط السياسي والفكري والديني الصيداوي

وقد برز هذا الدور خصوصاً في فترة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة صيدا، فلم يكن يهدأ أو يستكين وقد تكللت جهوده ومساعيه المتواصلة بتشكيل تجمع العلماء المسلمين الذي تألق من علماء من صيدا ومن الجنوب، داعياً إلى المقاومة ومواجهة المحتل. وكان صوته الأبرز في اللقاء الذي يجمع فعاليات صيداوية وشخصيات وطنية في الجامع الزعتري في عام 1983، محرضاً على الدفاع عن المدينة ومجابهة الاحتلال. ولقد كان لتحرك السيد ونشاطه الدؤوب الأثر الكبير في إثارة المجتمع الصيداوي إلى حد أقضّت هذه التحركات مضجع المحتل الإسرائيلي فضاق بها ذرعاً، ولم يجد حلاً إلا باعتقاله ثم إبعاده إلى بيروت.

ولم يكن الإبعاد هو نهاية المطاف في مسيرة السيد محمد حسن الأمين فلم يتقاعس ولم تنكسر شوكته، بل ظل مدافعاً قوياً ومناصراً للقضايا الوطنية والإسلامية ولا سيما قضية فلسطين التي كانت عماد نشاطه في هذا الإطار.

ومما يجب الإشارة إليه، أن سماحة السيد محمد حسن الأمين لم يكن، منذ عودته من النجف الأشرف، ليتقوقع أو ليرضى بالدور الوعظي والديني المحدود، الذي هو عادة من مهام رجل الدين ومحور خطابه التقليدي. فقد كان طموحه أبعد وأشمل من هذه الحدود الضيقة. وعلى الرغم من استمراره زهاء أربعة عقود في القضاء الشرعي، إلا أن المجال الفقهي لم يكن آخر آفاقه.

كان له من بعد النظر واتساع الرؤية الفكرية والثقافة الموسوعية وإيمانه بالعقل ودوره ما جعله قطباً من أقطاب الحوار داخلياً وعربياً وإسلامياً

فقد كان له من بعد النظر، واتساع الرؤية الفكرية، والثقافة الموسوعية، وإيمانه بالعقل ودوره، ما جعله قطباً من أقطاب الحوار داخلياً وعربياً وإسلامياً. لهذا كان جديراً بتخطي المهمة الدينية الموروثة إلى المشاركة الفعالة في منتديات ومؤتمرات فكرية وسياسية وإسلامية ودينية في لبنان وخارجه. حيث كان من أصحاب الرأي المؤثر والحضور البارز. وكانت أفكاره ومقترحاته للحلول في مثل هذه المؤتمرات ناتجة من قدرة على التحليل والاستنتاج.

وبمقدار مناصرته للقضية الفلسطينية، من منطلق الحق الشرعي، كان مدافعاً عن قضايا الحوار والدعوة إلى الاعتدال والتقارب أو التقريب بين المذاهب والأديان.

ولعل ضيق المجال لا يسمح لنا بالتوسع كثيراً في استعراض آراء السيد محمد حسن الأمين ومنهجه النقدي في قراءته للتراث الإسلامي الفقهي والفكري والتاريخي. فمن المعلوم أنه شاعر وأديب وناقد وهذا موضوع يتطلب بحثاً مستقلاً. فهو عدا حبه للشعر العربي وقرظه، كان له ميزانه النقدي الحساس وذائقته الأدبية الرفيعة. ولا عجب في ذلك، فهو القارئ النهم وهاضم التراث العربي الأدبي فضلاً عن تضلعه من علوم اللغة والنحو البلاغة.

وسأكتفي بهذا القدر، للانتقال إلى المحور الأهم والأساسي في منظومة السيد الفكرية والنقدية وهو نظرته التجديدية إلى التراث الإسلامي ومصادره. ويأتي على رأسها إيمانه المطلق بحرية الفرد، وهي كما يرى “تضمن حرية الفكر والقول وحرية الاختلاف وتحريم كل مصادرة تنطلق بإسم الدين لتقييد هذه الحريات”.

من المعلوم أنه شاعر وأديب وناقد وهذا موضوع يتطلب بحثاً مستقلاً

وكان واضحاً في اختيار منهجه العقلاني في مقاربة التراث، داعياً إلى الفصل بين الدين والدولة. فالإسلام بحسب هذه النظرة ليس دولة وإنما هو دين فحسب. وهو بهذا الفصل قد أبعد الدين عن الخوض في موضوعات غيبية وأسطورية خارج نطاقه ومجاله الخاص. تاركاً للعلم أن يأخذ على عاتقه تحليل وتفسير مظاهر الطبيعة كالبرق والرعد والزلازل وسواها بما كان الدين يقحم نفسه في تفسيرها شاطاً عن دوره ومجانباً للصواب وللحقيقة العلمية.

كان واضحاً في اختيار منهجه العقلاني في مقاربة التراث داعياً إلى الفصل بين الدين والدولة

كما رأى السيد أنه لا بد من إزالة عنصر القداسة عن التراث والنظر إليه على أنه نتاج تاريخي. وهذا هو الشرط الأساسي للنقد المرتكز على منهج علمي وموضوعي واضح المعايير والملامح. ولعل أبرز آرائه بخصوص المسألة الشيعية، هو حكمه بعدم جواز قيام دولة شيعية. ووفقاً لهذا الرأي، فحسب الشيعة أنهم جزء من كيان الدولة التي ينتمون إليها.

*الشاعر محمد زينو شومان*

السابق
داوود عن العلامة الأمين: كان رافضاً لزَيْفِ السياسيّين
التالي
بزّي في ذكرى السيد الأمين: فقدنا شخصه ودوره أيضاً