عبد الله رزق يستذكر العلامة الأمين: سيد الموقف والكلمة

د. عبد الله رزق

في الذكرى الأولى على غياب العلامة السيد محمد حسن الأمين، كتب د. عبد الله رزق نائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي التالي:

اقرا ايضا: جورج غنيمة: العلامة الامين مجتهد بامتياز

“سيد الموقف والكلمة

بخجل ندخل إلى عالم السيد، فمهما أحسنّا التعبير سنبقى مقصرين. كيف لا؟ وهو الذي حمل تحت عمامته، الواسع من العلم والمعرفة والانفتاح، فكان سيد الكلمة حين القول، وسيد الموقف حين وجب.

سيدي،

بعد عام من رحيلك الموجع، جِئناك اليوم من نواحي الجرح جميعاً. فمن قادم من زمن الاستباحة في بيروت، إلى قادم من مسيل الدم المقهور والألم الكامن في الضاحية، فإلى قادم من باب العتمة والضوء، باب القهر والكبرياء، باب الجنوب.

لا تنظر إلى وجوهنا وتقلب صفحات العيون بل حاول أن تنظر إلينا ببصرك ذاك النافذ الرؤية

فلا تنظر إلى وجوهنا وتقلب صفحات العيون. فالحرية التي شاهدت فصولاً من توغلها في حدقات الأطفال وأحلام الصبايا، وقهر الأباء، وجرح الهجرة بعد أن سدت السبل، ودموع الأمهات.

الحرية تلك التي نهشت من لحمك الكثير، أنت بالذات، وسمَّرتك طويلاً على صليب الآمال. تلك الحرية تواصل رحلتها المفترسة في شرايين الوطن، وفي حقول العافية، والأمل بدولة القانون والمؤسسات، وآفاق الوعود الجميلة.

لا تنظر إلى وجوهنا وتقلب صفحات العيون، بل حاول أن تنظر إلينا ببصرك، ذاك، النافذ الرؤية. فمنك تعلمنا أن تبقى جمرة المقاومة والمجابهة وعدم الاستسلام متقدة دوماً.

ومنك تجرعنا الجرأة في قول الحق وفعل الإيمان بمستقبل أفضل، رغم جنون الرياح المعادية وعسف الأهواء السود.

سيدي…

في ضوء قولك الصارم، برزت معالم الموقع القتالي الذي اخترقه منذ شبابك الأول إلى جبهة الرفض والمواجهة.

وفي ميدان هذه الجبهة تواصلت حلقات تميزك في خط بياني صاعد فمن النجف الأشرف إلى بغداد الوثبة إلى جبل عامل التمرد والشعر فبيروت الكبرياء والابتكار، كنت في ثوب التنوير والقتال، رافضاً السائد من النظم المهترئة، والأقوال المهترئة تحت جبة التوجيه والإرشاد، لأنك آمنت بالعقل سيداً وبالمنهج العلمي مرشداً فانكشفت لك، كل الحقائق، فانصرفت إلى الخط الصاعد في حركة الوعي والإصلاح، عبر الكلمة المضيئة الشجاعة والرائدة.

من هنا كان انصرافك المتبتّّل إلى الفهم الصحيح والمتوقد للدين، بحذق ومهارة، وفي العوالم البعيدة الأغوار، زاملت السيد هاني فحص… فشكلتما ظاهرة تختلف عن المتوارث والسائد، وأنجبتما طلاباً نجباء ما زالوا على عهدكما، نظرة وموقفاً وجرأة واستعداداً، للمضي قدماً من أجل وطن سيد ودولة حرة ديمقراطية، لا تحاكم على المذهب أو الطائفة، بل تسبح في رحاب الإنسانية تلاقياً وائتلافاً في وجه الفرقة والقسمة اللعينة.

عذراً سيدي… وأنت تنزل من عليائك اليوم، فترى خرابنا الموحش، فتطرق علينا الباب، كي نتوحد في خطوة من الخطوات المقبلة الكثيرة، وكي نقول للسلطة الجائرة كفى… وللعبث والاختلاف لا… لكن من أسف شديد، كثيرون، حتى الآن، لم يصلوا إلى سماع صوتك الذبيح، ويتقاتلون على فتات من المشكوك به أن يحصلوا عليها.

وأسمح لنا سيدي أن نرفع صوتك قائلين، إلام هذا الرقاد العاجز، وعلام هذا الضياع والتضحية بالإنجازات الرائعة في لحظات 17 ت1 2019.

عذراً مرة أخرى سيدي.. لقد أطلت قبل البوح بعلاقتك التي لم تنفصم عراها أبداً مع المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ومع رائده حبيب صادق.

فمنبر المجلس، يفتقد إلى فراستك وصوتك الهادئ الموزون في جنباته. وحبيب صادق صديقك ورفيقك، تلمع عيناه التي خبى فيهما بعض بريق الحياة، حين يصل إلى مسامعه أسمك وشخصك الذي تواصل معه زمناً طويلاً وتوحدتما في الرؤية والعمل والنشاط.

بإسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، الذي احتضنت مسيرته، ولم تبخل عليها في الإرشاد والاهتمام، نقول لك: سنبقى أوفياء في غيابك على مثل ما كنا عليه في حضورك.

فسلام عليك من جيل الوفاء ومن أبنائه الأوفياء، وسلام عليك من مجلسك الثقافي، وسلام عليك من حبيب صادق.. فنحن مقيمون على العهد، سائرون على النهج، رغم كل الصعوبات والتحديات..

سلام إليك سيدي في حضورك الدائم الذي لن يطويه غياب”.

*د. عبد الله رزق نائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي*

السابق
جهاد الزين في الذكرى الأولى على غياب العلامة الأمين: نحتاج إليك!
التالي
محمد حسين شمس الدين في ذكرى العلامة الأمين: «المُبدعون تكثّرهم مناياهم»