يشوعي يحذر عبر «جنوبية»: إفلاس القطاع المصرفي يزيد من خسارة المودعين

ايلي يشوعي خبير اقتصادي
هل يمكن أن يسفر الكباش الدائر، بين القضاء والمصارف، إلى جلوس كل الاطراف المعنية بالازمة المالية على الطاولة لإيجاد حل شامل؟ الجواب صعب، لأن السلطة السياسية التي بددت 40 مليار دولار منذ بداية الازمة في العام 2019، بالتعاون مع المصارف وبتغاضي من القضاء، يمكنها أن توصل المودعين إلى نقطة الافلاس. لكن هل ستتجرأ على القيام بذلك قبل الانتخابات النيابية أم بعدها؟

ليس من المبالغة القول، أن ما يجري بين القضاء اللبناني والمصارف، لجهة الأحكام التي تصدر عنه لصالح عدد قليل من المودعين، وآخرها القرار الذي أصدرته القاضية مريانا عناني بحق فرنسبنك، هو مشهد سوريالي، لا يمكن فهمه بسهولة أو توقع لصالح من سينتهي هذا الكباش الدائر، خصوصا على أبواب الانتخابات، والطبقة السياسية الحاكمة تبدي حذرها في إتخاذ أي إجراء يرتد عليها سلبا. علما أن الجانبين(القضاء والمصارف) كانا قبل الأزمة الإقتصادية والمالية، وبعدها ومعها أدوات من هذه الطبقة السياسية، لجهة إستدراج المصارف لأموال المودعين، عبر منحهم فوائد عالية ومن ثم تذويبها(بعد الازمة) إما بتنفيذ التعاميم التي كان يصدرها مصرف لبنان وهذا ما فعلته المصارف، في حين أن خضوع التعيينات القضائية على مرّ السنوات، والإستحقاقات للمحاصصة السياسية، منع السلطة القضائية بأن تقوم بدورها في حفظ حقوق اللبنانيين وفقا لمبدأ فصل السلطات.

اقرا ايضا: حبيقة يُحذّر عبر «جنوبية» من «شح السيولة بالليرة وخنق البلد»!

اليوم نفذت المصارف إضرابها (يستمر ليوم غد الثلاثاء) إحتجاجا على الاحكام القضائية، والعراك في الساحة اللبنانية على أشده بين مؤيد لخطوات القضاء وبين معارض، لكن أيا من الجانبين لا يعمل على إيجاد حل شامل للمشكلة، بالرغم من أن حالة الاهتراء التي يعيشها لبنان في كل مؤسساته، بلغت مستوى غير مسبوق. فإلى متى تستمر هذه الحالة وما هي الخطوة الاولى للخروج منها؟ 

الحل يكمن في إستعادة الاموال المهربة الى المصارف و إعادة رسملتها  

يحمّل الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي الطبقة السياسية الحاكمة، المسؤولية الكبرى للوضع المالي والاقتصادي الراهن، لكنه لا يعفي أطرافا أخرى من المسؤولية، ليقترح بعدها الحل، فيقول ل”جنوبية”:”المسألة معقدة وليست بسيطة، والقضاء اللبناني يقوم بواجباته ويتحمل مسؤولياته، والنقطة التي فجرت الخلاف بين المصارف والقضاء، هو أن أحد المودعين تقدم بشكوى لإسترجاع وديعته والحكم لكان لصالحه”، لافتا إلى أن “التطور الجديد أن القاضية عناني أكملته اليوم الاثنين،  بقرار بفتح صناديق مصرف فرنسبنك وإحصاء محتواها في عدة فروع، لرد الوديعة للمودع بالعملة التي أودعها فيها، وعودة المصرف بعدها إلى عمله الطبيعي”.

يضيف:”بالرغم من تقديرنا لخطوات القضاء تجاه رد حقوق المودعين، إلا أن النظر إلى المشكلة من زاوية الحل،  فإنه لا يمكن أن يكون فرديا بل عموميا في هذه المعضلة، أي يطال كل المودعين ودون أن يضطروا إلى رفع دعاوى قضائية، في كل مرة يريدون إسترجاع أموالهم”، مذكرا أن “نقابة المحامين شكلت لجنة لتلاحق إسترجاع حقوق المودعين، وهناك أيضا جمعية المودعين التي تقوم بنشاط قضائي، لكنهم لم يتوصلوا إلى الان إلى نتيجة ملموسة، في حين أن رفع الشكاوى المنفردة أدت إلى نتيجة، وألزمت مصرفين برد الوديعة بعملة الايداع ونقدا”.

الدولة تقاعست في إقرار قانون الكابيتال الكونترول عشية الازمة تجنبا لعملية لتهريب الاموال

 يرى يشوعي أن “الحل الشامل للمشكلة التي يتخبط فيها المودعين، يرتبط بأربعة فرقاء مختلفين، أولهم الطبقة السياسية التي حكمت لبنان بعد الطائف، وخصوصا من العام 1993 إلى اليوم، وتميزت فترة حكمهم بالمحاصصة وتوزيع المكاسب بينهم وبين محاسيبهم، بطريقة غير مشروعة وهدر أموال الخزينة العامة”، مشيرا إلى أن “أداء حكومة الرئيس حسان دياب تميزت بتناقض فظيع، فمن جهة أعلنت أفلاس الدولة اللبنانية، وتوقفت عن سداد سندات اليوروبوندز، ومن جهة ثانية إرتضت بهدر الاموال، وإنتهجت سياسة دعم إستفاد منها المهربون والنافذون، والقليل من الشعب اللبناني، وكلفت مصرف لبنان دفع 12 مليار دولار، ولكنها رفضت سداد دين لبنان الذي يبلغ مليار ونصف”، ويشدد على أن “الدولة اللبنانية تقاعست في إقرار قانون الكابيتال الكونترول عشية الازمة، تجنبا لتهريب الاموال التي حصلت، فعشية الانهيار كان لدينا 177 مليار دولار في المصارف، منها 120 مليار بالدولار والبقية بالليرة اللبنانية (1500 ليرة)، وقد بدأت تتحول في العام 2010 إلى قيود دفترية ولم يبق منها في العام 2019 سوى 50 مليار دولار”، شارحا أنه “لو كان هناك قانون كابيتال كونترول ومجلس نقد، لكانت إستطاعت الدولة اللبنانية أن تعوّم المصارف، وأن تعود هذه الاخيرة إلى لعب دورها في الاقتصاد كوسيط بين أصحاب الاموال وبين القطاع الخاص، لإستثمار هذه الاموال وكان بإمكاننا تخفيض سعر صرف الدولار، إلى أدنى مستوياته وكنا طبقنا العدالة الاجتماعية”.

يعرب يشوعي عن أسفه لأن “سياسة الدعم مستمرة اليوم على دولار 22 ألف ليرة، على حساب ما تبقى من أموال المودعين، التي يقال أنها تبلغ 10 مليار دولار، وأنا أقول أنها أقل من ذلك، وهذا عمليا يعني أن لبنان بات في وضع إفلاسي في كل القطاعات، أي الدولة والقطاع المصرفي والمودعين”، لافتا إلى أن “هذه الدولة مفتتة بشكل غير طبيعي، وهناك فرقاء سياسيين متمسكين بالطاقم الموجود في المصرف المركزي، وخصوصا الحاكم، مما يزرع الشكوك الكبيرة بالاذهان، لماذا التمسك بالحاكم بالرغم من أنه كان سببا لخسارة العديد من السياسيين وسيستمر في ذلك؟”. 

الفريق الثاني المعني بالأزمة هو “المصرف المركزي الذي سمح بتهريب الأموال وكل التعاميم التي أصدرها ساهمت بقضم الودائ

ويوضح يشوعي أن “الفريق الثاني المعني بالأزمة هو “المصرف المركزي الذي سمح بتهريب الأموال، وكل التعاميم التي أصدرها ساهمت بقضم الودائع وتشليح الناس لأموالهم، وأخفق في عملية رسملة المصارف أو زيادة رأسمالها بنسبة 20 بالمئة”، معتبرا أنه “لم يكن على المصارف (الفريق الثالث المعني بالازمة)، أن تقبل بتهريب الأموال إلى الخارج، صحيح أنها كانت موجودة في المصرف المركزي لكن لم يكن للمصارف موقف صارم وشديد”، ويلفت إلى أن “سيولة المصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة ليست فائضة بل تعاني من عجز بقيمة 300 مليون دولار، وهي غير مستعدة لإعادة رسلمة نفسها، لأن الثقة غير موجودة، و هذه الثقة لا يمكن إسترجاعها إلا من خلال تعيينات لطاقم جديد في المصرف المركزي،  و بحاكم جديد ، لأنه بمجرد أن يتم الاعلان عن إسمه تكتسب الناس 50 بالمئة من تلك الثقة الضائعة،  اما الخمسين بالمئة المتبقية فيتم إكتسابها من خلال أدائه وكفايته”..

لو كان هناك قانون كابيتال كونترول ومجلس نقد لكانت إستطاعت الدولة اللبنانية أن تعوّم المصارف

يرى يشوعي أن الفريق الاخير المعني بالازمة وكيفية حلّها هم المودعين، ويقول:”صحيح أن هناك جمعية تدافع عن حقوقهم، بالاضافة إلى تحرك نقابة المحامين ، لكنها لم تتمكن من إيجاد حل شامل بل بعض الحلول الفردية”، معتبرا أن “الحل يكمن في إستعادة الاموال المهربة الى المصارف، و إعادة رسملتها وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي  التي فقدناها، نتيجة ممارسات حاكم المصرف المركزي و فريقه، عندها يمكن للمصارف أن تستعيد 50 بالمئة من رأسمالها من حساباتها المصرفية الخاصة المودعة خارج لبنان، أما إفلاسها فليس حلا بل سيكون سببا في خسارة المودعين المزيد من ودائعهم”.

السابق
«عامل» تطلق مركزاً اجتماعياً – تنموياً في النبطية.. مهنّا: رسالتنا تعزيز صمود الإنسان في أرضه
التالي
الدولار يقفل على ارتفاع جديد.. كم بلغ؟