حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لنتصارح تحت قرص الشمس

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ينبري مسؤولو “حزب الله” الى اطلاق حملات اعلامية تُوَصِّفُ سلبيا، وتُزَيِّف مضمون المعركة الانتخابية النيابية القادمة، وتستبق وقائعها ونتائجها، فالشيخ نعيم قاسم يَعتبرُ المعركةَ لا تحمل تغييرا، ويدعو الى عدم المراهنة على تبدل موازين القوى فيها، والى عدم الاكتراث بتبدل أرجحية الأكثرية فيها، وانتقالها من أيادي تحالف “حزب الله” الى جهة أخرى لا يملك قرارها…

لكننا ما ان ننتهي من سماع الشيخ نعيم، حول عدم اهمية الانتخابات وهامشية نتائجها، حتى يخرج علينا السيد هاشم صفي الدين، ليعتبر الانتخابات المقبلة محطة لمؤامرة، تحيكها دول العالم اجمع لحصار “حزب الله” وعزله ولكسر شوكته، ويستنفر كل مخاوف جمهوره ليحتشد في مواجهة يعتبرها مصيرية، في حين يعتبر الشيخ نبيل القاووق، ان الانتخابات ليست معركة بين مرشحين لبنانيين من اتجاهات سياسية مختلفة، يتنافسون على اشغال مقاعد نيابية في البرلمان اللبناني، لكنها مواجهة بين “مقاومته الباسلة” وبين اميركا، وبحسبه ان اقلام الاقتراع في المدن والقرى اللبنانية، ليست سوى ساحة صراع، يفتك فيها رجال الله، بمجموعة من الجواسيس ارسلتهم السفارات المشبوهة لتعكير ساحة “مقاومته” والتشويش على انتصاراتها التي شغلت الناس وملأت الدنيا..

وعلى الرغم من تناقضات المواقف الثلاثة الواردة وتعارض منطقها، فإن خيطا رابطا يجمعها وينظمها، هذا الخيط يشي بنوايا الحزب وتوجهاته، فالحزب لا يريد للانتخابات أن تجري، ولذلك يحاول ان يصور عدم جدواها، وفي ذلك رسالة الى الجهات الدولية التي تصر على إجرائها، واذا جرت لا يريد لنتائجها ان تشكل مفصلا سياسيا، يجري البناء على متغيراته وانجازاته، لا يريد “حزب الله” أن يتغير التوازنُ السياسي الراهن في لبنان، وهو توازن يمسك الحزب بمفاصل قراراته، ولا يريد ان يتغير حتى لو كانت نتائج الانتخابات، تطلق واقعا جديدا باتجاه تغييره، وهو يستبق هذه النتائج معلنا نيته عدم الاعتراف بها وبمفاعيل نتائجها..

الحزب يعتبر الانتخابات مناسبة لحصاره وتضييق الخناق عليه، وليست استحقاقا دستوريا

الامر الثاني ان الحزب يعتبر الانتخابات مناسبة لحصاره وتضييق الخناق عليه، وليست استحقاقا دستوريا، يمارس فيه شعب لبنان حقه الطبيعي في مساءلة نوابه جميعا، ومعاقبتهم وتغييرهم، بعد الكارثة المفجعة التي تسببت بها منظومة الفساد والسلاح والارتهان الى الخارج، و هي منظومة يقوم “حزب الله” بقيادتها وبحمايتها. فالانتخابات بمفهوم “حزب الله” ليست امتحانا للنواب ولسياساتهم وادائهم، وليست مراجعة لإنجازاتهم واخفاقاتهم، لكنها احتفال لتجديد البيعة واظهار الولاء والوفاء للقائد والمرشد، فيها يُبرئُ الناخبُ ذمته امام ربه، ويعلن طاعة غير مشروطة للولي الفقيه، تمنحه الثواب ومرضاة الله وحزبه…

الأمر الثالث أنَّ الحزبَ لا يتنافسُ مع خصومٍ على مقاعد نيابية، ولا يَحتكِمُ لأصوات ناخبين، يفاضلون بين مرشحيه ” الأوفياء لمقاومته” ولبنانيين آخرين، لديهم برامجَ أخرى وتوجهات سياسية مختلفة، بل هي مواجهة بين رجال أخيار أبرار، هم مرشحي الحزب ومن لف لفهم من جهة اولى … وجواسيس أرسلتهم ومَوَّلَتهم سفارات دول الشر والاستكبار العالمي من جهة ثانية…

لا تفتقرُ سرديات الحزب الانتخابية هذه، الى أدنى درجات الصدق والموضوعية فقط، بل أنها تتقصد ان تفتعل غبارا وتعمية عن المساءلة الفعلية، الذي يجب على “حزب الله” ان يخضع لها، كما غيره، نوابا وقيادة وسياسات وخيارات، ولذلك فان النقاش الانتخابي الراهن يجب ان يطال النقاط التالية ؛

١) أداءُ نواب “حزب الله” في البرلمان:

لم يتميز إداء نواب “حزب الله” بأي صفحة مشرقة، على مدى ٢٠ سنة من تمثيلهم البرلماني، وقد شهدنا وشهد اللبنانيون حوادث متفرقة شكلت صورا بائسة، لأداء نواب الحزب وسلوكياتهم؛ ونورد هنا أمثلة منها؛

  • علي عمار لميشال معوض
    من يساجلنا يصغر ومن نساجله يكبر… / درس في التواضع
  • نواف الموسوي ؛ بندقية المقاومة أوصلت عون الى رئاسة الجمهورية / درس بالديموقراطية
  • حسن فضل الله رئيس اللجنة البرلمانية للاتصالات لجورج عدوان؛
    اشرح لنا ماذا يجري بالاتصالات وشركات ال fibres optiques لكي نفهم ماذا ما يجري؟! /درس في المتابعة والرقابة البرلمانية
  • نواف الموسوي لبيار ابو عاصي ؛ من يتناول مقاومتنا سنكسر رأسه وسنقطع رجله ورقبته … / درس في الانصات والتدرب على الحوار.

وبدل هذه الممارسات البائسة، اغفل نواب “حزب الله” المطالبة بانشاء سد العاصي، في حين تم تمرير موازنات وقروض واعتمادات ستة سدود أخرى لا فائدة منها، ولم تجمع ماء في اي فصل، هي بريصا، المسيلحة، بالوعا، وبقعاتا كنعان، وجنة، اضافة الى شبروح والقيسماني وبسري

اغفل نواب “حزب الله” المطالبة بانشاء سد العاصي، في حين تم تمرير موازنات وقروض واعتمادات ستة سدود أخرى لا فائدة منها

٢) تحالفات “حزب الله” وشيطنة “القوات اللبنانية”

يرسم “حزب الله” لنفسه صورة القداسة والمبدئية، واحترام الحلفاء واصطفائهم بعد اختبار مصداقيتهم وامانتهم، لكن السردية هذه يناقضها الواقع والسلوك، ويفضحها مسار الأحداث وشواهد المحطات السياسية المختلفة، فالحزب تحالف مع ايلي حبيقة، بطل مجازر صبرا وشاتيلا سنة ١٩٩٢، كما تحالف مع القوات في بعبدا سنة ٢٠٠٥، عبر د. ادمون نعيم وردد أمينه العام السيد نصرالله تزكية لهذا التحالف، كلام الرئيس بشير الجميل عن لبنان ١٠٤٥٢ كلم، وانتخب نادر سكر من قيادة القوات اللبنانية، نائبا على لائحته في بعلبك الهرمل سنة ١٩٩٦، وبيض صفحة كريم بقرادوني مهندس علاقات المغدور بشير الجميل باسرائيل، والذي كان على رأس من استقبل أرييل شارون، في المجلس الحربي للقوات اللبنانية في الكرنتينا سنة ١٩٨٢، ثم تحالف مع قدامى القوات اللبنانية في دائرة جبيل_كسروان في انتخابات ٢٠١٨، وعلى راسهم جوزيف الزايك، الحزب نفسه لا يكف، بعد كل هذه الممارسات، عن معايرة القوات اللبنانية عن تاريخها في الحرب الأهلية!

٣) “حزب الله” وتهم التخوين والتعامل مع اسرائيل

“حزب الله” هو من سكت على اطلاق سراح الجنرال فايز كرم، بعد ادانته بالاتصال باسرائيل من قبل المحكمة العسكرية، وهو من بلع استقبال الجنرال ميشال عون للجيش للاسرائيلي على المتحف، ثم اوصله ببندقيته الى سدة رئاسة الجمهورية، و”حزب الله” الذي استعاد الى صفوفه اغلبية شيعة جيش لحد، في قرى الجنوب بعد تحريره سنة ٢٠٠٠، والذي تعاملوا مع اسرائيل وخدموا جيشها وادارتها المدنية، واختار منهم مخاتير ورؤساء بلديات.

هذا الحزب الذي وجد في داخل قياداته، من محمد شوربا الى ابو سعد سليم الى مروان الفقيه صديق رئيس كتلته النيابية، كعملاء لإسرائيل اضافة الى حوالي اربعين عميلا أقل اهمية، مطلوب منه أن يهتم بداية، بتنقية صفوفه، بدل ان يلصق صفة الخيانة بخصومه وبالتعامل مع اسرائيل.

نعم التعامل مع اسرائيل خيانة، لكن “حزب الله” لايصح ان يلعب دور القضاء

قد يقول قائل، ان اسرائيل تسعى لكي تزرع في صفوف الحزب وبالقرب من مراكزه، عيونا وجواسيس لها، وهذا امر مرجح الحدوث، لكنه لا يعيب جسم الحزب الاساسي ولا تشكيلات تنظيمه، وقد يكون من الانصاف الاعتراف بذلك، حتى ولو كنا في معرض نقد سياسات الحزب وخياراته، نعم التعامل مع اسرائيل خيانة، لكن “حزب الله” لايصح ان يلعب دور القضاء بالظن بخيانة منافسيه، وان يتلبس صفة المدعي العام لاطلاق الاتهام بها.

٤) محاربة الفساد

قبيل الانتخابات النيابية الماضية سنة ٢٠١٨، اعلن السيد حسن نصرالله الشروع في معركة محاربة الفساد، واليوم وبعد أربع سنوات، يظهر الهدف من هذا الاعلان وتنكشف جدية المكافحة والمواجهة!؟

الفسادُ سيفٌ يُشْهِرُهُ “حزب الله”، في وجه خصومه، تماما كالاغتيال السياسي

الفسادُ سيفٌ يُشْهِرُهُ “حزب الله”، في وجه خصومه، تماما كالاغتيال السياسي، الذي يستعمل لارهاب القوى السيادية وتطويعها. وقد اصبحت ملفات الفساد تحت إبط النائب حسن فضل الله، طرفة على كل لسان، واذا كان “حزب الله” او اي طرف اخر يريد محاربة الفساد، فليبدأ كل واحد بنفسه وبحزبه…

ليقم “حزب الله” بتطبيق مبدأ “من أين لك هذا” على قياداته وكوادره، وليعلن ذلك على الملأ. فقد ملأت فيلات وبيوت وسيارات كوادر الحزب مآقي اللبنانيين وابصارهم، وغدت عربات تسويق نساء “حزب الله” في اسواق الاستهلاك اللبنانية، مثار حسد ربات العائلات اللبنانية وهمساتهن وحسراتهن…

وليفسر لنا سيطرته واستغلاله عشرات المقالع والكسارات، التي يديرها كوادره في جبال لبنان…
ليفسر لنا سيطرته على ثلاثة معابر تهريب بضائع تجارية، وعدم اخضاعها لرسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة ؛ واحدة من مرفأ طرطوس الى معبر “مشتى حسن” جنب الهرمل وصولا الى لبنان، ومعبر مطار بيروت الدولي، ومعبر مرفأ بيروت، والذي يهدر من واردات الدولة السنوية ٢.٥ مليار دولار أميركي.

ليخبرنا عن المازوت الايراني الذي كسر الحصار عن ايران ولبنان ! فاستحق مهرجانات التهريج حول الصهاريج، في وقت ينال البرد بيوت عائلات قرى الريف اللبناني، ويجمد الصقيع الدماء في اطرافهم، وتباع صفيحة المازوت في بعلبك ب ١٨.٥$.

ليشرح لنا “حزب الله” كيف تم تهريب السلع المدعومة من احتياط مصرف لبنان، وقوداً وغذاءً وأدويةً الى سورية

ليشرح لنا كيف تم تهريب السلع المدعومة من احتياط مصرف لبنان، وقوداً وغذاءً وأدويةً الى سورية، والتي يسيطر الحزب على حدودها بالشراكة مع الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد، والتي استنزفت ١٧ مليار دولار من ودائع مصرف لبنان.
ليشرح لنا سيطرته على قسم من واردات الاتصالات الدولية… وليتقدم بكشف يبين من هم الذين سيطروا على آلاف الدونمات من مشاعات قرى الجنوب، في رب ثلاثين والسكسكية وبنت جبيل والصرفند وغيرها وكيف تم تزوير انتقال ملكياتها…
ليبين “حزب الله” كيفية صرفه لاموال البلديات، التي سيطر عليها في الجنوب والبقاع، وما هي انتاجية المشاريع التي مولتها هذه البلديات!
وليبين لنا كيف تعامل مع “حصته” من المتقدمين لدخول الكلية الحربية، وبكم تم بيع المقعد الواحد… وهنا الشرح يطول.
اخيرا وليس آخرا، ليبين لنا ويكشف تجار الكابتاغون وغيرهم من الخارجين عن القانون…
عندما يفعل كل ذلك، وبعد ان يفعل ليكلمنا عن محاربته للفساد، وعندها فقط يمكن لنا ان نعتبر ان معركته جدية؟!

٥) ايران نموذج! لكن لأي دولة؟!

لو سلمنا كرها او شغفا لحزب الله بان يحكم لبنان، فاي نموذج سيقيم لنا؟! هل يمكن لحزب الله بعد سيطرته على الحكومة ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية، ان يعمد الى تسهيل قيام دولة قوية؟!
بداية ان اي محاولة لاستنباط سلوك “حزب الله”، بمقارنته بأحزاب سياسية طائفية كانت، كأحزاب لبنان او سياسية اجتماعية كأحزاب اوروبا، هي قراءة خاطئة.

المدخل لتبيان سلوك “حزب الله”، هو مقارنة ما يفعله مع ما فعله الخميني والحرس الثوري الاسلامي في ايران

المدخل لتبيان سلوك “حزب الله”، هو مقارنة ما يفعله مع ما فعله الخميني والحرس الثوري الاسلامي في ايران.
فماذا فعل الحرس الثوري الايراني بالدستور الايراني الذي وضعه الخميني، وماذا فعل الخامنئي بالرئيس المنتخب محمد خاتمي، وماذا فعل بانتخابات مير حسين موسوي، وصولا لانتخابات حسن روحاني، وهل سلم الحرس الثوري بتسيير مؤسسات الدولة الايرانية، وهل قام بحل المشاكل المتفاقمة في الخدمات والمرافق العامة الايرانية، لكي يحل “اشتقاقه اللبناني” مشاكل الخدمات في لبنان!؟

ان نظام ايران يشبه نظام الاتحاد السوفياتي البائد، من حيث فرض الخوة واقتطاع ريع مالي من موارد الدولة ومداخيلها، لصالح “شريحة بيروقراطية سلطوية دينية” غير كفوءة وغير منتجة، هذا النموذج لا يقيم دولة، ولا يدير اقتصادا منتجا ولا يحل مشاكل الناس بل يفاقمها!

آن اوان التواضع، وخفض الخطاب نبرة واصبعا مشرئبا، آن أوان إنقاذ لبنان كل لبنان، بما في ذلك انقاذ ابناء الطائفة الشيعية ايضاّ، وآن الاوان لإنقاذ ابناء “حزب الله” من الحزب ومن أنفسهم.

السابق
شربل لـ«جنوبية»: المولوي يوازن بين الورقة الكويتية وغضب «حزب الله»
التالي
انتهاء الجلسة الوزارية في بعبدا.. اليكم مقرراتها