حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران بين «الزوجة الروسية» و«الضرة الأميركية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ان يجتمع المجلس الاعلى للامن القومي الايراني مباشرة، بعد عودة رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي من زيارته، التي من المفترض ان تكون تاريخية الى روسيا، وفتح الباب امام الحديث العلني عن امكانية الحوار المباشر مع الولايات المتحدة الامريكية، يعني ان اللقاء الذي جرى بين الرئيس الروسي بوتين والزائر الايراني، لم تكن بحجم الأمال الايرانية المعقودة على هذه الزيارة.

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران و«النوم مع العدو» الأميركي..ماذا عن «حزب الله»؟!

اجتماع المجلس الاعلى للامن القومي، خصص لتقويم زيارة رئيسي الى موسكو، وقد تقصّد فيها بوتين التعامل مع الرئيس الايراني على انه الشخصية الثانية في النظام، ولا يملك صلاحية اتخاذ القرار في ظل وجود المرشد الاعلى الذي يعتبره بوتين، الشخصية المفتاحية والمقررة والممسكة بالقرار الايراني، بكل تفاصيله الداخلية والخارجية، الدبلوماسية والاستراتيجية.
من هنا جاء الاستقبال الرسمي بما يتناسب ونظرة سيد الكرملين لموقع الزائر الايراني. فلم يحظ باستقبال بروتوكولي حتى على مدخل الكرملين، وجلس في قاعة الانتظار لحين دخول بوتين، الذي غادر قاعة الاجتماع بعد انتهاء المباحثات بشكل سريع، بعيدا عن البروتوكولات المعتمدة في استقبال رؤوساء الدول.

اجتماع المجلس الاعلى للامن القومي خصص لتقويم زيارة رئيسي الى موسكو وقد تقصّد فيها بوتين التعامل مع الرئيس الايراني على انه الشخصية الثانية في النظام


زيارة رئيسي، لم تحقق الأبعاد التي كانت تتطمح لها طهران، فلم تنتقل العلاقة بين البلدين الى مستوى التحالف الاستراتيجي، ما يعني ان موسكو، مازالت تنظر الى علاقتها مع النظام الايراني، في اطار التحالف التكتيكي، خاصة وأن مساحات التباين بين موسكو وطهران ليست قليلة، على الرغم من مساحات التلاقي الكثيرة بينهما، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الوجود والدور الايراني على الساحة السورية، في ظل اي تسوية دولية لهذه الازمة، فضلا عن التداخل والتباين في المصالح بين البلدين، في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، ولعلّ المؤشر على عدم التجاوب الروسي مع اهداف وطموحات زيارة رئيسي، ان ما تسرب وما نُشر عن جدول اعمال الزيارة والمباحثات، لم يتضمن اي اشارة الى الحاجات الايرانية العسكرية ورغبتها في الحصول على صفقة مقاتلات سوخوي ومنظومة الدفاع الجوي (S 400). في حين ان الجدل داخل ايران، حول المطامع الروسية بحقول الغاز الضخمة، المكتشفة في بحر الخزر (قزوين)، عادت الى الواجهة مترافقة مع مخاوف من ابتزاز روسي لايران، وفرض تنازلات كبيرة عليها، مقابل الدعم الذي تقدمه لها، في المفاوضات النووية مع واشنطن والترويكا الاوروبية. بالاضافة الى محاولتها فرض شروط على الطموحات الايرانية، بان تكون مصدراً للغاز الاوروبي الى جانب روسيا.

زيارة رئيسي لم تحقق الأبعاد التي كانت تتطمح لها طهران فلم تنتقل العلاقة بين البلدين الى مستوى التحالف الاستراتيجي


التوجه الايراني بالانفتاح على امكانية الحوار المباشر مع واشنطن، سواء كان في اطار (مجموعة 5+1) المعنية بمفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي، أو أبعد من ذلك في امكانية البناء على نتائج فيينا، للذهاب الى حوار مباشر حول ملفات اخرى، واعادة تنظيم العلاقة بين الطرفين على نصاب مختلف، خاصة في ظل حاجتهما للتوصل الى تفاهم، حول الازمات والملفات الساخنة والمتوترة على امتداد منطقة غرب اسيا وتحديدا في الشرق الاوسط، يعني ان الحديث عن تعليق المفاوضات في فيينا وعودة المفاوضين الى عواصمهم، يحمل على الاعتقاد ان الامور وصلت الى مراحل متقدمة تفرض على الطرفين الايراني والامريكي اتخاذ قرارات حاسمة بشأنها، لما يترتب عليها من نتائج، قد تساهم في رسم معالم ومعادلات المنطقة في المستقبل القريب، خاصة وان اطراف الحوار في فيينا، أجمعت على ان المفاوضات دخلت مرحلة اتخاذ القرار السياسي، الذي يشكل المدخل الالزامي لترجمة التفاهمات الفنيّة والتقنية، حول الانشطة النووية، وكذلك في المجال الاقتصادي، وقرار رفع العقوبات وآليات التحقق والضمانات التي تمنع اعادة تعطيل الاتفاق.
الانفتاح الايراني على التفاوض مع واشنطن، وان يخرج عن المجلس الاعلى للامن القومي وتتناغم معه الادارة الدبلوماسية، يحمل رسالة الى الحليف الروسي، بان النظام الذي تحمّل اعباء العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي، بانتظار الوقت المناسب، الذي يكون قادراً، على توظيفها لصالحه في اي مفاوضات مع واشنطن، لن يسلم بسهولة لموسكو، بان تستأثر باستثمار هذا الموقف خدمة لمصالحها، التي تحتل الاولوية على حساب المصالح الايرانية، خاصة في ظل تفاقم ازمة موسكو مع المجتمع الدولي، وتحديدا اوروبا وامريكا حول الازمة الاوكرانية، وبالتالي فان طهران لن تكون عاجزة في الذهاب الى التفاوض المباشر مع واشنطن، بعيدا عن الدور الذي يلعبه المندوب الروسي في الامم المتحدة ميخائيل اوليانوف، وتجاوزه حدود دور الوسيط الى فرض الشروط، ورسم السلوك الايراني المطلوب.

الليونة الايرانية والتجاوب الحذر مع الاعلان الامريكي قد لا يجد صعوبة في الترجمة العملية


الليونة الايرانية، والتجاوب الحذر مع الاعلان الامريكي، عن الاستعداد للتفاوض والحوار المباشر في اي لحظة مع النظام في طهران، قد لا يجد صعوبة في الترجمة العملية، خاصة وان وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان يمتلك خبرة في هذا المجال، لجهة أنه كان أحد الاطراف، التي شاركت في المفاوضات السرّية مع الادارة الامريكية، التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط عام 2012، ومهدت لمرحلة التفاوض التي خاضتها حكومة حسن روحاني لاحقا.

مؤشرات الايجابية والرغبة في الحوار الصادرة عن طهران تبدو اكثر وضوحاً واكثر جدّية من الاصوات المتشددة


وعلى الرغم من السقف المرتفع، الذي تطالب به بعض الاصوات المتشددة مقابل العودة الامريكية الى طاولة التفاوض، خاصة ما يتعلق بمسألة بناء الثقة، وعدم العودة الى سياسة الانسحاب والعقوبات، فان مؤشرات الايجابية والرغبة في الحوار الصادرة عن طهران تبدو اكثر وضوحاً واكثر جدّية من تلك الاصوات، ولعل الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها بعض الدول العربية، تحديدا التي واكبت الحوارات الثنائية في بعض المراحل، وآلية التعامل الايراني مع بعض التطورات في ملفات اقليمية، لاسيما في العراق واليمن، تعزّز الاعتقاد بان التفاوض او شبه التفاهمات السياسية بين الطرفين، قد بدأت تظهر وتُترجم على ارض الواقع، تميهدا او انتظارا للخطوة الحاسمة، التي يبدو انها لن تتأخر كثيرا، وان كان ذلك سيتم على مراحل.

السابق
خاص «جنوبية» بالصورة: «الضربات» بوجه سلامة تتوالى.. الحجز على عقاراته في كسروان والاشرفية!
التالي
الشهر الأعنف في 2022: بالتواريخ.. عواصف ومنخفضات ستضرب لبنان في شباط!