حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران و«النوم مع العدو» الأميركي..ماذا عن «حزب الله»؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يبدو ان المفاوضات النووية غير المباشرة، بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، التي تستضيفها مدينة فيينا، قد وصلت الى مراحل متقدمة، سمحت للطرفين بالحديث عن اقتراب التوصل، الى اعادة احياء الاتفاق، مع التعديلات التي ادخلت عليه، نتيجة جولات الحوار التي جرت  خلال العام الماضي ومطلع هذه السنة. وان الامور وصلت الى نقطة، تفرض على الطرفين الجلوس الى طاولة واحدة، والتفاوض والحوار المباشر من دون اي وسيط، سواء كان روسيا او اوروبيا. 

النوايا الايجابية والرغبة المتبادلة، لانتقال الطرفين الى التفاوض والحوار المباشر، ترجمتها مواقف لجأ اليها كل طرف على حدة، وفي الحدود التي تدخل في دائرة المطلوب منه. فالفريق او الجانب الامريكي، وعلى الرغم من الموقف، الذي اعلنه مسؤول الملف الايراني روبرت مالي، حول ملف الموقوفين الامريكيين الاربعة في ايران، والمطالبة باطلاق سراحهم بالتزامن مع الحوار النووي، الا انه كان واضحا، في الحرص على عدم الربط بين الملفين، من دون ان يسقط النزامن بينهما، خاصة وان ملف الموقوفين، سبق ان اعلنت الحكومة الايرانية السابقة، وعلى لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، استعداده لفتح مسار تفاوضي مع نظيره الامريكي حينها مايك بومبيو، على الرغم من مستوى التوتر الحاد، الذي كان مسيطرا على الفضاء العلاقة بين الطرفين.

المفاوض الامريكي “مالي”، وفي خطوة حملت الكثير من الابعاد، حول التوجه الجدي لانجاح المفاوضات، وتوجيه رسائل ايجابية للمفاوض الايراني، لجأ الى قرارات صادمة، انتهت الى استبعاد اعضاء اساسيين من فريقه المفاوض، خاصة المسؤول عن وضع آلية العقوبات ضد النظام الايراني، الامر الذي كشف في الوقت نفسه، عن وجود انقسام في الاراء داخل الفريق الامريكي، بين تيار يتمسك بسلاح العقوبات والتشدد في استخدامه، للحد من الابتزاز الايراني ومماطلته في التفاوض، وتيار يسعى للتوصل الى تفاهم لاعادة احياء الاتفاق النووي، تحت ضغط عامل الزمن، وضرورة الانتهاء قبل موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، وامكانية خسارة الديمقراطيين للاغلبية لصالح الجمهوريين.

التفاوض المباشر لا يعني ان الحوار الذي تسعى له واشنطن وقبلت به طهران يعني االعودة الى الوراء للتفاوض حول الانشطة النووية

في المقابل، يبدو ان المواقف الصادرة عن الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، وامين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، ووزير الخارجية حسين امير عبداللهيان، حول استعداد بلادهم للانتقال الى الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، هذه المواقف تكشف عن ان القيادة الايرانية، وبعد الضوء الاخضر الذي اضاءه المرشد الاعلى قبل اسابيع، بأن التفاوض مع العدو لا يعني الاستسلام امامه، باتت على قناعة تامة، بان اي تقدم متوقع على مسار المفاوضات النووية، مرهون بخطوة التفاوض المباشر مع واشنطن، ولا بد من تجرع هذا الكأس، الذي من المفترض ان لا يكون طعمه “مرا” على مذاقها، خاصة وان هذه المواقف، جاءت ترجمة للنقاشات التي شهدها الاجتماع الاخير الاسبوع الفائت، للمجلس الاعلى للامن القومي، الذي يرأسه دستوريا رئيس الجمهورية، وشارك فيه عبداللهيان.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. «العين» على السعودية و«القلب» على اليمن!

التفاوض المباشر، لا يعني ان الحوار الذي تسعى له واشنطن وقبلت به طهران، يعني االعودة الى الوراء للتفاوض حول الانشطة النووية، التي شكلت الجسر للوصول الى هذه المرحلة، بل من المفترض ومن المتوقع، ان تفتح الباب لبحث ملفات اساسية في العلاقات بين الطرفين، مثل العلاقات الثنائية بين البلدين والضمانات المبتادلة، ذات الطابع الاقتصادي، التي تشكل مظلة الاتفاق النووي، خاصة ما يتعلق بفتح القطاعات الاقتصادية والصناعية والتجارية، امام الشركات الامريكية للاستثمار في ايران.

البرنامج الصاورخي الباليستي، الذي يشكل مصدر قلق، للعديد من الدول الحليفة لواشنطن في منطقة الشرق الاوسط، خاصة الدول العربية واسرائيل، وامكانية التوافق على وقف ايران، لعملية تطوير هذه الصواريخ، الى مستويات اعلى مما هي عليه بحيث تبقى في دائرة السلاح الدفاعي.

ازمة النفوذ الاقليمي، وآلية التعامل مع ملفات القوى المتحالفة معها، او التابعة لها في الاقليم، وفي مقدمتها الازمة اليمنية، وضرورة اضطلاع ايران بدور اكثر فعالية، في تسهيل عملية التسوية السياسية في الازمة اليمنية. والمسألة الابرز والاكثر حساسية، تتعلق بالازمة اللبنانية، ودور الحليف الاول للنظام الايراني في الاقليم، والدور المعطل للعملية السياسية الذي يمارسه على الساحة اللبنانية.

وفي المسألة اللبنانية، هل ستكون طهران على استعداد  للعودة الى خريطة الطريق التي تضمنتها الرسالة  التي وجهها رئيس اللجنة العليا الاستراتيجية للسياسات الخارجية كمال خرازي، الى وزيرة الخارجية الامريكية هلاري كلينتون عام 2011، والذي تحدث فيها عن امكانية تعاون ايراني في ازمة سلاح حزب الله في لبنان، ووضع سياسة متدرجة، تبدأ بوقف تطوير ترسانته العسكرية، ثم الانتقال الى تفكيك الجزء المتطور منها، وصولا الى التفكيك الكامل، والعمل على دمج الحزب في الحياة السياسية اللبنانية، ضمن التصور الذي يمكن التفاهم حوله.

هل تتعاون ايران مع اميركا في ازمة سلاح حزب الله في لبنان عبر وضع سياسة متدرجة تبدأ بوقف تطوير ترسانته العسكرية؟

قد تكون الترسانة العسكرية والحربية لحزب الله اللبناني، هي مصدر القلق الاساسي لكل دول المنطقة، التي بلورتها مؤخرا في المبادرة الكويتية، واعادة احياء المطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559، وكذلك عقدة الملفات الاقليمية، في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق، وخاصة اسرائيل التي ترى في الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران والتقارب بينهما، سيكون على حسابها ما لم يحمل ضمانات ايرانية واضحة لامنها، واستقرار وابعاد التهديد عن حدودها، وان واشنطن ملزمة على وضع هذا الملف على طاولة التفاوض المباشر مع طهران، في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، والوصول به الى النقطة المطلوبة.

الواقعية الامريكية، التي قادت الى تفهم مأزق البرنامج النووي الايراني، قد تنسحب على ازمة الدور العسكري والامني والسياسي لحزب الله، الحليف لايران في الاقليم، لذلك فان العودة الى احياء مبادرة او خريطة الطريق التي كتبها خرازي وزير الخارجية الاسبق في عهد الرئيس محمد خاتمي، قد يكون صعبا واكثر تعقيدا، ما يعني ان الطرفين سيبحثان عن مخارج جديدة لهذه العقدة، وقد تشكل مسألة “الاستراتيجية الدفاعية” التي تسيطر على الادبيات السياسية اللبنانية المدخل الى تحقيق هذا الهدف، وهو مسار لن يكون سريعا او سهلا ومن دون تعقيدات ومصاعب، لانها مرتبطة برؤية الحزب، الذي بات يعتقد بان الاستمرار في الاختباء وراء السلاح بات مكلفا، ولا بد من الوصول الى المرحلة التي تسقط هذا الحمل عن كاهله، والتي يجب ان تمر عبر استراتيجية سياسية، تبعد لبنان عن اي تهديد اسرائيلي، وتعيد انتاج منظومة السلطة اللبنانية بحيث تفتح الطريق امام الانتقال الى “لبننة” الحزب.

السابق
عصام خليفة يفضخ السلطة: تواطؤ رسمي يَحرم لبنان من 2430 كم2 بحرياً!
التالي
علماء جبل عامل: من حوزات البقاع إلى إفتاء إيران الصفوية!