خاص «جنوبية»: المزاج السني «العكر» بين ضياع الزعامة.. و«المستقبل»!

سعد الحريري
أحدث قرار الرئيس سعد الحريري، ب "تعليق" العمل السياسي وامتناعه و"تيار المستقبل" عن الترشح للانتخابات النيابية، الوقع المدوي لصدمة كبيرة، امتزج فيها العاطفي بالخصوصي بالسياسي العام، نتيجة خروج وارث رفيق الحريري السياسي، وحامل لواء الاعتدال الوطني والسني والعابر للطوائف كما يحب ان يردد دوما.

غير ان خروج سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية “التقليدية” بكلام مؤثر، هزّ الكيان السني بأكمله لا بل هز الكيان الوطني، ليس فقط أنصاره ومحبيه، حتى من معارضين او لديهم مآخذ على سياسته، رغم قوله في كلمته ان مهمته الأساسية، هي استكمال مشروع رفيق الحريري، التي تمثل في منع الحرب الاهلية، ومن اجل ذلك قام بتسويات عدة ومختلفة داخليا وخارجيا أتت على حسابه.

 لكن الناظر إلى الساحة السنية في لبنان وواقع أبنائها، يجد انها تحمل تركيبة معقدة. فالجمهور السني بمكان، والقيادة السنية الغائبة فعلا لا قولا، بمكان آخر، والفراغ سيد الموقف، يقول محلل استراتيجي خبير  بشؤون أهل السنة ل “جنوبية” بهذا الصدد، “ان الساحة السياسية وتحديدا السنية، لا تحتمل الفراغ، فهناك من يسدها برمشة عين، فكيف إذا كان الساعون الى سد هذا الفراغ  من الخصوم المتمرسين واصحاب خبرات وتجارب في هذا المجال”.

ويشرح الخبير انه “لم ير أهل السنة أحداً يعبر عن عمق تطلعاتهم وطموحاتهم وقناعاتهم في الساحة اللبنانية، مع انكفاء دار الفتوى عن الدخول في دهاليز السياسة اللبنانية المتوحلة، وفي ظل ما يتحمله السنة من تبعات كبقية شرائح المجتمع اللبناني، نتيجة تداعيات الازمات المتواصلة لـ”حزب الله” في الساحات  المحلية والاقليمية والدولية، ومع غياب المرجع السياسي الاول والدعم الاقليمي العربي عن المشهد اللبناني منذ ما قبل تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وفي ظل الاحباط الذي يسود اوساط الحالة الشعبية السنية لاعتبارات عدة”.

التخبط في أداء الحريري ادى الى عدم قلبه الطاولة بعد 9 أشهر من التكليف الرسمي لتشكيل الحكومة رغم أزمات البلد

ويلفت الى ان “أهل السنة كانوا يتوقون دوما، الى موقف متقدم، يناهض ممارسة وفكر “حزب الله” الخصم الاول واللدود،  فجاءت بذلك مسارعتهم للانخراط كحالة شعبية، في ائتلافات المجتمع المدني وملء ساحاته في الشمال وبيروت وصيدا والبقاع الاوسط وتأييدهم “القوات اللبنانية” في حادثة الطيونة الشهيرة، رغم عدم درايتهم بتفاصيل اللعبة وحيثياتها، معتبرين ان المواقف التي صدرت عن ممثلهم السياسي تيار المستقبل خجولة ولا طعم فيها ولا رائحة، انما كانت فقط لتسجيل موقف لا اكثر ولا اقل”.

 ويستوقف المحلل عينه، “الموقف اللافت للأمين العام لتيار المستقبل احمد الحريري، تجاه رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع “بأن يلعب في ملعبه”، حتى قبل الهجوم عليه من جمهور تيار المستقبل على خلفية اصراره على التنسيق بالإنتخابات رغم عزوف سعد الحريري،  وهو كان بمثابة رسالة واضحة تأتي لإعادة شد العصب واحياء المواقف المتقدمة في الحضور السياسي اللبناني.

 و يرى  لـ “جنوبية” “انه ليس للسنة حاليا منبر موحد جامع للصف والكلمة.. ورغم حساسية الأحداث وتراكم الاستحقاقات المقبلة التي تزج بالساحة اللبنانية، تجد بدلا من الموقف الواحد عشرات المواقف، التي تحمل في طياتها تناقضات في المبادئ وطريقة التعامل مع الواقع”.

ليس للسنة حاليا منبر موحد جامع للصف والكلمة ورغم حساسية الأحداث وتراكم الاستحقاقات المقبلة التي تزج بالساحة اللبنانية

ويجزم ان “اهل السنة في لبنان يعيشون “حالة انعدام وزن سياسي بعد استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في شبه غياب عن المشهد السياسي اللبناني، الذي استمر في مرحلة الرئيس سعد الحريري، رغم انتشار الطائفة على مستوى لبنان  من الشمال نحو البقاع وامتداد الساحل بمدنه و مناطقه”.

إقرأ أيضاً: بالصور: «ياسمين» صفحة بيضاء في زمن السواد!

ويردف”: شكّل السنة بكل قواهم السياسية والثقافية والشعبية، الرافعة الأساسية لقوى 14 آذار، ان لم تكن القوة الطائفية المتميزة وشبه الوحيدة، وذلك لقوة الانتشار ولتناسق طروحات 14 آذار، مع ما يتوق اليه اهل السنة في لبنان، من الحرية والسيادة والاستقلال، وقد عبر هذا المكون الأساسي عن واقعه في انتخابات 2009 وحصد 34 نائبا في البرلمان اللبناني، رغم وصمة 7 أيار 2008، التي انعكست إيجابا انتخابيا عليه بعد سوء تقدير من حزب الله وقواه المتحالفة”.

أهل السنة كانوا يتوقون دوما الى موقف متقدم يناهض ممارسة وفكر “حزب الله” الخصم الاول واللدود 

ويؤكد “ان بدايات التراجع للسنية السياسية المتمثلة، في الحريرية السياسية الوطنية، بدأت بعد زيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق، واستضافة الرئيس السوري بشار الأسد له بحفاوة مقصودة، الامر الذي اوجد ارتباكا ترك أثره الكبير حتى عام 2011، عند اسقاط حكومته على باب البيت الأبيض، خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، وبدء الثورة السورية بعدها، في ظل غياب سعد الحريري عن المشهد السياسي لحوالي خمس سنوات”.

ويتابع”:مع عودته في العام 2016، برز عنصر أساسي، تمثل في بدء الحريري بتصفية مؤسساته الموروثة، وبيع أصول كبيرة في لبنان والخارج، وتفريغ تياره من الكوادر الأساسية بشكل كامل، وتراجع الخدمات الشعبية وبدء الازمة المالية التي استفحلت فيما بعد وأدت الى التوقف النهائي”.

ويعزو الارباك الحاصل الى مسألتين أساسيتين: “الأولى قبول سعد الحريري مفاعيل المحكمة الدولية باستشهاد والده، الامر الذي أثر تأثيرا مباشرا، في كل بيت لبناني عموما وسني خصوصا، والثانية هي موضوع التسوية مع التيار العوني الذي خسر من رصيده، لعدم تهيئة الأرضية السنية لقبول الحلف الجديد، لكون العونيين على علاقات مميزة مع حزب الله، وبالتالي يمثلون سندا حقيقيا لهم في الاستحقاقات الاساسية، وهو ما يحتاجه حزب الله في التفاعل مع الشارع المسيحي، من خلال أكبر مكون حينها.

اما الثالثة فهي موضوع احتجازه بالمملكة العربية السعودية وتداعيات ذلك، بحيث عري من المرجعية التاريخية الوحيدة، وانسلاخه عن التفاعلات الاستراتيجية والسياسية التي يريدها، للعب دور على مستوى لبنان والمنطقة  فضلا تعريته من الظهير المالي والمعنوي والسياسي للحريرية السياسية”.

وفي مأخذ أساسي لأهل السنة على الحريرية السياسية، بحسب الخبير عينه، “القبول بقانون انتخابات 2017، بحيث اعتبروه انه انتحار سياسي، وهو ما أكدته النتائج بعد هبوط عدد النواب الفائزين لتيار المستقبل من 34 الى 18، وتحقيق مرشح حزب الله المرتبة الأولى بين الفائزين، الأمر الذي ترك اثرا سلبيا في الأجواء السنية عامة والبيروتية خاصة”.

ويرى انه على الرغم من استقالة الحريري تحت عنوان التماشي مع ثورة 17 تشرين، الا ان الشارع السني رسم علامات استفهام واستغراب، حول عدم انخراط تيار المستقبل جديا بثورة تشرين، والذي كان له أثره السلبي في الوسط السني، بحيث وصف موقف التيار باللاموقف، من خلال الاكتفاء بالتأييد النظري البعيد، ما اوجد هوة كبيرة مع الجمهور الغاضب والواسع الانتشار، الذي هو الركيزة الأساسية في رصيد الثورة المتقدمة، في ساحات الشمال وبيروت وصيدا والبقاع الأوسط، لم يجاريها تيار المستقبل على غرار حزبي الكتائب والقوات اللبنانية والكتلة الوطنية والاحرار وبعض الأحزاب السيادية الاخرى”.

ويقف المحلل الإستراتيجي عند “الأداء المتخبط و المراوحة والتسويف وعدم اتخاذ الحريري القرار السريع  بقلب الطاولة بعد 9 أشهر من التكليف الرسمي لتشكيل الحكومة، والبلد يرزح تحت أزمات سياسية واقتصادية ومالية متواصلة.

ويلفت الى ان المكون السني اليوم هو مبعثر، وانه خسر زعامة على المستوى الوطني، وليس هناك من بديل بحيث نشأت من وراء قانون الانتخاب زعامات مناطقية، يستفيد حزب الله من هذا التشرذم وتأليف مجموعات له من اهل السنة كاللقاء التشاوري مثلا، ودعمه بالكامل ليحصل على 40% من المقترعين وبالتالي حق التمثيل في الحكومة”.

المكون السني اليوم مبعثر وخسر زعامة على المستوى الوطني وليس هناك من بديل

وعرض لتوزع السنة اليوم، “في ولاءات مناطقية ويعيشون حالة من الضياع السياسي في تحديد توجهاتهم، وما زاد الطين بلة، الغيبة الثانية للرئيس الحريري بعد اعتذاره عن تأليف الحكومة، ومكوثه في دولة الامارات العربية المتحدة من دون أية إيضاحات، اذ كان حري تظهيرها من خلال ندوة تلفزيونية، يشرح فيها تطوراته ومستجداته وموقفه من الواقع اللبناني ككل، وبالتالي من الازمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، فضلا عن موقفه من العمل السياسي و التنظيمي المستقبلي، خصوصا و على أبواب إعادة هيكلة الواقع اللبناني، في استحقاقات متتالية نيابية اكانت ام رئاسية”.

السابق
بالصور: «ياسمين» صفحة بيضاء في زمن السواد!
التالي
الحريري..«من بعدي الطوفان» أو الطائف!