خبراء يشخصون لـ«جنوبية» حالة جنون الدولار.. «فالج لا تعالج»!

من البديهي القول أن أسعار الدولار ومعها أسعار السلع والخدمات ستحلق في الأيام المقبلة، أنها معضلة الطبقة السياسية التي تتهيأ لخوض معركة الانتخابات النيابية، و الحفاظ على حصصها و لو على حساب أرواح المواطنين.

يجمع الخبراء الاقتصاديون أن دولار السوق السوداء، سيسجل أرقاما عالية في الأيام المقبلة، بسبب إستمرار الازمة السياسية الخانقة وصمت وزير المال يوسف خليل المطبق، في ما يُشغل السياسيون اللبنانيين بعناوين دستورية وقضائية وطائفية، لحرف نظرهم عن الهمّ المعيشي الساحق.

إقرأ أيضاً: انهيار تاريخي.. الدولار «طبش» الـ 32 الفاً!

لكن السؤال الجدي الذي يتم تداوله في كل الاماكن في لبنان، يتعلق بالسقف الذي سيصل إليه دولار السوق السوداء، في ظل تخطيه اليوم 31 ألف ليرة للدولار الواحد، لكن لا جواب يشفي على هذا السؤال، في غياب عناصر أساسية، تعيد التوازن إلى سعر الليرة مقابل الدولار، وهي إقتصاد ببنيان سليم وإستقرار سياسي وثقة داخلية ودولية تهدئ من الطلب على الدولار مقابل العرض. لكن المفارقة في لبنان أن السوق المالي والاقتصادي، يفقد جميع هذه العناصر حيث أن فقدان الثقة يزيد الطلب، وارتفاع الطلب يؤدي إلى المزيد من فقدان الثقة.

من المتوقع المزيد من جنون لسعر الدولار في الايام المقبلة

ما يمكن تسجيله في هذا الاطار أيضا، أن غياب التنافسية في السوق السوداء، حيث يتحدد العرض والطلب على الدولار بشكل اصطناعي بسبب احتكار سوق الصرف، وتحديده من قبل قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وغياب الرقابة وإقتصار المعالجة على تدخلات مصرف لبنان الموقتة، والتي لا تعطي النتيجة المرجوة منها، بالاضافة إلى وجود كتلة نقدية هائلة بالليرة، تُترجم طلباً على الدولار مع كل تراجع في الثقة. هذه الكتلة التي من المتوقع أن تكون قد تجاوزت 50 ألف مليار ليرة مطلع هذا العام، مصدرها الوحيد هو مصرف لبنان.

دخل لبنان مرحلة التضخم المفرط بسبب عدم الثقة بالنظام السياسي والمصارف ومصرف لبنان

 
يشرح الخبير الاقتصادي والمالي جو سروع ل”جنوبية” أن “المبادئ الاقتصادية والمعادلات المنطقية، التي تحكم سعر الصرف في أي بلد، تتقهقر أمام أسوار تفلت السوق من جهة، والابقاء على سعر الصرف ثابتاً من جهة ثانية”، معتبرا أنه “من المستحيل في ظل هذين العاملين إدارة سياسة نقدية، أو التوقع بكيفية تطورها منطقياً، والمستويات التي من الممكن أن يصل إليها سعر الصرف. فهذه السوق التي يتحدد فيها سعر الصرف ليست موازية، إنما سوداء محمية تجمع كل المتناقضات، فهي متفلّتة من أي معيار، ومنظمة بشكل دقيق بين من يديرها”.

سرّوع ل”جنوبية”:سوق سعر الصرف ليست موازية إنما سوداء محمية ومتفلّتة ومنظمة

ويرى أن “السوق الموازية التي تضم الصرافين المرخصين، والواقعة تحت رقابة السلطة النقدية، تجمعها علاقة ملتبسة مع السوق السوداء، بمعنى، أن البيع يتم في محال ودكاكين الصرافة وحاملي الشنطة، فيما يتم جزء من عمليات الشراء في السوق الأولى، التي تسعر على أساس صيرفة. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من الطلب على منصة صيرفة والذي يناهز في كثير من الأيام 20 مليون دولار”، مشددا على أن “هذا الخلط غير الطبيعي المتزامن مع سعر صرف ثابت يجعل المفاهيم الأكاديمية عاجزة عن تفسير ما يحصل في سوق الصرف، وبالتالي من المتوقع أن نشهد جنونا لسعر الدولار في الايام المقبلة نتيجة هذا العرض من دون الدخول في تحديد أرقام تخدم المضاربين”.

وصول الدولار إلى ما يفوق 30 ألف يعود لأسباب متعددة أولها البنية الهشة للإقتصاد اللبناني  

من جهته  يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش ل”جنوبية” أنه “قبل الازمة كان يتم الإستناد إلى حجم الكتلة النقدية وأرقام ميزان المدفوعات، لتحديد مصير سعر الصرف وغيرها من العناصر، أما حاليا فهذه الارقام لم تعد معبرة، ولا يمكن الركون إليها لتحديد سعر الصرف”، لافتا إلى أن “الاساس الذي يلعب دورا في تحديد سعر الصرف، هو الثقة بالنظام اللبناني والطبقة السياسية ومصرف لبنان والقطاع المصرفي، وكلها عناصر مفقودة اليوم، مما يترجم إرتفاعا سعر الدولار السوق السوداء، ولا يمكن توقع الرقم الذي سيصل إليه سعر الصرف في المرحلة المقبلة، في ظل غياب هذه العناصر الثلاثة”.

عكوش ل”جنوبية”:”لا يمكن توقع إلى أين سيصل سعر الصرف لعجز الدولة عن إقرار خطط وقوانين إصلاحية

يضيف:”بلغة الارقام  الكتلة النقدية في السوق اللبناني  تعادل 47 الف مليار ليرة أي ما يعادل مليار و52 مليون دولار، بينما  في الاردن تبلغ هذه الكتلة 9.16 مليار دولار، وفي مصر 47.67 مليار دولار، وفي ما يتعلق بإحتياطي العملات الصعبة والذهب لبنان يملك 30 مليار دولار، بينما 7.56 مليار دولار الاردن وفي مصر15.29 ولكن الموضوع لا يتعلق بالأرقام، بل بالتضخم المفرط بسبب عدم الثقة بالنظام السياسي و المنظومة الحاكمة  والمصارف ومصرف لبنان”.

ويشدد على أنه “لا يمكن توقع إلى أين سيصل سعر الصرف في الايام المقبلة، لأن دولة لا تستطيع تأمين متطلبات الصحة والتعليم للمواطن، وهي تعطي صورة سلبية عن دورها بالاضافة إلى عجزها عن إقرار خطط و قوانين إصلاحية لأسباب سياسية”.

ويختم:”لا يمكن أن يحصل إستقرار بسعر الصرف، إذا لم تقم الطبقة السياسية بإجراءات وإصلاحات جذرية في النظام السياسي، وفي طريقة إدارة النظام الإقتصادي والمالي بشكل سليم”.

في التفسير السياسي لأسباب إرتفاع الدولار في السوق السوداء يرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور جمال واكيم”أن وصول الدولار إلى ما يفوق عتبة 30 ألف ليرة لبنانية يعود لأسباب متعددة أولها البنية الهشة للإقتصاد اللبناني، خصوصا بعد العام 1992، والتي إعتمدت على المضاربات المالية والعقارية على حساب القطاعات الانتاجية مثل الصناعة والزراعة”، مشيرا إلى أن “الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الاميركية على لبنان كجزء من الضغوط على الطبقة السياسية، بالاضافة إلى مفاعيل صفقة القرن التي بموجبها تشطب الولايات المتحدة لبنان كمركز مالي في منطقة الشرق الاوسط لصالح حيفا”.

واكيم ل”جنوبية”: إرتفاع للدولار بسبب طبقة سياسية غير واعية ولا تمتلك مشروعا للإنقاذ 

ويختم :”كل ما يحصل من إرتفاع للدولار، هو في ظل عدم وجود طبقة سياسية واعية لما يجري، ولا تمتلك مشروعا للإنقاذ في البلد وهو ما يُعبر عنه في حالة الشلل التي نشهدها في البلاد”.

السابق
كازاخستان.. كوة في الجدار العازل الروسي
التالي
وزير الاتصالات يعلن مفاجأة بشأن تعرفة الاتصالات!