وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: «حزب الله».. معركة على الكيان لا على السلطة

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

خطاب السيد حسن نصر الله الأخير، رغم تناقضه مع أبسط محددات الهوية اللبنانية، ومعنى الدولة وحقيقة الديمقراطية، لا يُحمَل على أنه (أي نصر الله) لا يعرف: شروط الإنتماء الخالص للبنان، أي معنى أن تكون لبنانياً في هويتك وشخصيتك وثقافتك، أو مقتضيات الولاء للدولة، أي معنى أن تكون مواطناً في تضامناتك ونشاطك السياسي، بل حتى لا يمكن الادعاء أنه (أي نصر الله) يجهل معنى الديمقراطية وإجراءاتها وأصولها القيمية.

اقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: «العونية» في لحظات الذروة الأخيرة


خطاب نصر الله الأخير رغم تناقضه مع أبسط محددات الهوية اللبنانية لا يُحمَل على أنه لا يعرف: شروط الإنتماء الخالص للبنان

فالبناء على قصور نصر الله وحزبه في معرفة هذه المفاهيم أو الإلتباس في فهمها، يوقع الذين يحاولون فهم وتفسير خطاب نصر الله الأخير، وخطاب ولغة وتعابير كامل المنظومة التي ينتمي إليها حزب الله، ويسعى إلى تعميمها وترسيخها، يوقع هؤلاء في التباسات ساذجة، واستنتاجات سطحية بل متناقضة، بالتالي يسقطون في الفخ الذي ينصبه حزب الله، لخصومه ومؤيديه وحتى المحايدين منهم، في تمييع حقيقة ودلالة هذه المفاهيم من جهة، وتفعيل النقاش حول الموضوعات الخاطئة، التي تسهم في التغطية على الموضوعات الجوهرية التي تحرج حزب الله من جهة أخرى.

البناء على قصور نصر الله وحزبه في معرفة هذه المفاهيم أو الإلتباس في فهمها،يوقع الذين يحاولون فهم وتفسير خطابه الأخير في التباسات ساذجة واستنتاجات سطحية بل متناقضة


حزب الله يعرف حقيقة هذه المفاهيم ويدرك دلالاتها، لكنها لا يريدها بل يعمد إلى تقويضها. لأنه ببساطة لا يؤمن بها، بل ينتمي إلى منظومة إيديولوجية تناقضها بالكامل، والمهمة المنوطة بتكوينه الثقافي وبنيته التنظيمية والأمنية، غرضها تأسيس ثقافة بديلة ونظام ولاء وأطر تضامن، على أنقاض فكرة الكيان اللبناني وحقيقة الدولة ومعنى الديمقراطية.

حزب الله يعرف حقيقة هذه المفاهيم ويدرك دلالاتها لكنها لا يريدها بل يعمد إلى تقويضها لأنه ببساطة لا يؤمن بها،

هذا ليس كلاماً في النوايا، حُسنها أو قُبحها، سوء سريرتها أو صفائها، بل كلام في الوقائع والشواهد، التي يؤمنها فائض المادة الإعلامية والثقافية والسياسية لحزب الله، وتصريحات قادته ورموزه، هذا فضلاً عن المرتكز الأيديولوجي الذي تقوم عليه أصل فكرة حزب الله.
فولاية الفقيه ليست مجرد معتقد ديني، بل هي هوية سياسية تقوم على تأويل ديني. هي ليست علاقة إيمانية بين الإنسان وخالقه، بل أساس أية شرعية سياسية، أيّ قوام صحة أو فساد أي فعل سياسي، بل مدار شرعية وقانونية أي نظام سياسي.

ولاية الفقيه ليست مجرد معتقد ديني بل هي هوية سياسية تقوم على تأويل ديني


ولاية الفقيه بهيكليتها العالمية الحالية، ليست سوى شبكة أمنية وسياسية، تقوم على مركزية قرار وولاء صارمة، لصالح “الجمهورية الإسلامية” في إيران. هي مركزية لا تكتفي بتبعية المجموعات الولاياتية خارج إيران لها، بل تحصر الإنتماء والولاء لها، والتقيّد الصارم بقرار هذه الدولة ونظام مصالحها.

ولاية الفقيه بهيكليتها العالمية الحالية ليست سوى شبكة أمنية وسياسية تقوم على مركزية قرار وولاء صارمة لصالح “الجمهورية الإسلامية” في إيران

هي وضعية تضع الحزب، على النقيض من بديهيات الكيان اللبناني، ومعنى الدولة وشرط الديمقراطية.
فالكيان اللبناني، ليس مجرد بقعة جغرافية يتواجد عليها جماعات أهلية ودينية، بل هو انتماء وهوية موحدة لجميع اللبنانيين، مهما تنوعت ميولهم وأهوائهم وخصوصياتهم. هو سمة وميزة للشخصية اللبنانية، في وعيّها وثقافتها ونمط عيشها. هو هوية حاضنة لهويات فرعية، لكنها لا تقبل تضخم هذه الهويات، لتصبح في موقع المنافس والمزاحم لها.

هي وضعية تضع الحزب على النقيض من بديهيات الكيان اللبناني ومعنى الدولة وشرط الديمقراطية


بالتالي، فإن المسعى إلى تحويل مناسبة مقتل سليماني إلى حدث وطني في لبنان، وإغراق الشوارع والقرى والمدن برموز وشعارات غريبة، عن مسرى الذاكرة اللبنانية ونسيجها المجتمعي الداخلي، هو تقديم وترويج لهوية رديفة وبديلة، لمعنى الكيان اللبناني وحقيقة الهوية اللبنانية، هو مسعى لخلق مساحات جغرافية وبؤر سكانية معزولة ومنفصلة عن أصولها الوطنية، هو مسعى لإنتاج لبنان آخر.
كذلك فإن الدولة، ليست مجرد سلطة معنية بإدارة شؤون المجتمع، بل هي مرتكز الولاء ومصب السيادة. فلا ولاء خارج الدولة، ولا طاعة لغير الدولة، ولا سلطة تعلو سلطة الدولة. بهذا المعنى، فإن ولاية الفقيه، التي تجسدها هيكلية الحزب التنظيمية، تقف على الضد من فكرة الدولة، لأنها ولاية تعلو على الدولة، بل يكون الولاء للدولة منتفياً من أصله، بحكم أن الولاية مقتصرة على الولاء المطلق وغير المقيد للفقيه، الذي هو رأس النظام السياسي في إيران.

المسعى إلى تحويل مناسبة مقتل سليماني إلى حدث وطني في لبنان وإغراق الشوارع والقرى والمدن برموز وشعارات غريبة هو مسعى لإنتاج لبنان آخر


هذا يفسر غياب كل المناسبات الوطنية في احتفالات حزب الله ومناسباته، ويفسر عدم تقيّد الحزب بالدولة، وعدم اكتراثه بالمصلحة الوطنية العليا، من خلال استمراره في فتح جبهات سياسية وأمنية لحسابه الخاص، خارج سياق عمل الدولة وقنواتها الرسمية.
أما الديمقراطية فليست أيضاً مجرد حدث انتخابي، بل هي التي تعطي للفعل السياسي شرعيته وصلاحيته، هي الآلية التي تجعل الشعب مصدر السلطات ومرجعها النهائي، بل إن الديمقراطية هي التجلي الأوضح، لحرية الفرد وخروجه من الوصاية وحقّه في تقرير مصيره. بهذا المعنى لا ديمقراطية مع فتوى أو تكليف “ديني” بانتخاب جهة أو شخص، ولا ديمقراطية مع الأمر “الولاياتي” مثلما هو متبع عند حزب الله، ولا ديمقراطية مع حرص الحزب المتكرر، باستعراض عدّته وعديده لإظهار وتأكيد غلبته وكلمته العليا، مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية.

هذا يفسر غياب كل المناسبات الوطنية في احتفالات حزب الله ومناسباته ويفسر عدم تقيّد الحزب بالدولة وعدم اكتراثه بالمصلحة الوطنية العليا


نجح حزب الله في الإمساك بركني مؤسسات الدولة: التشريعية والتنفيذية، ويبذل جهداً استثنائياً لتطويع ركن الدولة الثالث، وهو السلطة القضائية، هي جهود غرضها وضع ولاية الفقيه مرجعية فعلية لا نظرية، لكل لبنان بدل أن تكون مرجعية لجزء منه.

نجح حزب الله في الإمساك بركني مؤسسات الدولة: التشريعية والتنفيذية ويبذل جهداً استثنائياً لتطويع ركن الدولة الثالث وهو السلطة القضائية


من هنا لا معنى لمطالبة حزب الله، بمراعاة ثوابت الهوية والدولة والديمقراطية والعودة إليها، لأنه يقف على أرض أخرى، ذات قيم ومعتقدات وولاءات على النقيض من هذه الثوابت. بالتالي، فإن التحدي القادم لا يقتصر على انتزاع الأغلبية النيابية من حزب الله، أي إن حقيقة المعركة مع حزب الله ليست على السلطة بل على الكيان اللبناني نفسه.

التحدي القادم لا يقتصر على انتزاع الأغلبية النيابية من حزب الله أي إن حقيقة المعركة مع حزب الله ليست على السلطة بل على الكيان اللبناني نفسه

السابق
نادي القضاة يصعّد بوجه مجلس القضاء: لعقد جمعية عمومية «فورا» وإلا..
التالي
«لطشة» من بري: المجلس سيد نفسه!